فلسفة (الكوتا) بين الاستجداء والاستعداء

> المحامي/ محمد علوي السقاف:

> دائماً ما كنت أرى المرأة من منظور القيمة الرائعة التي تمثلها، فهي الأم والأخت والحبيبة والزوجة والبنت باختصار هي كل شيء بالنسبة إلي، ولا زلت أراها كذلك.

وأخالف كل من يقول دائماً بأنها نصف المجتمع، فأنا وبدون أي مزايدات أراها أكثر من ذلك بكثير، فالمرأة لدي هي المجتمع كله، فلك أن تتخيل مجتمعاً بدونها.

ولكن المعادلة هنا تختلف عندما تصارع المرأة (ذلك المخلوق الجميل) دهاليز السياسة وفلسفاتها الخانقة حتى للرجل، باحثة عن مقاعد تعتقد أن من خلالها ستجد حلولاً لمشاكلها والتي أُجزم أنها ناتجة عن موروث لا ديني وفساد في المجتمع وسوء الأخلاق ساهمت هي فيه بشكل أو بآخر.

وحتى يكون لموضوعنا الأهمية المطلوبة، فيجب علينا أولاً أن نوضح حقيقة طالما أردنا مداراتها وهي أن البرلمان بذكوريته المفرطة كما يقولون، لم يستطع حتى الآن التعبير عن إرادة الشعب الذي أنتخبه في المجلس، بل إنهم أصبحوا حجر عثرة أمام مصالح الشعب، ناهيك عن كونهم يشكلون عبئاً على أموال الأمة باعتبارهم بطالة مقنعة يتحمل المواطنون في الدولة مصروفات عجزهم عن القيام بمهامهم والتي ظهرت حسب اعتقادي على خلفية زواج عرفي بينهم وبين الحكومة كان ضحيته المواطن المقهور عادة المقموع عامة المنكوب دائماً بالبطالة والجهل والمرض الناتج عن الفساد المسكوت عنه من هولاء (المتبرلمنون).

ولكي لا تتداخل الأفكار، وندخل في مواضيع نحن في غنى عما ستجره علينا من مشاكل، فإنني أوّدُ أن نركز الأفكار في التمثيل السياسي للمرأة بدوائر صنع القرار.

فبالعودة إلى موضوع المشاركة السياسية، وبما أننا في مجتمع ذكوري كما يقال، فإن حق ما يسمى بتكافؤ الفرص قد لا تحظى به المرأة على سبيل التأكيد، حيث دائماً ما تجد المناهضين للمرأة يُوصٍّفُونَ قضاياها بالجدّلية متناسين العلل الأساسية الثلاث والتي تعاني منها حتى الآن وهي القصور في المعرفة والتنمية والتمكين ، وعندما تحاول أن تجد لها حلولاً، يكون الوصف الجاهز هو أننا نريد تغريب المجتمع.

ولكي نكون موضوعيين فالتوصيف سالف الذكر فيه شيء من الصحة، لأن هناك منظمات تُعنى بحقوق المرأة متبنيين وجهة النظر الغربية، التي تضع الدين الإسلامي وكأنه حجر عثرة أمام المرأة وتقدمها، فلم تلامس نشاطاتهم حقيقة المشاكل التي تعانيها.

لذلك فإن تلك المنظمات تتفق عملياً مع المناهضين لقضايا المرأة في أن كل منهم: (يبتدع حلولاً للمرأة للتهرب من الحلول).

وبالنظر إلى المبدأ القائل «إن من يكون جزءاً من الأزمة، لا يستطيع أن يكون جزءاً من الحل»، فإننا نستبعد تلك المنظمات المتقولبة بالأسس الاجتماعية الغربية، لشدة ما يعاني وعيها من تصحر فكري وجفاف مستفحل في فهم حال وواقع المرأة العربية وتخبطهم في المفاهيم وكذا فقدانهم لبوصلة الدور المناط بهم.

فقضايا المرأة بكل ما تحمله جدائلها من ملفات الفقر والويلات والتهميش تحتاج منا إلى وقفة جادة لتنمية حقيقية للمرأة من منظور تغييري سياسي واجتماعي، وكما قال ابن خلدون في ملاحظة مثيرة حول التغيرات الموضوعية: «إن الأحوال إذا ما تبدلت جملة، فكأنما تبدّل الخلق من أصله وتحول العالم بأسره وكأنه خلق جديد».

فنحن العرب لم نبلغ بعد أرذل العمر، على الرغم من أن الشيخوخة المبكرة قد عصفت بالكثير مما هو أخضر ويافع ومعافى قبل الأوان، سواء بسبب الإحباط المزمن، أو بث ثقافة عوراء لا ترى من الواقع إلا بُعداً من أبعادها البانورامية.

لذلك يجب تكييف قضايا المرأة بكل ما هو ملائم لواقعها وموروثاتها الدينية، وإبعادها عن العولمة والتي هي في العمق تريد نمذجتها وتنميطها.

وحيث إن خلاصة ما تطالب به المرأة اليوم هو المشاركة في صنع القرار، لانتزاع ما تراه حقاً لها، فيجب علينا دعمها وتنميتها، وتكون البداية من حيث ما انتهت إليه، وفي ظني يأتي بإعطائها الفرصة الحقيقية في صنع القرار، وذلك بتمكينها من المشاركة السياسية وخاصة إن هذا التمكين بشروطه التي سأذكرها لاحقاً قد لا يتناقض على حد علمي مع مبدأ المساواة.

ومع أني لا أحب كلمة (تمكين) هذه لأن معناها (توفير عناصر القوة) أي أنها صفة (نقص) في المُمكّن، إلا أنها قد تكون الحل الوحيد للوضع الذكوري الخانق كما يعتقدون والذي تعيشه المرأة اليوم.

فتعلق المرأة بالسياسة، ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية، كلها أمور تقتضي منا حسب اعتقادي تخصيص مقاعد خاصة بالمرأة تتنافس فيها مع المرأة نفسها، أو بمنح المرأة مقاعد خاصة في البرلمان والمجالس المحلية بنسب معينة، أو ما نسميه (بالكوتا).

فالكوتا أو الحصة أو النسبة، كما يقال ما هي إلا فرصة يتم منحها للمرأة للتعبير عن نفسها في تلك المجالس المنتخبة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل (الكوتا) تُعتبر (استجداء) كونها مخالفة للدستور لانتهاكها لحق المساواة؟ أم أنها حق مشفوع بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة الفعلية؟

وللإجابة على هذا السؤال نعود إلى سابق العلاقة بين المساواة بمفهومها العام وحقيقة المساواة.

فإذا كانت المرأة عبارة عن قدرة مساوية للرجل في كل شيء، فهنا نستطيع أن نقول بأنه من غير العدالة منح المرأة هذا التمييز كونه تمكين سلبي ومخالف للدستور في تكييفه لحق المساواة.

بينما إن كانت (الكوتا) الممنوحة للمرأة مبنية على مبدأ تكافؤ الفرص فالعبرة بما يُطبق على أرض الواقع لأن تمكينها لا يجب أن يكون مجرد كلام عن قرار رئاسي أو تعديل دستوري مرتقب أو دعاية حزبية لقوائم بتمثيل نسبي، بل في أن يكون ذلك التمييز حقيقياً، وبالمقابل يجب أن ينحني إيجابياً، أي أن يمارس بشكل مؤقت وليس دائماً، ويكون لمرحلة معينة ولا يتجاوزها، فإن لم يكن مرحلياً، أقول وبكل صراحة بأنه تمييز سلبي يتعارض حقيقة مع مبدأ المساواة، وإن مطالبتها هنا بمقاعد بنسب خاصة ما هو إلا استجداء، ويجب عليها أن تبحث لنفسها عن طريق سياسي لإيجاد منافسة شريفة مع الرجل في الشارع.

وبعيداً عن ذلك، هناك مشكلة أكثر تعقيداً من الكوتا، ألا وهي المرأة ذاتها هل تقبل أن تمثلها امرأة في البرلمان والمجالس المحلية؟ هذا السؤال أرقني كثيراً وكان لابد لي من قطع الشك باليقين، فقمت بعمل استقصاء مكتوب شمل شريحة ضمت أكثر من مائة وخمسين امرأة معظمهن ممن يمثلن الطبقات المتعلمة والمثقفة في البلد، فوجدت المفاجأة ولا أقول النتيجة التالية:-

1-أن 90 % منهن يرفضن أن تمثلهن امرأة في البرلمان أو في أي مجلس آخر.

2- في سؤال تم عرضه في ذلك الاستقصاء وكان حول (الجمال)، قلت فيه، لو أعطي لك التحكيم في اختيار ملكات الجمال من تختارين من النساء في هذا العالم الكبير؟

الإجابة كانت بالإجماع- وأوردها هنا دون تعليق - «اختار نفسي ملكة جمال الدنياس.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى