طقوس رمضان الشامية هل أصبحت من الفلكلور...مسحر رمضان.. أبو طبلة وداعـاً..

> «الأيام» عن «الوطن» السورية :

> لو عاد بنا الزمان إلى الأيام التي عاشها أسلافنا في شهر رمضان، ووعيناها في طفولتنا لطالعتنا صورة مسحر رمضان (أبو طبلة) بحلتها الشعبية مصحوبة بالسلة والطبلة والعصا (الجلدة) والفانوس.. تجوب الأزقة والحارات، وتمر بالأبواب تقرعها.. توقظ القوم، كلا باسمه.. بأماديحها ودعاباتها المحببة:

يا نايم وحد الدايم

يا نايم وحد الله

قوم يا بو محمد وحد الله

قوم يا بو حامد.. يا بو صياح..

عبارات تقليدية طالما ألفناها، تنطلق في هدأة الليل، توقظ الناس إلى سحورهم وتذكرهم بما عليهم حيال الفقراء والمعوزين.

كان وراء هذه العبارات أناس جنّدوا أنفسهم لهذا العمل في هذا الشهر الكريم (رمضان).. توارثوا ذلك أباً عن جد، فلازمتهم هذه الحرفة خلال العصور.. وغدت أقوالهم رفيقة عملهم، حتى لكأنها جزء لا يتجزأ من شخصيتهم، إنهم يبثون من خلال تلك الأقوال، آمالهم وآلامهم ومعاناتهم بالحض على الكرم مرة، والحنين إلى الديار المقدسة مرة أخرى وبالجد تارة، والمزاح البريء تارة أخرى، بأسلوب يدركه العامة، ولا يستعصي على الآخرين فمن المديح:

ياما سارت لك محامل يا أشرف العربان

حنين بدرك وحنين نورك يا محمد بان

من غرامك قصدي ليمك مال

شوقتني للزيارة لو كان معايا مال

يا راحلين إلى منى في قيادي

هيجتموا يوم الرحيل فؤادي

ومن الحض على الكرم:

قالوا البخيل مات قلنا استراح منه الحي

اللي ما عمل خير في الدنيا وهو حي

القبر قال للبخيل أوحشتني يا جار

لازم أضم عضامك كما ضم الحديد النار

بكرة تقوم القيامة وينتصب نيران

يبقى الموفي معدي والبخيل حيران

إذا أمعنت النظر في وجوه المسحرين تجد فيها السماحة والبراءة والطيبة والقناعة مهما كان المردود الذي يعود عليهم من تجوالهم.. ومهما بلغت المشاق التي يواجهونها، من حر وقر ومن تعرضهم لطيش الصبية وهم يلاحقونهم عقب إفطار كل يوم، بدعاباتهم السمجة حيناً والبريئة في كثير من الأحيان.

ولئن كان ما يصدر عن بعض الأطفال من هفوات لا تليق بالمسحر في بعض الأحيان، كقولهم له:

أبو طبلة مرته حبلة

شو جابت ما جابت شي

جابت جردون بيمشي

فإن جميع الأطفال كانوا على درجة عالية من الحب، حتى إنهم كانوا يؤثرونه على أنفسهم بأطايب ما يخبئونه لوقت الإفطار، وهم يتسابقون إلى مرافقته في تجوال بعد الإفطار مساء كل يوم، أملا في إمساك الطبلة والقرع عليها أو حمل السلة أو الفانوس، كما لو أنهم ملكوا القلعة، كما يسترضونه بأطايب طعام مائدة الإفطار ليقدم لهم ما يحبون من أقواله عن: البرغوت، والحماية والقطة (الهرة) وهو لا يبخل عليهم إيماناً منه بأن ذلك يروح عن الأطفال بعد صوم يوم شاق بالنسبة إليهم.

ولا فرق عند المسحر طالما يسعد القوم بما يقول بعد الإفطار وقبل السحور.. والمهم عنده أن ينعم الناس بخيرات رمضان ويعيشوا أحبة متواصلين يعطف كبيرهم على صغيرهم، ويبر غنيهم فقيرهم، ويلتئم شمل الأسرة وتزداد ارتباطاً عما كانت عليه قبل رمضان.. وكيف لا والمسحر في تلك الأيام كان رفيق الأسرة، يعرف أصولها وأبناءها وأحفادها ويحفظ مآثرها ويشيد بمواقفها.

أما وقد أصاب التطور الاجتماعي والفكري والعمراني حياة دمشق فاتسع العمران وشهق وامتد في كل اتجاه، وتطورت العلاقات الاجتماعية بانفصال عرا الأسرة التي كانت تضم تحت جناحها الأجداد والأبناء والأحفاد وزوجاتهم وأولادهم.. وأصبحت هذه الأسرة أسراً صغيرة لا تتجاوز الزوج والزوجة والأولاد.. إلا في قليل من الحالات.. وتزايد عدد الطارئين على المدينة.. وتزايد لهاث الناس نحو متطلبات الحياة الجديدة.. فضلاً عمّا رافق ذلك من ظهور وسائل جديدة حديثة تتولى إيقاظ الناس إلى سحورهم.. فكان لابد أن تنزوي وظيفة المسحر الذي رافق حياتنا أجيالاً وأجيالاً.. لتعود إلى ذاكرتنا كلما طل هلال شهر رمضان، وسبحان مغير الأحوال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى