يوصيكم الله (3)

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> ?{?ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله?}? النساء 131... هذه وصية إلهية توصي المسلمين الموحدين بعمل خفي يرتبط بالقلب والشعور والوجدان والضمير وهو «تقوى الله» الذي وصى به الله السابقين من ?{?الذين أوتوا الكتاب?}? من قبل، وتتبادر إلى الذهن آية مشابهة في التكليف الإلهي والتوظيف العبادي، هي قوله سبحانه ?{?يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون?}? البقرة 183.

إن حالة «التقوى» درجة رفيعة ومقام عال يدل على صدق التوحيد وعمق اليقين وقوة الإيمان.. وما يساعد على تعميق هذه الحال وترسيخها هو «الصيام» وهو حالة تعبدية بترك بعض المباحات المشتهاة، غايتها تربية الإحساس بالرقابة الإلهية من خلال الصبر على الطاعة، والصبر على ترك المعصية أثناء الصيام، وهذا ما يقوي الحالة التقوائية لدى المسلم والمسلمة.. ويتعزز ذلك حينما يطمئن القلب فرحاً منشرحاً بالحديث القدسي المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به..» الحديث وهو كذلك عند أبي داود والترمذي.. وفي رواية للبخاري:«يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزى به، والحسنة بعشر أمثالها».. وفي رواية لمسلم:«كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به..».

وبجمع هذه الروايات نستنتج أن الحق- جل وعلا- جعل الصوم له وحده، وجعل كل أعمال ابن آدم- غير الصوم- للإنسان نفسه.. لأن الصوم أعظم العبادات على الإطلاق بما ينطوى عليه من سرية وكتمان وخفاء لا يعلم كنهها إلا من يعلم السر وأخفى، فصار أعظم العبادات إخلاصاً، ولهذا فإن لله يحفظ هذا الصيام للعبد الصائم، ولا يؤخذ منه شيء لأداء مظالم العباد يوم القيامة، وبتعبير آخر: إذا كانت هناك مظالم للعباد على امرئ أو امرأة ما فإنهما يحاسبان ويؤخذ من حسناتهما جميعها إلا الصيام فلا يؤخذ منه شيء، لأن أجر الصائم أو الصائمة بغير حساب لأنه صبر، والصبر نصف الإيمان، وفي الحديث «الصبر ضياء» وفي القرآن ?{?إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب?}? الزمر 10.. وإذا ما علم المؤمن والمؤمنة هذا الثواب الجزيل، من الرب الجليل،صبرا الصبر الجميل.

وإذا كان الحق- تعالت عظمته- قد وصانا في الآية 151 من سورة الأنعام فقال:?{?ألا تشركوا به شيئاً?}? فإنه فرض علينا الصيام مظهراً باهراً من مظاهر تعميق التوحيد، وتحقيق العبودية له وتوثيق الصلة به، ووصانا بالتقوى بصفتها ثمرة لبذرة التوحيد الذي هو أحق حق لله على كل العبيد.

إن تجليات التوحيد تتجسد في الإخلاص، وإن تجليات الشرك تبدو في الرياء- وهو شرك أصغر- وإن تجليات الصوم تتحقق بالتقوى.. ولا يمكن أن يلتقي التوحيد مع الرياء، كما لا يمكن أن يجتمع التقوى والنفاق، ولا أن يترافق الصوم مع مساوئ الأخلاق.. اللهم أوزعنا من شكر نعماك، ما يبلغنا غاية رضاك، واجعلنا ممن يسارع في رضاك، ولا تجعلنا ممن خالف أمرك وعصاك، واملأ قلوبنا بتقواك.. آمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى