روح كاتالونيا وقلبها .. برشلونة:خزان الانتصارات الدائم

> مدريد «الأيام الرياضي» متابعات :

> إنه ليس نادياً عادياً في عالم كرة القدم الأوروبية, ولا نستطيع إدراجه في مصاف الأندية الكبيرة التي سطرت تاريخ كرة القدم العالمية بأحرف من ذهب..إنه رمز فريد من نوعه, إنه حكاية شعب وروح أمة..إنه بكل بساطة نادي برشلونة.

ربما اعتبر البعض أن النادي الإسباني عفواً الكاتالوني لا يستحقّ كلّ هذا الثناء لكن بالنسبة إلى مشجعيه وأبناء شعبه يمثل برشلونة الكثير بلّ الكثير جداً..فأي نادي كرة قدم في العالم يرفض مثلاً أن يضع إعلاناً على لباسه الرياضي بغية اجتذاب المعلنين الكبار من أجل بضعة ملايين من الدولارات؟ لا أحد باستثناء برشلونة , الذي اعتبرت إدارته سابقاً وحتى اليوم أن برشلونة ليس للبيع لأنه يمثل روح كاتالونيا وشعبها وكما هو مكتوب على موقع النادي الألكتروني وفي كلّ وسائل الاعلام الخاصة به:برشلونة, أكثر من ناد..الاعلان الوحيد المسموح به يعود إلى اليونيسيف, المنظمة الدولية الإنسانية التي تعنى بشؤون الطفولة المعذبة..وفي ذلك رسالة كونية من النادي الكبير الذي يعتبر من أغنى الأندية العالمية وأكثرها انتشاراً. ألم يكن البابا الراحل الكبير يوحنا بولس الثاني أحد أبرز مشجعيه ومنذ نعومة أظفاره؟.. واليوم ألا يعتبر نجم كرة السلة الأميركية كوبي براينت أبرز مشجعيه وقد ظهر مرتدياً لباس الفريق وهو يلعب كرة القدم؟إنه النادي الذي يحمل رسالة سياسية لا يخجل بها بل بالعكس يجاهر بها ويطمح إلى تحقيق أحلامه الانفصالية ولو عبر كرة صغيرة..وهو كان دائماً رمز الحلم الانفصالي لكاتالونيا وكلّ المقاطعات الإسبانية الأخرى في وجه السلطة الملكية ورمزها الكروي ريال مدريد..من هنا نفهم عمق الخلاف التقليدي والتاريخي المستحكم بين برشلونة وريال مدريد, لدرجة أنّ فرحة الفوز بالكلاسيكو بين الثنائي يوازي فرحة الفوز بلقب البطولة. وهكذا نستطيع أن نفهم أيضاً تركيز الصحافة العالمية باعتبار نادي برشلونة كاتالونياً أكثر منه إسبانياً لكن من دون الانتقاص من ولائه الوطني وتعلقه بالبطولة المحلية.

كان دائماً الخزان الرئيسي لا بل أحد الشريانين الرئيسيين للمنتخب القومي الإسباني إلى جانب عدوه اللدود ريال مدريد وطموحه الدائم والأبدي كان الفوز باللقب المحلي..أما هذه السنة فيبدو أن أحلامه تخطت الواقع المحلي وهو يطمح إلى تحقيق ثلاثية نادرة إذا لم نضف إليها بطولة العالم للأندية في نهاية السنة.

ففريق موسم 2008 ­- 2009 يستحق أن نطلق عليه لقب فريق برشلونة الكبير رغم أنه كان قد تخلى في فترة الانتقالات الصيفية عن مدربه السابق الهولندي فرانك رايكارد ونجمه البرازيلي رونالدينيو بعدما أدت الخلافات الداخلية إلى خسارة الفريق اللقب في الموسمين الماضيين لمصلحة عدوه وغريمه الأوحد الريال..ولم يكن أحد يتوقع أن يستطيع نجمه السابق جوارديولا أن يجعل من هذه التشكيلة الجيّدة لكن غير المتماسكة أكبر قوة هجومية في إسبانيا بل في أوروبا.

وهكذا بدأ النجم السابق والمدرب الحالي مسيرته بتحقيق عدد من الأرقام القياسية أبرزها تسجيل 50 نقطة في مرحلة الذهاب فقط مع معدل أهداف يفوق الثلاثة في المباراة الواحدة, إضافة إلى قوة دفاعية لا يستهان بها بعد أن دخل مرماه ستة عشر هدفاً فقط في 22 مباراة بعيداً عن كل منافسيه في البطولة المحلية..فنجح جوارديولا حيث فَشِلَ رايكارد وبات حلم الأول تحقيق معظم الألقاب من موسمه الأول.

ويبدو هذا الأمر منطقياً فهو يبتعد بـ 10 نقاط عن منافسه الوحيد على اللقب هذه السنة فريق العاصمة الملكي ريال مدريد و22 نقطة عن صاحب المركز الثالث ولا تزال مرحلة الإياب في بداياتها, وهو يسجل أرقاماً لم يعهدها النادي كسلسلة الانتصارات الخارجية المتتالية التي وصلت الى 13 انتصاراً, إضافة الى سلسلة الانتصارات المتتالية التي ناهزت العشرين وأفضل انطلاقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويحمل برشلونة الرقم القياسي في عدد الألقاب مع 24 انتصاراً فهو وضع قدماً في النهائي بعد أن فاز ذهاباً على مايوركا بنتيجة إثنين الى صفر. ويبدو أنه مصمم على تحقيق نصر سهل في هذه المسابقة بعد خروج ريال مدريد من الأدوار التمهيدية الأولى..وما يرجح كفّة الفريق الكاتالوني هي طريقة الأداء المقنعة جداً على أرض الملعب من حيث التناغم والترابط بين الخطوط الذي يقارب الكمال..ففي الدفاع والى جانب حارس المرمى فيكتور فيلديس يعتمد برشلونة على قلب الأسد كارلو بويول نجم المنتخب أيضاً والذي يخيف الجميع على أرض الملعب من مقربين وأبعدين..فالخطأ ممنوع معه وهو يلعب دور القائد الحقيقي على أرض الملعب. وفي الوسط اتكال كبير على تشافي وانييستا نجمي المنتخب الفائز بكأس الأمم الأوروبية الأخيرة وهما يزودان خط الهجوم بكرات ذهبية يستفيد منها في الغالب الثنائي الأرجنتيني ميسي والكاميروني إيتو.

في حين يحاول الفرنسي هنري اقتناص الفرص في كل دخول له على أرض الملعب في محاولة لإثبات الذات والقدرات بعد أن ترددت معلومات عن رغبة الإدارة باستبداله بمواطنه فرانك ريبيري بعد أن شارف الواحدة والثلاثين من عمره. كل هذا تحت إدارة مدرّب نجم نجح في جعل كلّ مباراة امتحاناً لإثبات الذات وملحمة بطولية لدرجة أن كلّ محبّي كرة القدم وكل رجال الصحافة المتخصصة باتوا يترقبون مباريات البارسا من أجل إمتاع النفس من خلال مشاهدة كرة قدم هجومية لم يعد لها وجود في عالم اليوم.

إنه الفريق الظاهرة الذي نجح في قلب خسارته الأولى أمام نوماسيا إلى سلسلة انتصارات لا تتوقف جعلت منه المرشح الأول لإحراز بطولة الأندية الأوروبية الأبطال حيث المنافسة أقوى وأعنف..ولا يبدو أن فريق جوارديولا قد تأثر حتى الآن في المستوى الرفيع للمنافسة في هذه المسابقة القارية. ففي المباريات الست التي خاضها حتى الآن في دوري المجموعات سجّل ثمانية عشر هدفاً في حين دخل مرماه ثمانية أهداف وهو بالطبع سيعتمد أسلوباً مغايراً في المرحلة المقبلة الإقصائية.

ولا يبدو كذلك فريق ليون الفرنسي قادراً على منافسة البارسا الكبير في دور الستة عشر رغم أنه في طريقه لإحراز لقبه الثامن في الدوري المحلي.

واذا أخذنا في عين الاعتبار نتائج بقية الفرق المشاركة في هذا الدور والمرشحة لبلوغ الدور ربع النهائي وما بعده, يبدو أننا متجهون نحو نهائي حلم يجمع برشلونة الاسباني ومانشستر يونايتد الانجليزي حامل اللقب والذي قلب تخلفه الكبير إلى نجاحات كبرى في الأشهر الأخيرة جعلته يتصدر الترتيب في الدوري الانجليزي أمام ليفربول المتصدر السابق والطامح بدوره للقب أوروبي جديد..وإذا سقط البارسا قبل عتبة النهائي في هذه المسابقة القاريّة فسيكون ذلك مفاجئاً نظراً لقدراته الخارقة وتركيبته اللوجستية والفنية الاستثنائية.

وإلى جانب التشكيلة المثالية والتي ضمت أربعة من الأسماء التي تمّ ترشيحها لنيل جائزة أفضل لاعب في العام 2008 يتمتع البارسا بقوّة جماهيرية هي الكبرى في العالم حيث يتجاوز عدد المشتركين السنويين السبعين ألفاً ما يعني دعماً مادياً ومعنوياً غير محدود لنزلاء ملعب الكامب نو الذي يتسع لنحو مئة ألف في الأوقات العادية علماً أنه ضم في العام 1968 حوالى مئة وعشرين ألف شخصا خلال المواجهة الكبرى بين برشلونة ويوفنتوس في ذهاب ربع نهائي مسابقة الأندية الأوروبية الأبطال..هذا النادي يعتبر تحفة فنية وهندسية نادرة, بل إنه أصبح بعد عمليات الترميم الحديثة من الأكثر والأفضل تجهيزاً في العالم إلى جانب ويمبلي الحديث في انجلترا والسان سيرو اللومباردي في ميلانو الايطالية..إنه يرمز أيضاً إلى عظمة برشلونة وعظمة كاتالونيا الطامحة إلى الانفصال عن الملكية الأسبانية. وهي تتخذ من نجاحات برشلونة الكروية عاملاً مساعداً في مسيرتها النضالية..هذا النادي الذي قلب كل المفاهيم هذا الموسم وهو في طريقه أيضاً إلى تحطيم عدد آخر من الأرقام القياسية أولها سيكون عدد الأهداف المسجّل في موسم واحد بعد أن وصل رصيده إلى ثمانية وستين هدفاً في إثنتين وعشرين مباراة فقط..إنه برشلونة الأسطورة ميسي الذي يعتبره البعض خليفة مارادونا ليس فقط في الأرجنتين وإنما أيضاً على الصعيد العالمي..ميسي الذي بدأت تتداوله بورصات الترشيحات كالإسم الأوفر حظاً لحصد كل الألقاب الأوروبية والعالمية في العام 2009. ولكن على الجميع انتظار نهاية الموسم لمعرفة عدد الألقاب التي سيحصل عليها الفريق الكبير خصوصا أن القسم الأخير عادة ما يكون مزعجاً وصعباً ومتعباً, فهل يحطم البارسا هذه الفرضية ويستمر على الوتيرة الهجومية والفنية الرائعة, أم أنه سيترنح ويسقط في الامتحان الأخير؟

الدلائل والإشارات تؤكد أن المسيرة ستكون ناجحة وأن موسم 2008­2009 سيكون الأفضل في تاريخ هذا النادي ­ الصرح الذي تأسس في العام 1899 وهو مستمر في تأدية الواجب الرياضي والقومي رغم كل المصاعب التي كان آخرها الموسم الماضي من خلال المناكفات الداخلية القاتلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى