سوانح وخواطر .. نكبة فلسطين العربية

> عبدالرحيم محمد الأهدل:

> إن ذكرى الإسراء والمعراج يجب أن تكون حافزة( للمسلمين عموما والعرب على وجه الخصوص) على توحيد القوى والإمكانيات، وبذل قصارى الجهود على تحرير تلك البقعة المقدسة والنقطة الحساسة والجزء الغالي من الوطن العربي والإسلامي.

الذي عبثت به أيد لئيمة ونفوس خبيثة جبلت على الشر من قديم الزمن.. فلم يرعوا للأنبياء والرسل حرمة ولا قداسة، ففتكوا فيهم قتلا وتشريدا وتعذيبا! ولم يخضعوا للأديان ولم يدركوا للإنسانية معنى، ولم يقيموا للقيم النبيلة والمثل العليا وزنا.. ذلك العنصر الخبيث الذي مثّل الجريمة بأبشع صورها في الماضي، وكرروا ويكررون اليوم تلك الجرائم والمآسي في هذه البقعة المقدسة من الوطن العربي والإسلامي، فسفكوا الدماء الطاهرة ونهبوا الأموال من شعب فلسطين الوادع والمسالم، واستولوا على خيراته وأراضيه، وأوغلوا فيه تقتيلا وتنكيلا بغية محو عروبته وطمس إسلامه، وتساندها في ذلك الدول الاستعمارية التي خلفتها طفلاً مدللاً في وطننا العربي، تشد عضدها بالمال والسلاح.

إن تلك الدويلة التي لا شرعية لوجودها ماهي إلا لبوة رابضة في قلب الوطن العربي التي تعد نفسها للوثوب عليه مهما سنحت لها الفرصة المواتية، إنها أفعى تكمن في جحرها ريثما تحس بالحرارة فتخرج رأسها لتلدغ الوطن العربي على حين غفلة.. ولكن العرب بماضيهم المجيد ودينهم الخالد والذين صمدوا في الماضي فلم تستطع القوى المعادية للقومية العربية والمناورة لأهدافها النبيلة أن تأصل شأفتهم ولا أن تطمس معالمهم التاريخية، بل كان لهم العز والغلبة، فصمدوا في وجه التيار الجارف ولقنوا الصليبيين الدرس القاسي بهزيمتهم، وكتب للعرب صفحة بيضاء في تاريخهم المجيد.

وإن العرب الذين انتصروا في كل معارك الكفاح وأحرزوا الانتصار لتفتح لهم أبواب واسعة من الأمل الرحب، ويدب فيهم اليقين والحزم بأن النصر سيكون إلى جانبهم، لأنهم طلاب حقوق وليسوا هواة باطل، ولأنهم عشاق سلام وليسوا دعاة حروب، ولأنهم رسل إصلاح وليسوا مروجي فتن وحائكي دسائس، وإنه سيأتي اليوم الذي يقلِّمون فيه مخالب إسرائيل عن جسم فلسطين العربية، ويطمسون وجود تلك الدويلة من دنيا الوجود، لأنها لاتستحق الوجود ولا الحياة لتشبثها بالباطل.

إنها نقطة من العار في جبين هذا العصر يجب أن يمحى من تاريخه، وإنها مأساة على الإنسانية صنعتها دول تنصب نفسها لحفظ حقوق الإنسان.. إنها نكبة لما يقرب من مليون عربي مشردين تحت أديم السماء وعلى رمال الصحراء، يقاسون الآلام الممرضة من الجوع والمرض والبرد.

إن هذه الذكرى الشريفة لتوحي إلى قلب كل مسلم يشرق نور الإيمان بين جنبيه، وإلى كل عربي يسري دم العروبة في شرايينه، أن يسهم المساهمة الفعالة، وأن يقدم العون المادي لأولئك المنكوبين الذين مزقتهم تلك الأيدي الآثمة الملطخة بالدمار والخزي والعار، لكي تندفع عنهم غوائم الهلاك وضباب الفناء الذي يترآى لهم في أفقهم القاتم بالبرد والجوع والمرض.

إن العرب لوصاموا في هذا اليوم عن الملذات والكماليات ووفروا ما يبذلونه بسخاء في شراء وسائل الراحة وأسهموا بدفع ذلك في صناديق خاصة باللاجئين والمنكوبين من أبناء جلدتهم لكان لهم أعظم الأثر في تاريخ الإنسانية، ولضمدوا كل جرح دام في جسم الأمة العربية.. ولقال اليهود قولتهم السابقة «إن فيها قوماً جبارين».

العدد160 في 11فبراير 1959م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى