الصيرفة الإسلامية خبرة إنسانية بنظام رباني

> «الأيام» لاحم الناصر:

>
القاعدة الشرعية تنص على ان الأصل في العبادات أنها توقيفية، أي ان الأصل فيها المنع فلا تشرع إلا بموجب نص من كتاب أو سنة كأركان الإسلام الخمسة. قال تعال «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» الشورى آية 21.

وان الأصل في المعاملات كالبيع والشراء والشراكة والإجارة وغيرها من المعاملات التي يحتاجها الناس في أمور معاشهم وتصريف أمور دنياهم الإباحة، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم عليهم من أجل مسألته».

وبهذا ترك الإسلام الباب أمام المسلمين مفتوحا للاستفادة من الخبرات الإنسانية المتراكمة عبر الزمن الماضي وما يمكن ان يستحدث في المستقبل، لكنه أطر هذه الاستفادة ضمن أطر وقواعد تبيح كل ما ينفع البشرية وتحرم كل ما يضرها قال صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار ومن ضار ضاره الله ومن شاقّ شاقّ الله عليه» أخرجه في المستدرك.

كما انه فتح الباب أيضا لغير المسلمين للاستفادة من هذه الأطر بما يخدم مصالحهم دون ان يكون اعتناق الدين الإسلامي شرطا للاستفادة من أحكامه ونظمه في هذا الباب. ومن هنا نجد ان الإسلام لم يأت بعقود لم تعرف في زمانه أو في بيئته المحيطة به، بل كل عقد ورد في السنة المطهرة كان موجودا قبل ذلك وإنما أتى التوجيه النبوي إما بمنعه أو إقراره كما هو أو تأطيره وفق نظام معين.

ومن ذلك الربا الذي كان منتشرا في المجتمع الجاهلي، حيث كان سبب ثراء أهل مكة ويهود المدينة فجــاء الإسلام فحرمــه لما له من آثار مدمرة على المجتمع والاقتصاد.

قال تعالى «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

في حين أقر الإسلام عقد المضاربة الذي كان موجودا قبل الإسلام، حيث ثبت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم انه سافر قبل النبوة إلى الشام مضاربا بمال خديجة رضي الله عنها، وقد حكى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بعد البعثة مقررا له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال «ثلاث فيهن البركة، البيع لأجل، والمقارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع» رواه ابن ماجه.

والمضاربة أو المقارضة هي (أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر فيه على أن ما حصل من الربح بينهما على ما يشترطانه). أما عقد السلم أو السلف الذي كان يتعامل به أهل المدينة قبل الإسلام فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض الاشتراطات التي تمنع من الخلاف «فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» متفق عليه، والسلم هو «بيع يتقدم فيه رأس المال (الثمن) ويتأخر المثمن (المبيع) لأجَل».

ومن هنا نجد أنه يجب على الصيرفة الإسلامية الاستفادة من التجربة الإنسانية المتطورة، خصوصا في مجال الأسواق المالية وأسواق النقد بعد تنقيتها من الشوائب التي تحول دون العمل بها بصورتها الراهنة لتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية وعدم الوقوف على ما ورد في كتب الفقه في باب المعاملات، حيث ان هذا التراث الفقهي هو وليد اجتهاد الفقهاء في زمانهم لحل مشكلات عصرهم.

لذا فإنه لا يجوز لنا ان نرفض عقدا من العقود المستحدثة لمجرد انه لم يرد في كتب الفقه أو لم يورده أحد الأئمة السابقين، بل يجب علينا النظر فيه النظر الشرعي الواجب؛ وذلك بعرضه على نصوص الكتاب والسنة، فإن أجازته أجزناه وان حرمته حرمناه وان كان يحتاج إلى بعض التعديل ليتوافق مع الأصول الشرعية عدلناه، وهذا هو المنهج الإسلامي الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. كما ان العالم مدعو للاستفادة من تجربة الصيرفة الإسلامية لأنها استمرار للتجربة الإنسانية ولكن بنظام رباني يحقق مصالحهم المشروعة.

عن «الشرق الاوسط»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى