الإنسان الثروة أم النفط؟!

> محمد علي محسن:

> لم تعد الثروة تقتصر على ما في الطبيعة من النفط والغاز والذهب والبحر والسمك والحيوان، بل تعدى مفهوم الثروة إلى المخزون البشري والأفكار والمعلومات والحريات والتكنولوجيا والديمقراطية والاستقرار السياسي والقانون والإبداع و..و..إلخ من المسميات الحديثه الداخلة في سياق الثروة الوطنية والقومية.

المعلومة في الحاضر أهم من برميل النفط في السوق العالمي الشره للذهب الأسود، فرغم تزايد الطلب على النفط الخام حتى وصل البرميل لأعلى سقف، كانت المعلومات هي الغالبة قيمة وسطوة وصناعة، تأملوا جيدا في ثروة بيل جيتس صاحب فكرة التأسيس للشركة العملاقة (مايكروسوفت) إذ بلغ حجم ثروته أكثر مما تملكه الدول المنتجة للنفط أو الغاز أو الذهب، ويكفي القول، إن دخل الشركة في الثانية الواحدة 260 دولارا، أما إذا تم توزيع هذه المليارات على سكان البسيطة فسيكون نصيب كل فرد 25 دولارا، الحال كذلك مع الطالبين المبتكرين لمحرك البحث (جوجل) عام 98م، ففي عقد من الزمن حققت جوجل ما لم تقدر عليه الدول والشركات النفطية طوال نصف قرن.

الدكتور حمود العودي، في إحدى الندوات العلمية عمل مقارنة بين دولة قطر الصغيرة المساحة وبين إقليم دارفور في السودان، الأولى ولجت الحداثة بمشروعها الإعلامي التنويري (قناة الجزيرة)، بينما السودان بمساحته وثرواته أو إقليمه الغني بموارده الطبيعية لم يغادر مربع الفقر والعزلة والحروب الداخلية والصراعات.

عندما ما هزمت إمبراطورية اليابان في الحرب الكونية الثانية لم تبحث عن الأعذار مثلما نفعل، لكنها بحثت في أسباب الهزيمة لتجدها في المناهج التعليمية المتخلفة عن المناهج الأوروبية والأمريكية، ومن المدرسة بدأت نهضة وتطور اليابان الحديثة، وليس في شراء السلاح أو الاعتماد على حقول النفط أو الغاز، في أرخبيل محفوف بالزلازل.

البعض منا أدمن الحديث عن ثروة النفط والغاز وإذا ما تجاوز باطن الأرض فإلى السواحل والموانئ البحرية والثروة السمكية، آخر شيء نفكر فيه هو الإنسان بعقله ووجدانه، فالثروة الحقيقية هي ثروة العقل بحسب قول لآنا كرسيس، ومع هذه الأهمية للإنسان وفكره وعمله، انشغلنا بالجدل العقيم في ثروة الطبيعة غير المستدامة والتي من فرط اعتمادنا عليها صارت لعنة علينا جميعا بدلا من أن تكون نعمة وقوة لبلوغ وطننا ومجتمعنا الغاية المنشودة.

للأسف أهملنا كثيرا حقيقة أن مفتاح النهوض الحضاري والثقافي هو الإنسان ذاته، الكلام عن السياسية مثله مثل الإسهاب في مؤهلات الاستثمار والسياحة والمنطقة الحرة والزراعة، لا مجال إلا بمغادرة الأمنيات إلى العمل، والانتقال من التفكير المعتاد في أعماق الطبيعة إلى اكتشاف طاقات كامنة وثروة مستدامة فوق الأرض وبداخل الإنسان، نعم توجد ثروة هائلة، لكنها معطلة وفاقدة القدرة على التعبير عن وجودها ودورها.

الدول العربية مجتمعة عندما أغفلت سر تفوق الدول المتقدمة كانت غائبة في كافة المناحي العلمية والفكرية والثقافية، وباستثناء بورصة النفط الخام فلا حضور لها، جل ما ظفرت به المشاركة العربية في أولمبياد بكين ميداليتان ذهبيتان، 22 دولة بمساحة وثروة وكثافة سكانية لم تحقق نصف الميداليات السبع التي حققها السباح الأمريكي مايكل فليبس أو جزيرة مثل جاميكا!. أظن المسألة بسيطة وتتطلب إعادة النظر في كل العمليات القائمة، المعطلة لخامات وطاقات لا حصر لها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى