الوطن.. والزنزانة

> صالح علي الدويل:

> يادامي العينين والكفين .. إن الليل زائل .. لاغرفة التوقيف باقية.. ولا زرد السلاسل ..نيرون مات. ولم تمت روما .. بعينيها تقاتل .. وحبوب سنبلة تجف ... ستملأ الوادي سنابل .. محمود درويش

سمير القنطار

أسير عربي دخل المعتقلات الإسرائيلية وعمره سبعة عشر عاما مكث بها ثلاثين عاما، ولما خرج من سجون العدو الصهيوني كان يحمل شهادة جامعية في العلوم الاجتماعية من أرقى جامعاتها!!

وفي أول تصريح بعد خروجه قال: خرجت من فلسطين لكي أعود إليها.

شهدت فترة ما بعد 2008/4/1م حملات اعتقالات واسعة في صفوف الناشطين الجنوبيين فلم تكد تمر أسابيع إلا واستقبلت المعتقلات المئات منهم، وكان آخر تلك الاعتداءات ما تعرض له الدكتور وأستاذ القانون الدولي محمد علي السقاف في مطار صنعاء عندما كان يهم بالسفر مع أسرته لقضاء إجازة قصيرة في بلد عربي، والدكتور شخصية معروفة وكان يكفي أن يوجه له طلب إلى منزله أو مكتبه أو مكان عمله، لكن يبدو أن اختيار المكان يراد منه كيل الشتائم والإهانات وهي طريقة إمامية كانت تلاحق معارضيها وهم مكبلون بالأغلال في ساحات الموت!!

إن ما يعبر عنه ذلك الموقف هو الإفلاس في التعامل مع القضية الجنوبية وأنه ينبغي احتواؤها داخل الزنزانات، وهو الممر الوحيد للمراجعات في هذه القضية.

إن المراجعات السياسية والوطنية تتطلب سنوات إن لم تكن عقوداً في مساحات الزمن، فهي ليست على طريقة الوجبات السريعة، وإجراؤها في أقبية السجون الانفرادية وظلام المعتقلات المتداخلة كجحور الفئران تحت الأرض لا تجعل منها مراجعة.

فمفردات ومشخصات القضية لن تسعها زنزانة أو اعتذار ينضح بالبرودة وانعدام الخيارات، وهو في ظرف كهذا ليس إلا مفاضلة بين ظلام الزنزانة الخانق النتن وظلام الزنزانة الأخرى وإن كانت جدرانها بحجم الوطن.

إن القضية الجنوبية وليدة ظرف وحدوي مسخته الحرب إلى مشروع إلحاقي، ووضع القضية بين محددات التكفير والخيانة والعمالة والزنزانة والاعتذار لمحاصرتها ووأدها لا يعد حلاً، فهي قضية إنسان وأرض، فإن كانت الانفصالية فيها صوتاً كريهاً ودعوة ممقوتة فإن الأثرة المناطقية والقبلية لا تقل كراهة ومقتاً، بل إنها سبب الانفصالية كونها أثرة أصبحت روح المشروع الراهن وأدواته ومن الإنصاف أن تكون مقاييس الإدانة واحدة أو أن يكون القبول صريحاً وواحداً.

فلكل حالة مظاهرها فالانفصالية مازالت تمثل بعض الصوت الجنوبي بينما المناطقية والقبلية هي ممارسة السلطة للمشروع الوحدوي الراهن في السلطة والثروة والوظيفة.

إن الرؤية الفرعونية «ما أريكم إلا ما أرى» لن تحل القضية والزنزانة لن تسعها فهي قضية مازالت تحت الشمس وفي الساحات العامة ترددها حناجر البسطاء والمظلومين وترويها دماؤهم ودموعهم، فهذه الرؤية أنكرت قضايا مشابهة حتى استعصت على الحل وخرجت إلى المربع الإقليمي، بعد أن تجسمت داخليا وأهلكت الحرث والنسل وأصبح ذراعاها عصيين على الالتواء.

لقد أصبحت القضية الجنوبية كمفرد سياسي تمثل الخطيئة التي حاقت بالمشروع السياسي الذي أفرزته حرب 1994م وهي كخطيئة ابن آدم عندما سولت له نفسه قتل أخيه، لكنها خطيئة لم يسعها قبر، يؤكد ذلك الهستيريا في التعامل مع هذا المفرد، فهو قضية مطلبية تارة وأوهام في رؤوس بعض من فقد المصالح تارة أخرى وضع للمظاهرات والاعتصامات، وحصار المدن وتجزئتها وحملات اعتقالات متكررة ومحاكمات واستجوابات وتنتقل هذه الحملة إلى إنكار نضال أبناء الجنوب

وأنه ليس إلا صنيعة مخابرات في محاولة لاستلاب التاريخ وتهميش مفرداته وطمس حقائقه تلك الحقائق تختزنها الذاكرة الجنوبية التي روتها دموع ودماء زكية ستظل علامات مضيئة لنضالات أبنائه في المنعطفات المظلمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى