ترياق «دافوس»..

> فضل النقيب:

> تحية إلى رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الذي غضب في «دافوس» غضبة «مُضريّة» لم يبال معها بمن راح أو جاء من قادة العرب والمسلمين الذين تجرعوا كاسات الهوان حتى الثمالة.

وكانوا يظنون أو يريدونا أن نظن أنهم يحسنون صنعا، شأن النعامة التي تدس رأسها في الرمال ومؤخرتها يبصرها حتى العميان.

كان غضب أردوجان من نوع الغضب «الساطع» الذي له ما بعده، فالقتلة لن يمروا بعد أن أبهظوا ضمير الإنسانية بالإقدام الجبان على قتل الأطفال في غزة من دون أن يرف لهم جفن، مستغلين في سبيل إنجاز المهمات القذرة ذات الطبيعة النازية العجز العربي الفاضح الذي رشحت عفاناته في القمم التي أزكمت الشعوب العربية المقهورة الملجومة كالخيول التي تعلك شكائمها حنقا بعد أن تعوّدت عبر التاريخ أن «تُغبّر في السرايا، وتدخل من قتام في قتام»، على حد رأي أبي الطيب الذي جسّد مأساة الحصان الكريم المأسور بالقول:

فأمسك لايطال له فيرعى

ولا هو في العليق ولا اللجام

وهذا هو حالنا أيها الطيب «طيب»، يا من أعدت إلى تركيا ألقها وإلى شعبها ريادته الحضارية الإسلامية المبكرة منذ طوفان محمد الفاتح الذي اجتاج عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية «القسطنطينية» عام 1453م لتصبح عقب الفتح المبين عاصمة للإمبراطورية العثمانية ودرة تاج المدن التركية التي قدحت حوافر خيولها حدود النمسا في قلب أوروبا. العجوز الكريه شيمون بيريز عجز عن إدراك المتغيرات الجديدة التي أنطقت صحفيين أميركيين كانوا تقليديا ينتصرون لإسرائيل بالغريزة والاعتياد، فأوسعوا وزيرة الخارجية الإسرائيلية المتنمرة تسيبي ليفني شتما وقدحا في عقر دار اللوبي اليهودي بواشنطن، متسائلين: منذ متى كانت العاصمة الأميركية ملاذا للقتلة ومجرمي الحرب؟ ولم تجد زعيمة «كاديما» المتطلعة لرئاسة الوزراء على جثث شهداء غزة ماترد به غير اللعثمة المبهمة ولملمة أوراقها المبعثرة، ولم يكن ينقص ذلك المشهد الظلامي سوى حذاء طائر على نمط حذاء منتظر الزيدي الذي داهم حليف القتلة «جورج بوش» وهو يتهيأ لنفش ريشه في عاصمة الرشيد، فجاء ذلك الحذاء الطائر ليضع اللمسة الأخيرة في سيرة حياة مليئة بالتحيزات العقلية والتشوهات النفسية والضمور الأخلاقي والعمى الأيديولوجي وتوحش القوة البهيمية. موقف رجب طيب أردوجان على منصة «دافوس» وعلى مرأى من ملايين المتابعين حول العالم هو بمثابة السطر الأخير في سيرة شيمون بيريس كبير المنافقين الذي يلتحف جلد الحمل الوديع لإخفاء الضبع المتوحش المتعطش للدماء في داخله، ولم يأت هذا الموقف من فراغ أو انفعال طارئ، فتركيا التي تربطها علاقات متميزة بتل أبيب وصلت في بعض المراحل إلى مستوى التحالف الخجول القابع كـ«الضبّ» في جحره قد أدركت أنها راهنت استراتيجيا على الحصان الخاسر في «ماراثون» الصيرورة التاريخية للشرق الأوسط، وأنها قد جافت بذلك ثقافتها وهويتها ومصالحها البعيدة، ناهيك عن مجافاتها للحق والعدالة وهي الأقرب إلى فلسطين من حبل الوريد، لأنها - أي فلسطين - كانت جزءا لايتجزأ من الإمبراطورية العثمانية على امتداد مئات السنين قبل أن يصمها الأوروبيون المستعمرون بـ«الرجل المريض» تمهيدا لتقاسم ممتلكاتها وتحجيمها في زاوية الأناضول عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وهو الأمر الذي أثار حفيظة كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الذي شخص العلة في الانتماء الشرقي، فولى وجهه شطر الغرب من أجل «أوْرَبَة» بلاده التي نزع عنها العمائم وألبسها القبعات كما استأصل الحرف العربي وأبدله باللاتيني ورفع ألوية العلمانية على أسنة الرماح بدلا من المصاحف، وقد اقتضى الأمر أكثر من سبعين عاما ليعود الطائر التركي إلى سربه وإن كان لايزال يتلمس موطئ قدمه بتأن وروية، فهناك في أنقرة من يتوجس خيفة من رياح الشرق ويتذكر بألم أيام النزع الأخير لإمبراطورية آل عثمان حين كان شواء اللحم البشري المتصاعد من بوادي الحجاز وأرباض الأردن ورياض الشام يصل إلى أسطنبول على «الدردنيل» حيث تلتقي قارتا آسيا وأوروبا على مرمى حجر من البلقان المضطرب الذي تتلاطم في بحاره وجباله وشعابه إفرازات الحضارات ورؤى الأديان وأطماع الإمبراطوريات العظمى، التي دفنت إمبراطورية النمسا - المجر، وأطلقت إمبراطورية لينين - الاتحاد السوفيتي وآذنت بزوال الإمبراطوريتين الإنجليزية والفرنسية خلال أقل من نصف قرن ليفسحا الطريق «لليانكي» الأميريكي الذي يداهمه اليوم مكر التاريخ ورباطة جأش الجغرافيا وفرادة الهويات غير القابلة للصهر. ما إسرائيل؟ ما شمعون بيريز؟ ماهذه الكتابة الأميركية الغربية على الماء.. (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض) صدق الله العظيم.. وتحية في الختام كما في البدء لرجب طيب أردوجان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى