> تلك عبارة أصبح لها وقع السحر في جميع هز مفاصل الإدارة ببلادنا، وغدت قادرة على تحريك السواكن، وإنطاق السواكت من الفعاليات، ولأنها ذات أهمية كبيرة فقد تناسل من هذه العبارة الملهمة الكثير من أخواتها، ففي حضرموت مثلاً، تم حضرمة هذا المفهوم وفقاً والخصوصية، لكي تؤدي دورها بانسيابية دون أن يلتف إليها إلا ممن يدركون لغتها وإيحاءاتها، فلم يعد بمستغرب أن تستمع إلى مثل هذه الشفرات: (كل شيء تمام، فيرد الآخر: كل شم تمام، أو كيه الهريه، ليأتي الرد: ريضه، أو حقنا فيرد الآخر: مضمون)، والآخر، دائماً، هو الشخص المؤتمن على المخصص المالي القادم من المركز- أي مركز.

ولم يعد غريباً أن تكون كل الأنشطة والفعاليات والدورات التدريبية والاستراتيجيات التنموية واللعبة السياسية، برمتها، خاضعة لهذا القانون (المخصص) فإن وصل تحرك الجميع دون كلل للقيام بما يبرر صرف هذه المخصصات المالية ورفدها بغطاء قانوني في أوجه الصرف المتعددة، إذ أصبح من الصعب الإتيان بأي عمل أو نشاط مهني أو إداري أو مؤسسي أو أكاديمي أو حزبي إلا بهذه الكلمة (السر) التي لها (عارفوها ومتكتكوها) الذين يتحلون بمواصفات خاصة ليس بالضرورة أن يكون العلم والمعرفة منها، فقد تفاجأ إذا ما أوقعك حظك الجميل في دورة أو نشاط كشفي أو مخيم صيفي أو تجمع رياضي أو مؤتمر حزبي أو نشاط سياسي أو خلاف ذلك، بأن المهيمن على أوجه الصرف قادم من المركز وبيده اليمنى يحمل حقيبة (خزينة) المخصص المعتمد لهذا الفعل أو ذاك النشاط، لتبدأ الحجب الدخانية تتكشف عن صور من الأنانية المعششة على كل المرافق والمؤسسات والمنظمات والجمعيات، وتبدأ رحلة الألف ميل في ترتيب الأوضاع واستدعاء المحظيين المقربين للمشاركة إلى جوار رفقائهم في الدرب الطويل، والأجوبة جاهزة لكل من تسول له نفسه الاستفسار أو إبداء رأي أو اعتراض. ولكن الأمر يختلف عندما تكون مثل هذه الأنشطة والفعاليات - لحظها السيء- دون مخصص أو ضعيف حيلة لا يقوى على المنافسة والمقاومة، عندئذ يتم رفع القائمة المتحذلقة المتضررة من التهميش، ويقال لها هذه فرصتكم، ولكن- يأتي الاستفسار- (بلوشي؟) يكون (الزمجرة) وتزداد حدة (الشخيص) على (الغلابى): لا قلنا لكم هذه فرصتكم، قلتم: مخصص، ولا استثنيناكم، برضه قلتم: من أجل المخصص.

ليبقى الحال يراوح بين مخصص وصل وآخر إما ضعيف أو هو كالعدم، فاصلاً بين لحظتين كل منهما تذهب في اتجاه.

ولكن الذاكرة الشعبية ما زال لديها الكثير من العبارات المكثفة لرصد تفاعل هذا المفهوم وفعاليته في الواقع المعيش.