أين السلطة من الدستور والقوانين والمواثيق الدولية؟

> محمد عبدالله باشراحيل:

> يقال: «حبل الكذب قصير»، والمشكلة أن السلطة لاتخجل من نفسها من كثر ما كذبت، بحيث لم يعد الكذب عندها مجرد عادة فحسب، بل صار طبعا من طباعها، والطبع يغلب التطبع، والناس ملت ادعاءاتها وتزييفها الحقائق، فهي لم تلتزم لا بالدستور ولا بالقوانين ولا بالمواثيق الدولية، ودعونا نأخذ نماذج من كل منها. أولا الدستور: فقد نصت المادة (19) منه على: «الأموال والممتلكات العامة حرمة، وعلى الدولة وجميع أفراد المجتمع صيانتها وحمايتها، وكل عبث بها أو عدوان عليها يعتبر تخريبا وعدوانا على المجتمع، ويعاقب كل من ينتهك حرمتها وفقا للقانون». فماذا نسمي هدر الثروة والاستيلاء على الأرض في الجنوب من قبل المتنفذين، وبيع معظم المصانع والمؤسسات التجارية والسياحية للمؤسسة الاقتصادية مجهولة الهوية؟!. كما نصت المادة (41) على: «المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة». ماذا نقول عن الوظائف العامة المستحوذة عليها القبيلة في غير مناطقها، وحرمان أبناء المحافظات حقهم فيها؟. وأيضا ما هو حاصل في ماليزيا يعطينا نموذجا صارخا للتمييز وعدم المساواة، حيث يزيد عدد المبعوثين إلى جامعاتها عن ألفي طالب، وكان نصيب المحافظات الجنوبية منها أقل من واحد في المئة. أما المادة (48) من الدستور فتنص على: «(أ) تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم، ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن، ولايجوز تقييد حرية أحد إلا بحكم من محكمة مختصة. (ب) لايجوز القبض على أي شخص أو تفتيشه أو حجزه، إلا في حالة التلبس أو بأمر توجيه ضرورة التحقيق وصيانة الأمن يصدره القاضي أو النيابة العامة وفقا لأحكام القانون».

إن خروقات السلطة لهذه المادة من الدستور تكاد تكون متكرره مع معظم الاعتصامات السلمية، فقد تم اعتقال نشطاء في الحراك الجنوبي السلمي، واستخدمت الأجهزة الأمنية القوة المفرطة ضدهم وضد المعتصمين أيضا، لدرجة نزول الدبابات إلى شوارع المدن ومشارف ومداخل القرى، فهل هكذا تكفل الدولة حرية المواطن وتحافظ على كرامته؟!.

ثانيا: القوانين، وهنا حدث ولا حرج، ولكن دعونا نأخذ مثالا واحدا فقط، كونه يتكرر سنويا من قبل السلطة، ودون خجل أو استحياء، ويتمثل في التجاوز الخطير للموازنة السنوية التي تصدر بقانون، ثم تأتي السلطة في نهاية كل عام لتطلب اعتمادا إضافيا يصل إلى حوالي 40% من إجمالي الموازنة. في بلدان أخرى تحترم نفسها وتحترم قوانينها تسقط حكومات إذا تجاوزت 5% عن الموازنة السنوية المقرة.

ثالثا: الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، فقد نصت المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على: «لايجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة أو المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة». أما المادة (9) منها فتنص على: «(1) لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية، ولايجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقرة فيه.

(2) يجب إبلاغ كل من يقبض عليه بأسباب ذلك عند حدوثه، كما يجب إبلاغه فورا بأية تهمة توجه إليه». والحقيقة أن هناك معتقلين في صنعاء من نشطاء الحراك الجنوبي نقلوا من عدن، وعند مرض أحدهم نقل إلى المستشفى مكبلا بالقيود، فأين السلطة من حقوق الإنسان؟. سلوكيات كهذه تفقد السلطة مصداقيتها، وبالتالي تفقد احترام الشعب والدول والمنظمات الدولية المعنية.

والخلاصة، أن الواقع والأحداث تؤكد بأن هناك خروقات للدستور والقوانين والمواثيق الدولية، وتؤكد أيضا أن هناك قضية جنوبية على السلطة ضرورة التعامل معها بعقلانية، والاعتراف بها كمدخل لحلها، كما أن عليها أن تعي أن المكابرة والاعتقالات واستخدام العنف في مواجهة الاعتصامات السلمية غير ذات جدوى وفائدة، بل تسيء إلى سمعتها محليا وخارجيا، وعليها أن تدرك أيضا أن القضية قد أخذت بعدا واهتماما دوليين، وأن الشارع الجنوبي اليوم ليس شارع الأمس، وأن استمرار الحال من المحال.. وإن غدا لناظره قريب.

كبير خبراء سابق بالأمم المتحدة

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى