الفئران مخربة

> عمر محمد بن حليس:

> جرت العادة أن نلتقي عند أحد الأصدقاء لنمضغ وريقات القات، ثلة من الصحاب المتجانسين والمتحابين نناقش ونختلف، لكن لانتقاطع.. الأسبوع الفائت شهد أسخن النقاشات، لأننا خضنا في أمور عدة: اليوبيل الذهبي لصحيفة «الأيام» التي أصبحت صحيفة الوطن بالكامل، العراق وما ستجلبه له نتائج الانتخابات الأميريكية والتنافس بين أوباما وماكين، الحرب الأخيرة بين روسيا وجورجيا واعتراف روسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا.. كما لو أن الحرب الباردة كادت أن تلقي ظلالها من جديد، استقالة مشرّف والعلاقة بين الائتلاف هناك.. اشتداد المعارك في أفغانستان وأبعادها، طفنا محلقين على أرض الصومال وسقوط (كيسمايو) بأيدي المحاكم والشباب المسلم، جنوب السودان ودار فور ولبنان، مررنا على تركيا فاستوقفنا موضوع(الحجاب)!.

بعد تلكم النقاشات وما سادها من جو (اتفاق واختلاف) خيم على المكان صمت رهيب، وكأن أحدا لم يكن في البيت، امتطى كل واحد صهوة خياله، وأطلق العنان له لينتقل معه من مكان إلى آخر (وهو جالس طبعا)، وكان لي نصيب منذ لك، فلم أبرح مكاني ولم أنزل عينيّ عن مراقبة دخان الشيشة المنبعث صاعدا نحو السقف وهو يلامس (ريش) المروحة العتيقة ليشكل سحبا حلزونية. جلست أراقب ذلك المنظر وأفكر في أمور كثيرة.. وفجأة، ومن وسط ذلك الصمت ينبهنا أحد الإخوة بصوت خافت: خلونا في مواضيعنا، خلونا في حالنا، هيا حد يقول لي منكم كم هي إكرامية الأخ رئيس الجمهورية؟ (ثم يجيب) هل مرتب كامل أم أربعون ألفا أم ستون؟ (لاينتظر إجابة أحد) ويواصل: والله أنا مع (40 ألف) ولوزادت أحسن، المهم الناس كلها مقاس واحد.. لا فرق بين غفير ووزير، وربنا يجزي (رئيسنا) عنا كل الخير، لكن (يواصل) أنا متأكد في جماعة يفصلون على مقاساتهم ويشتوا كل مليحة لهم، وليتهم يحسوا بما يعانيه صغار الموظفين، أيوه أنا با أقول الصدق لأنه مهم في حياتنا كلها، وأنت (يقصدني أنا) إذا تريد تكتب في «الأيام» أكتب أكتب، ياجماعة والله ما يسبر لنا حال إلا إذا كنا صادقين مع ربنا في المقام الأول والأخير، ثم مع أنفسنا وبيننا البين، لكنها الفئران مخربة. ثم يسكت فجأة!.. فكان هذا الكلام كالبركان الذي نفث حممه في الأرجاء فاعتلت الأصوات، دون تقاطع، نقاشات تحليلات استنتاجات مقترحات.. كُلها صُبّت في اتجاه كيف يمكن الإسهام (كل بما يمكنه رب العالمين) بغية الخروج مما نحن فيه من متاهات وتداعيات، سببها من لا هم له إلا الكسب بأي شكل واتجاه، وعلى حساب أي شيء يهم الوطن والمواطين.

ومرة أخرى ينبري ليقول بلهجة عادية: الفئران مخربة ياجماعة!. فاختلطت الضحكات ببعضها البعض، مصحوبة بسعلة جافة، ساعتها تسمرت أعيننا وجف ريقنا وتحجرت الدموع في مآقينا لوقوع أحد الزملاء على إثر اشتراغه بالقات، فاجتهد كل منا بما لديه من خبرة أو بما ناله من سمع سابق، فهذا يقترح السكر وآخر العطر وثالث الضغط على منطقة الصدر ورابع دخان كبريت.. وهكذا حتى أفاق صاحبنا، فإذا به يعود ليقول: الحمدلله، الحمدلله! لكن فعلا الفئران مخربة، حضارة الأجداد في أرض الأجداد (مأرب)، أتى عليها فأر، واليوم ممكن تأتي الفئران المخربة، وهي على هيئة بشر لتدمر هذا الوطن وتهلك الحرث والنسل، فنعود من أول ومن جديد في صنع الأحداث ليروي التاريخ القادم للأجيال المتعاقبة بأننا ضحايا الفئران، حيث ما حلت أو رحلت.. فيا رب عليك بالفئران ما ظهر منها وما بطن!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى