> «الأيام» فردس العلمي:

أطفال ونساء تهتك أعراضهن
مخيم خرز كتاب يحكي لنا ماساة شعب أبطالها أطفال ونساء ورجال، فقدوا الكرامة والأمن والأمان، فقدوا الشرف حين هتكت الأعراض، ولم يسلم منها حتى الأطفال، فهناك كل شيء ممكن، وكل شيء مستباح، فلا أمن ولا أمان.. قصص وروايات يشيب لها الرأس، وتصلح أن تكون أفلام رعب تحصد جوائز الأوسكار.. أين أنتِ ياحقوق الطفل.. أين أنت ياحقوق المرأة.. أين أنتِ ياحقوق الإنسان!! فالإنسانية هنا مستباحة!!.
أروى علي محمد علي، لم تعش في دنيانا غير عامين وخمسة أشهر، وحكايتها حصلت قبل ثلاثة أعوام، ومازالت اليوم ماثلة أمامنا في عيون والدها.. أروى اختطفت من المخيم، وبعد خمسة أيام عثر عليها مغتصبة ومقتولة، ولم يكتف قاتلها بذلك، بل مثل بجسدها الصغير وفقأ عينها، وفي الوادى القريب رماها، ووجدت هناك جثة ممزقة لايستر جسدها شيء، وما يحز في النفس أن أروى كانت طفلة لم تفطم بعد.. فأي وحش آدمي كان مغتصبها!!.وليتستر على هذه الجريمة يؤكد لنا والدها الأخ علي محمد أن كافة الوثائق أخذت منه بحجة متابعة القضية، ولكن ما حصل بعدها أنه اكتشف أنهم أخذوها للتستر على الجريمة، ويثبتوا أنه لاتوجد روح تحمل هذا الاسم، ويضيف: «تعبت هنا، فلا فائدة ترجى من هذا المخيم». والد أروى أوصله الخوف إلى ربط أطفاله بالسلاسل حتى لاتتكرر مأساة أروى.
مأساة شابة هي سامية ورسما علي، حكايتها على كل ألسنة المخيم.. شابة في ربيع العمر، سمعت عنها قبل أن أراها، والتقيت بها أمام بوابة المخيم.. تقول سامية: «من ننادي ومن يسمعنا! إذا استطاعت منظمة UNHCR إيجاد حل مناسب لنا يساعدنا على البقاء في المخيم، ويوفر لنا الأمن والأمان، سنظل هنا، ما لم فإننا نريد العودة للوطن، فنحن شعب شبعنا تهديدا وظلما، ومنظمة UNHCR لاتحمينا، فأنا طالبة وصلت إلى الصف الثالث الثانوي، رسبت مرتين ظلما، طلب مني عشرون ألف ريال، ولم أعطهم، فرسبت للعام الثاني، وهذا المرة يساومونني بشرفي لكي أتمكن من النجاح و اجتياز الثانوية العامة، وحتى اليوم لم يكفوا عن تهديدي، فكأنا هنا كصوماليين لانجد من يحمينا غير رحمة الله!!.

في مخيم الاستقبال كانت الشكوى من فقدان الأطفال من المخيم، فقد قال بعض اللاجئين لاندري من يحوم في المخيم ليلا، ونحن نفقد أطفالنا، فهناك خمسة أطفال فقدت لانعلم أين هم أو حتى من يأخذهم ولانجد الماء ولا الطعام، حتى أرضية المخيم التي ننام فيها ليس فيها فرش، ونأكل طعاما لاتأكله حتى الدجاج.
شيخ نور يقول: «وصلت هنا قبل خمسة عشر يوما مع أسرتي وأمي التي تعاني ألما في الرأس، ولم تجد طبيبا يعاينها».
ذل وهوان وكرامة مبعثرة
لاجئة تقول: «نحن في شد وجذب كالحيوانات التي تربط في السوق، وكل مرة ننتقل من مكان لآخر، لنا هنا 17 سنة، نقلنا من مدينة الشعب، ومن الكود، ومن جحين والآن نحن في خرز، مرة يقطعون عنا الماء، ومرة يعدمون الغاز ويختفي البترول.. نحن في سجن لانستطيع إن نرى مكانا آخر!».
وتقول: «نحن في المخيم 4500 لاجئ، ورغم هذا يقولون إننا أكثر من عشرة آلاف لاجئ في المخيم.. أين هؤلاء؟!».
لاجئ في العقد السادس يصرخ بغضب: «رأينا هنا العجب، نعيش في ظلمة دون كهرباء، معنا فوانيس، ولكن لانجد الغاز، ونبقي نحن في الظلام والأرض الخلاء، هنا أطفال لديها ارتفاع في ضغط الدم وسكري وأمراض لايستحملها الكبار، 17 سنة لم نجد فيها الجديد، لانريد دعما أو معونة هنا، نريد من يسمعنا ويشيل عنا الظلم، هنا ليس لنا حياة نريد العودة إلى الصومال».

فاطمة محمد زين (شيخة في المخيم) تقول: «منظمة UNHCR ربما تقدم لنا الطعام، ولكنها لن تقدم لنا الأمن»، وتضيف: «لي ستة أشهر بدون غاز، وعندما أرسل ابنتي ذات الثامنة عشرة ربيعا لجلب الغاز يضربونها بالعصي، ونحن لانستطيع العيش في ظل خوف أكثر من ذلك».
حليمة عبدة شيخ تقول: «ضربني رجل أمن، وتسبب في إجهاضي بحمل أربعة أشهر، ومع هذا مايزال هنا في المخيم يعمل، وإذا حاولنا أن نوصل أصواتنا وما نريد نضرب، ولانستطيع أن نوصل صوتنا، نشعر أننا في سجن والمنظمة لاتقدم لنا شيئا، وإذا الحكومة اليمنية لاتستطيع حمايتنا فمن الأفضل أن نعود إلى الوطن، نعيش مع أصوات الرصاص أفضل».
لاجئة أخرى تقول: «لي هنا 15 سنة، مات لي خمسة أطفال في المخيم، ولم يبق غير ابنة واحده عمرها 15 سنة، وخلال هذه الفترة لم نلق شيئا، يهينوننا ويضربوننا من قبل المدير، وطردنا من مكتبه، والأمن يضربوننا بشدة، وهذا ليست معاناتي لوحدي، ولكنها معاناة كل الصوماليين».
اللاجئون الصومال: نحن رهائن!
حين وصلنا خرز كان الجميع في حالة اعتصام، أطفال ونساء ورجال، يحاولون لملمة الشتات، ولملمة ما تبقى من كرامة إنسانية تبعثرت، رفعوا شعارت لاتحتاج إلى تعليق أو توضيح، شعارات تقول (نريد حماية.. نحن رهائن.. نريد قرارات تستطيع حل مشاكلنا.. نحن معلقون في الجحيم).
يقول موسى أحمد: «نحن معتصمون، ونطالب بتحسين الوضع للمخيم، من قطع الماء وانعدام التعليم، وافتقاد الصحة.. كلها معاناة نعتصم من أجلها». بهجة عبدالله تقول: «نشعر بالقلق عندما نعلم أن UNK لاتستطيع الدخول إلى المخيم، فكيف نعيش، نعيش في ظلمة، ومن يوم أمس (الأربعاء) ونحن بلا ماء».
محمد موسى إبراهيم قال: «نريد أن نتحدث عن اللاجئين الذين دخلوا عبر التهريب، فمازالوا يعانون، فالمستوصف خال من الأدوية، نتمنى أن تتم معالجتهم، فهناك أكثر من خمسين لاجئا جريحا بحاجة إلى العلاج».

نعم للحماية لا للعنصرية
تقول الرسالة التي حملها المعتصمون والتي تطالب بضرورة تحسين التعليم والصحة وتوفير الأمن «ساعدونا! فنحن نشعر أننا رهائن!»
ونبهوا في رسالتهم إلى أن البيئة المحيطة بالمخيم غير مناسبة، حيث توجد بعض الحشرات التي أدت إلى إصابة بعض الأطفال والنساء بأمراض متنوعة، وقالوا في رسالتهم «نحن نريد حلولا تزيل المشاكل البيئية لا أن يتم نقلنا إلى مواقع أخرى بل نطالب بتحسين البيئة الحالية».

وكان هذا القسم توضيحا لأهمية القلم لحامله، فبالقلم تصنع المعجزات، وتتضح الحقائق أو تختفي وتتوارى تحت السطور، فالكل في مخيم خرز تألم، حتى الطاقم الأمني المرافق لنا، والطاقم الإعلامي الرسمي استنكر الوضع، وتألم، لكن السؤال الذي يفرض نفسه من نقل حقيقة الوضع في خرز؟!.
شكرا لـ «الأيام» وللأستاذين هشام وتمام باشراحيل لمنحي مساحة أسطر فيها وجع وطن، لعل وعسى يستفيق الضمير الإنساني من غفلته، وحتى لانردد (مصائب قوم عند قوم فوائد).