يوصيكم الله (2)

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يوصينا ربنا- جل في علاه- في سورة الأنعام، وهي سورة مكية آياتها 165 آية بوصايا عديدة لعل من أهمها (الدعوة إلى التمسك بالأخلاق الكريمة والاستقامة على الخير) وهذه العبارة التي بين قوسين (مما يكثر في السور المكية) كما قال د. صبحى الصالح- رحمه الله- في كتابه (مباحث في علوم القرآن صفحة 183).

قال الحق- وقوله حق-:?{?قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون?}? الأنعام 151. اشتملت هذه الآية المقدسة على نواهٍ ناهية زاجرة، لعلنا نعقل ما فيها من حكمة ونلتمس ما تضمنته من رحمة، ونتجنب ما خفي فيها من نقمة.

وأولى هذه النواهي الحاسمة الحازمة الجازمة التي أوصانا الله الحكيم باجتنابها هي:«ألا نشرك بالله شيئاً» لأن الشرك أحقر وأرذل وأنذل جريمة يقع في مستنقعها مخلوق، ولأن الشرك ظلم للحقيقة، وتزييف للواقع وتزوير على العقل، وانحطاط مذل مضل وانحدار سافل تافه بالإنسان من قمة السيادة على المخلوقات التي سخرها ربه له، إلى حمأة العبودية الحقيرة للمخلوقات البشرية أو الحجرية أو الشجرية التي يعبدها المشركون من دون الله الذي قال: ?{?إن الشرك لظلم عظيم?}? لقمان 13، فهو ظلم لعقل الإنسان إذ يتحول إلى وكر للأباطيل، وزبالة للخرافات، وهو ظلم للإنسان نفسه إذ يكبل حريته، ويمسخ إنسانيته، ولو تأملنا ما في التوحيد من حكمة، وما في الشرك من وصمة ونقمة لطال بنا المقام والمقال. وما تضمنته هذه الوصية الإلهية ?{?ألا تشركوا به شيئاً?}? من خير وبر وبركة ورحمة للإنسان لا يكاد يحصى ويستقصى، فإن من وحد ربه- تقدست أسماؤه- فقد ضمن سيادته وكرامته وحريته، إذ لا سيادة ولا كرامة ولا حرية لمن يعبد بشراً أو يرجو حجراً، وبالتالي فإن التوحيد يقيم معنى إنسانيا عظيما هو «الإخاء لكل الناس» و«المساواة مع كل الناس» لأن عقيدة التوحيد تلزمنا وتفرض علينا أن نعتقد أن «الناس» هم عباد الله، وكلهم لآدم وآدم من تراب، كما قال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة حجة الوداع، وحينما يكونون «إخوة» فلن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، فتسود العدالة الإلهية، وتنتشر قيم التعاون والتكامل، وتسود أخلاق التواضع والسخاء والسلام والأمان والحب والود والتسامح- هذا في الدنيا- وأما في الآخرة فإن المؤمنين الموحدين يدخلون الجنة، وهذه الغاية هي منتهى الرحمة الإلهية.. وبالعكس وبالعند “?{?إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وما للضالمين من أنصار?}? المائدة 72. إن التوحيد هو باب الجنة الأعظم، وهو الصراط المستقيم، والمنهج القويم، وعلينا أن نعزز هذا التوحيد بما أوصانا الله به من العلم النافع والعمل الصالح، والتفكير النير، والجهد الخير والمسارعة إلى الطاعات، والمسابقة إلى أزمنة وأمكنة تنزّل الرحمات، والمواظبة على أداء العبادات.. اللهم ثبت قلوبنا على التوحيد واستعملنا لكل عمل صالح سديد واجعلنا من صالحي العبيد ووفقنا لكل فعل رشيد وقول حميد..آمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى