الانتخابات بين آلية التمثيل الحقيقي والاستخدام السلطوي

> «الأيام» عبد الملك الشراعي:

> ظلت الانتخابات اليمنية منذ انعقادها لأول مرة بعد الوحدة حتى انتخابات المحافظين الأخيرة موضع تنازع وملاسنة بين المعارضة والسلطة الحاكمة لجهة شرعية نتائجها وسلامة إجراءاتها ابتداء بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات وانتهاء بفرز الصناديق وإعلان النتائج، فقد ظلت المعارضة تتهم السلطة باستغلال المال العام وتوظيفه لصالح الحزب الحاكم في الانتخابات فضلاً عن احتكار وسائل الإعلام وورقة الجيش.

فيما كانت السلطة ترد على المعارضة بكونها تبرر فشلها في تحشيد الناس وراءها ليس إلا . على أن الأمر نسبي في كل الحالات فلا السلطة حيًَدت المال العام وفكت الارتباط بين الانتخابات والجيش والإعلام ، ولا المعارضة استطاعت أن تقنع الناس بقدرتها على ملء الفراغ في السلطة لكونها ليست على درجة كافية من الانسجام والتجانس.

ويراهن البعض أن إجراء الانتخابات بالآلية الحالية سواءً اتفقت السلطة مع المعارضة أم لا، لن يكون ذلك إلا بمثابة الفصل الأخير للنظام السياسي في البلد، إذ إنها ستكون مدخلاً لتجاوز الجميع حتى الأطر الرسمية للدولة، وتبني قوى الشارع مشاريع صغيرة أو كبيرة متعددة.

ويظل المواطن يقبع في منزله بين المنزلتين فهو يفضل السلامة على المغامرة بالموجود متخوفاً مما يحمله المجهول في حال قرر التغيير، ومن أهم الأسباب التي تقف عائقاً في سبيل التغيير هي نسبة الأمية المرتفعة وتردي الوضع الاقتصادي وانعدام الحد الأدنى من الثقافة السياسية لدى شرائح اجتماعية كبيرة وعريضة تعد أهم الركائز في العملية الانتخابية .

ومع أن المواطن لم يلمس أي أثر ملموس لكل الانتخابات المنعقدة إلا أنه مايزال يراهن على أهمية انعقادها على الأقل لكونها تعمل على تنفيس الاحتقان السياسي والاجتماعي وتتحول إلى موسم لاستعراض القوة الجماهيرية والثقل السياسي بين السلطة والمعارضة وتجنيب البلاد مخاضات الصراعات والنزاعات المحتملة.

ومن هذا المنطلق استعرضت «الأيام» بعض آراء المثقفين والسياسيين حول الانتخابات، فإلى التفاصيل:

أولوية القضية الجنوبية على انعقاد الانتخابات

> النائب البرلماني د. عيدروس نصر النقيب أوضح قائلاً: « السلطة في هذه البلاد المغلوب على أمرها حولت الانتخابات من وسيلة للتغيير الاقتصادي والاجتماعي والارتقاء بمعيشة الناس من خلال تحسين الخدمات وتوفير الفرص للعاطلين عن العمل وحل مشكلة الشباب والطلاب والمرأة والتغلب على عوائق الاستثمار وفتح المزيد من أبواب المشاركة أمام الشعب ليساهم في صنع السياسات المتعلقة بمستقبله ومصيره حولتها من كل ذلك إلى هدف يجعل السلطة ماسكة بخناق هذا الشعب إلى الأبد وهو ما خلق حالة من اليأس لدى الناخب اليمني من جدوى الانتخابات .

ولذلك لاحظنا عزوف مئات الآلاف ممن هم في سن الانتخابات عن الانخراط في عملية القيد والتسجيل الأخيرة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما تعانيه المحافظات الجنوبية من استباحة ونهب وإقصاء للمواطن الجنوبي وحرمان أوسع القطاعات من المشاركة السياسية فضلا عن العبث بالثروات ونهب الأراضي وتدمير المؤسسات وإقصاء مئات الآلاف من أعمالهم وحرمان الشباب من فرصة الحصول على العمل والتعليم الجامعي فإن كل ذلك يجعل الانتخابات بلا معنى إلا معنى واحد هو إعادة إنتاج هذه السلطة البائسة التي تسببت بكل هذا الدمار الذي لحق بالشعب اليمني».

وأردف النقيب قائلا:«لقد تابعت في حقيقة الأمر إغلاق مقرات لجان القيد والتسجيل في العديد من الدوائر والمراكز الانتخابية ، وأنا أتفهم المبررات التي يقولها الناس فالسلطة تأتي لتطلب تفويضا من الناس يمكنها هذا التفويض من الاستمرار في تجويعهم والتنكيل بهم واعتقالهم وزجهم في المعتقلات ومصادرة حرياتهم وهذا لايقبله مواطن عاقل ، ولذلك فكان رد فعل المواطنين أن قاموا بإغلاق مقرات اللجان الانتخابية»، متسائلاً «ماذا ستقول السلطة لأولياء دم القتلى الذين أزهقت أرواحهم على أيدي رجال الأمن والجرحى الذين تجاوزوا المائة والذين كان رجال الأمن سبباً في إصابتهم هل ستقول لهم انتخبونا!؟ عفا الله عما سلف ، أم ستقول لهم عفواً نحن لا نعرف القتلة ، ونحن المواطنين نعرف القتلة ونعرف أن السلطة تتستر عليهم، فإذا ما أرادتنا أن نثق بها عليها أن تقدمهم للقضاء لينالوا جزاءهم، وأن تكف السلطة عن مطاردة الشرفاء والنشطاء السياسيين ، وأن تعترف بالقضية الجنوبية وحينها يمكن أن تتحدث عن أي قضية جزئية أخرى لأن القضية الجنوبية لها الأولوية على كل قضية».

محافظ تعــــــــــز: أحزاب المشترك تسعى لعقد صفقات انتخابية

> وفي رده على سؤال «الأيام»: هل لدى المؤتمر رؤية بديلة على المنظور الاستراتيجي ، خصوصاً علاقتهم بالقوى السياسية بعد الانفراد؟

قال محافظ تعز، عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام الأخ حمود خالد الصوفي : «أنا أنكر ما استهللت به سؤالك من أن هناك حالة انفراد ، بالعكس هناك حالة حوار سيتمخض عنها حالة ديمقراطية متطورة»، مشيراً إلى أن «كل مايجري الآن هو حالة حوار لتحقيق مزيد من المكاسب لهذا الطرف أو ذاك ولكن في الأخير العملية الديمقراطية إذا لم يشارك فيها أكثر من طرف ستظل ناقصة».. مؤكداً أن المؤتمر «حريص على أن لايدخل هذه الانتخابات إلا بمشاركة الأطراف الرئيسية» , وأكد عضو اللجنة الدائمة أن «المؤشرات تؤكد أن المؤتمر الشعبي العام مازال هو محل ثقة الجماهير وبالتالي كونه يأخذ الأغلبية في ظل وجود المشترك خير له من أن يأخذ الأغلبية في غياب هذا المشترك لأن في كلا الحالتين هو سيأخذ الأغلبية من خلال هذه المؤشرات».

وأضاف الصوفي :«نحن تعودنا منذ ميلاد هذه العملية (الديمقراطية) أن الإخوة في المشترك يطمحون لأن يحققوا مكاسب عن طريق الصفقات عندما يقرؤون مؤشرا معينا عن مزاج الجماهير أو مزاج الناخبين يلجؤون إلى هذه الأمور (الصفقات) .. لكن أنا أقول إذا كانت العملية عملية محاصصة لاداعي لعملية الديمقراطية من أساسها إذا كان هذا الحزب أو ذاك يريد أن يضمن موقعه في الخريطة السياسية مسبقاً قبل عملية الاقتراع فإن هذه عملية ديمقراطية صورية لامعنى لها . وأنا ضد الصفقات مهما كانت، أنا مع أن يأخذ كل حزب المكان الذي يستحقة تحت الشمس»، مؤكداً مشاركة أحزاب المشترك في العملية الانتخابية القادمة.

وعن قوى الاحتجاجات الجنوبية وحركة الحوثي من أنهما مؤشران بارزان للاحتقانات الوطنية ، وما يمكن أن يقدم المؤتمر الشعبي العام من أجل استيعابهم في إطار العملية الانتخابية القادمة؟ أوضح الصوفي قائلا : «هذه المسألة لاتعني المؤتمر بمفرده ، هذه المسألة تعني القوى السياسية كاملة وتعني المجتمع بكامله كون أن توجد حالة تخريب معينة هنا أو هناك فإن العملية تتعلق بأمن المجتمع وتتعلق بمستقبل البلد وتنميته واستقراره وسياحته وكل شيء يتعلق بالطموح الوطني وخطط التنمية أيضا لا يتعلق بخطط التنمية الحكومي وإنما يتعلق أيضا بما نسمعه ونراه من برامج الأحزاب أكانت حاكمة أو معارضة».

واستطرد الصوفي قائلا:«لامعنى لهذه البرامج ولا معنى لهذه الطموحات في ظل وجود عمليات عدم استقرار في هذه المنطقة أو تلك لأن عدم الاستقرار في صعدة أو في الضالع هو ينعكس على عمليات الاستقرار في الوطن بكامله ، وبالتالي فإنني لا أوافقك على هذه العملية تعني المؤتمر أو ماذا سيقدمه المؤتمر صحيح هو مسئول مسئولية أساسية عن تطبيق الدستور وحماية المجتمع وتطبيق القوانين ولكن بالمقابل بقية القوى السياسية والمجتمع ملزمون أيضا بالانصياع لشرع الله وللدستور ولهذه القوانين التي يعنى بتنفيذها الحزب الحاكم من خلال آلية حكومته.

ولا أعتقد ثانية بان التسمية هي تسمية حقيقية (حالة الحراك).. أنا أعتبره تعبيرا عن معاناة لاتتعلق بمنطقة معينة ، تتعلق بالحالة اليمنية كاملة في الوطن بأكمله أما قضية صعدة فهو أمر مختلف هذه حالة تخريب ذهنية مذهبية استثنإئية موجودة بهذه المنطقة ولكن كما ترى بأن هناك عملية شد وجذب في هذه العملية ، يحمل السلاح ومرة أخرى يصار إلى عمليات الحوار وهذا أسلوب حكيم من قبل فخامة الأخ الرئيس نحن نقدره ونؤازره ونؤمن بأن هذا الطريق هو الصحيح للقضاء على مثل هذه الحالات». وأضاف:«أنا أعتقد انه في العالم الثالث التجربة الديمقراطية في اليمن من أقل التجارب توازناً من حيث عدم استخدام أجهزة الدولة وسلطاتها للتأثير على نتائج الانتخابات . وكل شيء يمشي بتوازن ابتداءً من تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وانتهاء بالتشكيل التنظيمي لإدارة العملية الانتخابية على صناديق الاقتراع والفرز وإعلان النتيجة. ولا أعتقد أنه في ظل حيادية الجيش والأمن وحتى على مستوى الواقع والنتائج . والشكوى من مرشحي السلطة من أذى الأمن والجيش أكثر من ممثلي أحزاب المعارضة ، لا أعتقد أن هناك أي نوع من أنواع استخدام السلطة مادياً ومعنوياً للتأثير على إرادة الناخبين أو التحكم بنتائج الانتخابات».

خاتمـــة :

من المؤكد أن التوافق الوطني حول إجراء الانتخابات بات يشكل اليوم ضرورة ملحة وخياراً استراتيجياً أكثر من أي وقت مضى ، وهذا يتطلب أن يرتقي طرفا المعادلة السياسية إلى مستوى التحديات، وأن يتحلوا بروح المبادرة والمسئولية الوطنية، وأن يكون الوطن هو في قمة هرم القيم التي نسعى لتحقيقها ، على أن الأمر يتطلب ليونة في المواقف ومرونة في أسلوب التفكير وحسن استعمال الأصوات الممكنة للضغط باتجاه تحقيق مكاسب لجميع الشركاء وصولاً إلى رفع الوطن فوق كل الخلافات المزمنة والمهاترات الجانبية والتجاذبات الضيقة. وليس من المعقول أن نظل نفكر بطريقتنا التقليدية التي لم يتمخض عنها سوى اتساع الفجوة وبعد الشقة بين السلطة والمعارضة ولم تجلب أساليب التفكير العتيقة (كاسب، خسران) سوى المزيد من الأنين والأوجاع لأفراد الشعب. على الجميع اجتراح مقاربة جديدة في التفكير وهي طريقة (مكسب، مكسب ) لأن الجميع سيصبح فاعلاً ومشاركاً حقيقياً في بناء الوطن، واقتسام خيراته ومحافظاً على منجزاته وإذا ظلت السلطة تبحث عن شرعيتها من العامل الخارجي ومن الرضا الأمريكي والموافقة الأوربية والتسامح الإقليمي فإن شرعيتها ستظل بلا قيمة تذكر لأنها تغيّب العنصر الأساسي والمصدر الوحيد في الشرعية وهو الداخل الشعبي.

وخلاصة القول إنه لا انتخابات حقيقية وشرعية في ظل عدم تسوية الملعب السياسي ، وفي ظل عدم فض بكارة المسكوت عنه واللامفكر فيه من قبل السلطة وهو إيجاد بيئة انتخابية ومناخ صحي وتراكم حقيقي في المسيرة الديمقراطية يفضي إلى تصحيح الاختلال وتعديل الميزان بين القوى والفعاليات الاجتماعية والاتجاه نحو بناء يمن متقدم ومتطور .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى