فرضية بمعايير خمسة

> عبدالله ناجي علي:

> الحراك السلمي الذي أظهر (القضية الجنوبية) على الطاولة صار اليوم حديث الساعة لدى معظم السياسيين والمثقفين والشخصيات المستقلة وعامة الشارع السياسي في بلادنا داخليا وخارجيا.

فالقضية الجنوبية لم تعد قضية هامشية مثلما يعتقد البعض، بل إنها صارت قضية معروفة للجميع محليا وإقليميا ودوليا.

فالحراك السلمي الحضاري في المحافظات الجنوبية كان له الدور الريادي في تحريك هذه القضية وتسويقها على المستويات الثلاثة المذكورة آنفا، مع تحفظ على بعض الشعارات التي كانت ترفع في الحراك، وتستفز إخواننا في المحافظات الشمالية، نقول إن العالم أجمع صار يعرف أن هناك قضية جنوبية أنتجتها حرب صيف 1994، تلك الحرب التي أفرغت (المشروع الوحدوي) من محتواه الحقيقي، وجعلته جسدا بلا روح.. وبالمناسبة كانت هناك فرصة تاريخية لا تعوض لدى الطرف المنتصر في الحرب لكي يبني المشروع الوحدوي بمفرده حتى من دون الشراكة الجنوبية إذا كان - فعلا - مؤمنا بالوحدة، ولكن على ما يبدو أن العقلية السياسية للطرف المنتصر غير مؤهلة لذلك حتى بحدها الأدنى! وشواهد الواقع الوحدوي المختل تؤكد صحة هذا الاستنتاج.

الغريب في الأمر أن القضة الجنوبية أصبحت أمرا واقعا يستحيل إنكارها، لكننا نسمع بين فترة وأخرى سياسيين يقولون إن القضية الجنوبية مجرد مماحكات سياسية، وتارة أخرى يقولون إن من ينادي بالقضية الجنوبية هم أشخاص قليلون فقدوا مصالحهم.. إلخ من هذه التصريحات السياسية التي لا تستقيم مع معايير العقل والمنطق وحقائق الوقائع الموجودة على الأرض..!

وبدورنا هنا نضع هؤلاء الساسة الرافضين الاعتراف بالقضية الجنوبية أمام فرضية معاكسة لحرب صيف 1994، ونفترض أن الجنوب هو الذي انتصر على الشمال.. وهنا دعونا نستخدم في فرضيتنا هذه خمسة معايير واقعية وليست خيالية نقيس من خلالها الآثار المدمرة للحرب على إخواننا بالمحافظات الشمالية عسى أن تتضح لهم الصورة الحقيقية للمعاناة التي يعيشها أبناء محافظات الجنوب. أما المعايير الخمسة فهي معايير: عسكرية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية.

فدعونا نبدأ أولا بالمعيار (العسكري) على اعتبار أن حرب صيف 1994، وهي التي دمرت المشروع الوحدوي الذي تم الاتفاق عليه بين قيادة الاشتراكي ممثلا للجنوب وقيادة المؤتمر ممثلا للشمال في مايو 1990، وهنا نفترض أن جيش الجنوب ومؤسساته الأمنية، قامت باكتساح المحافظات الشمالية ودمرت جزءا كبيرا من الجيش الشمالي ومؤسساته الأمنية، وما تبقى منهم تم تحويلهم إلى التقاعد الإجباري، ومن ثم تم تحويل المحافظات الشمالية إلى ثكنة عسكرية للمؤسسات العسكرية والأمنية الجنوبية، وتم تعيين معظم القادة العسكريين والأمنيين من المحافظات الجنوبية.

أما المعيار (السياسي) فقد تم نفي الطرف الشمالي الذي شارك في تحقيق الوحدة إلى خارج الوطن، وتم تعديل دستور دولة الوحدة المتفق عليه بنسبة 80%، ونسبنا تحقيق الوحدة إلى الطرف الجنوبي فقط، وننكر أي دور للطرف الشمالي.

واقتصاديا قام الطرف الجنوبي المنتصر بنهب كل المؤسسات الاقتصادية في الشمال، وقام بطرد العمال والعاملات واعتبرناهم عمالة فائضة وجمدنا الكفاءات القيادية من إخواننا بالمحافظات الشمالية في البيوت، وعينا بديلا عنهم قيادات من محافظات الجنوب، إضافة إلى نهب الأراضي والعقارات من قبل الفاسدين الجنوبيين، التي كانت تابعة لدولة الشمال قبل الوحدة.

أما المعيار (الاجتماعي) فيتم التعامل مع إخواننا بالمحافظات الشمالية بمواطنة من الدرجة العاشرة.. ومن أجل أن نصبغ الشرعية للوحدة المغدور بها قمنا بتعيين قيادات شمالية في أجهزة الدولة، ولكن يتم التعامل معهم كموظفين فقط وليس كشركاء في الوحدة.

وأخيرا المعيار (الثقافي) فقد قامت قيادات الجنوب المنتصرة بتزوير التاريخ لصالح الجنوب، حيث جعلوا الجنوب هو الأصل والشمال هو الفرع، واعتبروا ثورة 14 أكتوبر هي الثورة الأم وثورة 26 سبتمبر هي الخالة، إضافة إلى تغيير أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات في صنعاء بما يتناسب وتاريخ الجنوب حتى تلفزيون صنعاء تم تغيير اسمه إلى تلفزيون 22 مايو.

كل هذا الظلم والتهميش والإقصاء النازل على رؤوس إخواننا في المحافظات الشمالية في المقابل يتم التعامل مع من يرفع رأسه مطالبا بالعدالة ورفع الظلم بتهمة جاهزة وهي تهمة الانفصال!!

وفي الختام وهذا هو الأهم في الموضوع أحب أن أسأل إخواننا الأعزاء في المحافظات الشمالية خاصة منهم الذين ينكرون وجود قضية جنوبية وأقول لهم: ماذا لو كانت هذه الفرضية بمعاييرها الخمسة موجودة على الأرض فعلا.. ها كيف تشوفوا يا جماعة، هل ستوجد في هذه الحالة قضية شمالية أم لا؟؟

ونقول لحكامنا مطلوب منكم ومن دون تأخير أو مماطلة الإسراع بحل هذه القضية الخطيرة، ونترجى منكم معالجتها قبل فوات الأوان أو كما يقال: قبل أن يقع الفأس في الرأس، لأن كل حقائق الواقع المأزوم والمختل في المحافظات الجنوبية تؤكد أن الفأس واقع واقع لا محالة إذا ما ظلت هذه القضية من دون حل.. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى