من هموم المتقاعدين العسكريين

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
يقدر عددهم بعشرات الآلاف من البشر، الذين تم إحالتهم إلى التقاعد (القسري) جراء نتائج حرب 94م، وتضم هذه الأعداد الغفيرة خيرة كوادر القوات المسلحة في دولة الجنوب سابقا، الذين تم الاستغناء عن خدماتهم وطي كفاءاتهم وقدراتهم وخبراتهم العسكرية المتراكمة عبر السنين وإحالتها (بهم) إلى شارع البطالة والحيرة والفراغ الكبير، ليصبحوا بعد ذلك مجموعة كبيرة من البشر المسلوبة حقوقهم والمعطلة قدراتهم والمنحورة طموحاتهم على مذبح الوطن الجريح في أكثر من مكان وزمان.. إنهم مجموعة كبيرة لا تمتلك حاليا سوى أن تتأمل الماضي القريب والماضي البعيد بترو وهدوء وحسرة كبيرة يصاحبها ألم شديد ينحدر من قلوب تكتوي يوميا بحقيقة مرة تصحو وتنام معهم أينما حلوا وأينما كانوا ، حقيقة تخبرهم وتجلدهم كل يوم بمقولة ثابتة تقول لهم باختصار : إن ما قدمتموه من تضحيات ونضالات كبيرة قد سرقت منكم ونهبت بسهولة ويسر.. تماما كما سرق ونهب الوطن الذي قدمتموه بوطنية وسذاجة لا تصدق .

نظم هؤلاء أنفسهم على طريقتهم الخاصة، واستفادوا من صفة الانضباطية العسكرية إلى حد ما في تنظيم جمعياتهم تلك ، وشرعوا في تنظيم اعتصامات متزامنة في أكثر من محافظة، مطالبين بحقوقهم المشروعة التي عبروا عنها في بيانات كثيرة، وإن كنت أعتقد أن تلك المطالب، التي يتحدثون عنها بكل براءة، لا تعبر في حقيقة الأمر عن حقهم الشرعي الكامل ، ولا تعكس بأي حال من الأحوال ما يجب أن يطالبوا به ويناضلوا من أجل تحقيقه، باعتباره حقاً مشروعاً لهم وبدرجة 100 % .

في أحيان كثيرة تسمح لنا الظروف مشاركة هؤلاء (الطيبين - المنكوبين) اعتصاماتهم بدعوة موجهة من قبلهم تارة، وكواجب وتضامن وطني مستحق نشعر به وبعض الزملاء من جانب آخر ، وفي تلك المشاركات المنظمة السلمية تظهر أمامك الكثير من الصور والمشاهد والأحاديث والتعليقات التي تستحق التوقف والتأمل والتحليل، ففي الاعتصام الأخير الذي نظم يوم الاثنين الماضي بمدينة عدن ، أخبرني القائد السابق للقاعدة البحرية بنوع من الألم أنه تحدث هاتفيا مع أحد تلامذته (المرضي عنهم) حاليا ، بفعل حسابات السياسة الراهنة، بغرض السلام عليه والاطمئنان على أموره (الميسرة جدا).. فما كان من تلميذه هذا إلا أن صدمه بعبارة (جاحدة - ناكرة) قال فيها : «إن هذا الاسم غير موجود حاليا في قائمتي !!

أرجو المعذرة فأنا لا أتذكر اسمك، ولا أعلم مع من أتحدث».. فأغلق صاحبنا هاتفه كما أغلق الآخرون ملفه العسكري كاملا .

وفي دلالة أخرى يتحدث الكثير معك بشيء من الغضب عن أولئك الساسة والقادة والرموز الوطنية الكبيرة، الذين وصل احترامهم وتقديرهم لدى هؤلاء العسكريين حد التقديس والإجلال، باعتبارهم كانوا قادة بلاد ورموز وطن وأهدافاً وطنية عليا، كما أنهم كانوا يقودون البلاد ومؤسساتها وشعبها في مرحلة ما قبل الوحدة ، وكيف بهم حاليا، وقد تخلوا تماما عنهم وعن أدوارهم الوطنية المفترض بهم القيام بها ، وفضلوا الاستكانة والبقاء في شتات أصقاع الدنيا، ينعمون بما لديهم من مال وراحة بال، غير عابئين بما خلفته سياساتهم العبثية من معاناة لآلاف البشر الذي باتوا ينامون اليوم على رصيف البطالة ويعانون الحرمان والظلم والإقصاء .

إن اعتصامات المتقاعدين العسكريين وتجمعاتهم ولقاءاتهم وبياناتهم، تحمل الكثير من الدلالات الكبيرة، وتعطي للقادم البعيد ومنذ الوهلة الأولى مؤشرات حقيقية عن حال الوحدة اليمنية وما وصلت إليه، وهي تعكس مفهوماً ضيقاً للوطن لدى من أحالوا تلك الكتل البشرية إلى كل هذا العذاب اليومي تحت سماء وطن الوحدة وطن 22 مايو 90م، وهو مفهوم لا يمكن أن يحقق المنجزات المأمولة منه لهذا الوطن بمختلف تطلعاته وطموحاته، باعتبار أن الأوطان تكبر وتنمو بحجم وآمال أبنائها وليس العكس .

إن غاية تطلعاتنا وأمانينا أن يقوم من يملك اليوم قرار منح هؤلاء القوم حقوقهم الوطنية، بمنحهم إياها من دون تأخيرأو مماطلة، كما نتمنى على زملائهم السابقين أن يتفاعلوا معهم إيجابيا بنخوة وشهامة، وأن يخلعوا عنهم ثوب الخوف والرهبة، لأن مطالب زملائهم لا تتجاوز المشروع قانونيا ولا الحق دستوريا .. وليتذكروا دائما أن دوام الحال من المحال .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى