قَلَّك استثمار..!

> عماد السقاف:

> يلعب الاستثمار دورا مؤثرا في بناء اقتصاديات الشعوب من خلال تدفق الأموال التي تساهم في خلق جو من الاتزان الفعلي سواء على مداخيل الدول أو على مستوى معيشة الأفراد بتوفير فرص عمل جديدة وإنعاش سوق العمل , باعتباره شريكاً رئيسياُ في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لذلك تلجأ الحكومات لإزالة كل العراقيل أمام المستثمرين, بل وتسعى إلى إعطاء امتيازات جديدة تحث رؤوس الأموال على إقامة مشاريع إنتاجية وخدمية، وتقوم أيضا بتقديم تسهيلات إضافية كمنحها إعفاءات ضريبية لفترات معينة وكذا التسريع بالإجـراءات الرسميـة لإنشـائها وتوفير الحماية الأمنـيـة اللازمـة باعــتـبار الأمن جوهر مـناخ الاستثمار.. وهذا كلام بديهي وليس بجديد.

لكن في اليمن السعيد البلد الفقير المصنف بذيل قائمة الدول الفقيرة يحدث العكس..مستثمرون محليون وأجانب ومغتربون يسعون لبناء مشاريع تساعد في استقرار الوضع الاقتصادي، ولكنهم يعجزون عن الحصول على قطعة أرض مخططة و بدون مشاكل, أو يقعون ضحية ابتزاز مزدوج يمارسه عليهم نافذون أو مسؤولون معنيون بإصدار الرخص وتسيير الإجراءات الرسمية و «قَلَّك استثمار».. تعميد بصيرة في السجل العقاري يكلفك الكثير من الوقت و المال، وإن لم تدفع لن تجد سوى قائمة من الشروط التعجيزية التي في نهاية المطاف تدفع بك نحو العشوائية.. تستطيع أن تحصل على تصريح مصنع في فرنسا وبريطانيا عبر الانترنت وخلال أربعة أيام، وفي هذا البلد تحتاج إلى شهور من أجل الحصول على تصريح بناء منزل وتسجيل وثيقة!!.

- يبيع المواطن كل مايملك، ويظل عاصباً على بطنه من أجل شراء أرضية وتأمين مأوى لأسرته وإن لم يظهر له « الفندم فلان» أو «الشيخ علاّن» ,ظهر له شارع يقصف عمره ويبدد أحلامه ,لأن المنطقة خارج المخطط !. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا لم تخطط ؟ وأين الدولة؟ وكيف سيأتي الاستثمار في بلد خارج المخطط؟!. خلق الله خططوا وبنوا مدناً داخل البحر، ونحن (نبيع خبر ما عاد يبتلعش) ونتحدث عن ديموقراطية لا تشبع بطون الجياع.

- «مِثْلك يا ِصدق» يُــبـهـرر المسـؤولون أثـنـاء تصريحاتهم الصحفية بأكاذيب دائمة عن دعم الاستثمار، وعن تقديم التسهيلات للمستثمرين، والحقيقة أن التشريعات والقوانين «حنّانة طنَّانة» ولكن غالبا لا يطبق منها إلا ما يخص تحصيل الرسوم !!

- ما يدعو للقلق أكثر أن الحكومة تعودت على معالجة أزماتها الاقتصادية والمالية من خلال أسهل الحلول وأسوئها بفرضها رسوما مضاعفة على خدمات المستهلك (الحمار القصير) والمستثمر الذي يضطر إلى رفع كُلفة الإنتاج مما يضعف قدرته على المنافسة، فيما تغض الطرف عن الأسباب الحقيقية لأزماتها المتمثلة في سوء استغلال الموارد واستشراء الفساد في جميع مؤسساتها المختلفة وتفشي مظاهر المحسوبية والاستقواء.

- هناك نوعان من المستثمرين مستثمر تستثمره الدولة وتَمُصُّ دمه، وللأسف يبقى ولاؤه لها بلا حدود!! وآخر يستثمر قوت الناس ودماءهم ويأكل الأخضر واليابس، وإذا اختلف معها كان الاتفاق والصلح امتياز شركة نفطية أو وكالة حصرية من الخط (الدائري) !!

- قــبـل عــدة أشــهــر حـضــر افـتـتاح مصنع اسمـنــت الوطنية التابع لمجموعة هائل سعيد أنعم وفد حكومي كبير ترأسه دولة رئيس مجلس الوزراء، ويومها سجلت تصريحا له نشرته في يمن تايمز أبدى فيه «مجور» إعجابه بهذا المشروع واعتبره رافدا للتنمية، بل وأكد تشجيع الدولة ومساندتها لإنجاح كل مشاريع الاستثمار.. مسؤولو المصنع أيضا أبدوا ارتياحا لدعم وتشجيع الحكومة !! لكن ماحدث فعلا، وفور بدء إنتاج المصنع ودخوله سوق المنافسة بجودة عالية ومواصفات أفضل وسعر مناسب، قامت الحكومة برفع سعر الديزل والكهرباء بنسبة عالية في خطوة تشجيعية قصمت ظهر المصنع وغيره من المشاريع الاستثمارية الأخرى!! فهل هذا هو التشجيع الذي قصده دولة رئيس الوزراء؟! ويعد المصنع أحد أهم المشاريع الاستثمارية الوطنية إذ بلغت تكلفة إنشائه (250) مليون دولار، طاقته الإنتاجية (1.6) مليون طن في العام ، وحتى لا تقتصر المساهمة على رؤوس الأموال الكبيرة، فقد حرصت مجموعة هائل سعيد أنعم على توسيع المساهمة فيه أمام كل مستويات المجتمع ليصل عدد المساهمين إلى (4000) مساهم ، إضــافة إلى كـونه جُهـز بفلترات وبقيمة (5) مليون دولار من أجل الحفاظ على بيئة نظيفة. ناهيك عن استيعابه لـ (800) عامل وفني وعشرات من فرص العمل الأخرى ، وإنعاش المنطقة، وهو ما أوضحه الشيخ عارف الباقري - أحد أعيان المنطقة: «وجود المصنع فتح آفاقاً جديدة للعمل».. أما آن للحكومة أن ترفد الاستثمار بمقومات نجاح باعتباره شريكاً أساساً في النهضة الاقتصادية للوطن بدلاً من رميه بعوامل إحباط لا تصب في مصلحة أحد.

*رئيس تحرير مجلة «الأسرة والتنمية»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى