خبر لقموش .. الواقع المؤلم .. والجرح النازف.. معاناة ونداءات .. فهل من آذان صاغية؟

> «الأيام» فهد لحيمر:

>
أشجار السيسبان استوطنت معظم الأراضي الزراعية
أشجار السيسبان استوطنت معظم الأراضي الزراعية
تقع منطقة الخبر في الجهة الجنوبية لمديرية حبان بمحافظة شبوة، وتبعد عن مركز المديرية بحوالي 30 كم جنوبا ، وتعتبر البوابة الجنوبية لمديرية حبان فهي أول مناطقها مرورا لسالكي الطريق العام (عدن ـ حضرموت ) الذي يمر عبر المديرية، كانت بالأمس القريب من جنات الله في أرضه.

حيث الزرع والأشجار والماء، وكان أهلها ينعمون بالأمن والسلام والطمأنينة والوئام. واليوم أصبحت تعيش واقعا مريرا، فشبح الثأر الذي تكتوي بناره والنزاعات القبلية المستعرة فيها قد سلبت الابتسامة من وجوه الأطفال، وتحطمت على صخور اشتعالها أحلام وطموحات الشباب، أما شيوخها اليوم فلسان حالهم يقول «ياليتنا متنا قبل ذلك وكنا نسيا منسيا».

«الأيام» تجولت بالمنطقة ورصدت مشاهد وصور المعاناة من خلال الاستطلاع الآتي:

إذا عرف السبب بطل العجب!

من المشاهد المألوفة التي تشاهدها عند دخولك المنطقة ظاهرة حمل السلاح، فهو مشهد اعتاد عليه الجميع، لكن الذي يدعو إلى الحسرة والألم أن تشاهد أطفال في مقتبل العمر وهم يحملون السلاح، غير آبهين بغرابة هذا المنظر لمن هم في هذا السن، ربما أنهم قد علموا أن الحياة والأوضاع التي يعيشونها قد فرضت عليهم هذا الحال، وزجت بهم أفعال الآباء في أتون معركة لايدركون معناها.. ومن هذا المنظر وما يحمله من دلالات تعرف أن هذه المنطقة تشكوا واقعا مؤلما، وتعاني جرحا نازفا مشتعلا بالمشاكل الداخلية أدى استعارها إلى سقوط ضحايا كثر، وألقت بظلالها على جوانب أخرى من جوانب الحياة.

أراضي زراعية جرفتها السيول
أراضي زراعية جرفتها السيول
التعليم .. مهمة محفوفة بالمخاطر!!

بداية جولتنا كانت من مدرسة الفقيد محمد عبدالله عديو للتعليم الاساسي والثانوي بمنطقة الخبر ..

ومنها تبدأ أولى صور المآسي، وفيها ترتسم المعاناة على محيا مدرسيها وتلاميذها، ومن أفواههم تنطلق آهات تعبر عن آلام المعاناة والخوف من تقلبات واقعهم المعاش.

لعلنا ندرك أن العلم أصبح مقياس الأمم والشعوب في تقدمها وحضارتها، وندرك أيضا ما توفره بلدان العالم من إمكانيات وما تبذله من جهود لتسهيل العملية التعليمية فيها .. لكن الذي لاندركه حقيقة ما آلت إليه أوضاع العملية التعليمية في منطقة الخبر..فقد أصبحت وكأنها مهمة محفوفة بالمخاطر!! عند دخولنا إدارة المدرسة لفت انتباهنا منظر مثير للدهشة، فقد تحولت الغرفة إلى مخزن للأسلحة، حيث كان بداخلها أكثر من عشر قطع سلاح، أثار المنظر استغرابي فتوجهت بالسؤال إلى مدير المدرسة الأستاذ مهدي يسلم عوض عن سبب هذه الظاهرة؟ فأجاب : «معظم المعلمين في هذه المدرسة من أبناء المنطقة ولديهم مشاكل قبلية وهم لايستطيعون الحضور إلى المدرسة إلا بأسلحتهم خوفا من أن يكونوا ضحية لهذه المشاكل، وكذلك التلاميذ لا يعيشون بسلام ونخشى عليهم ما نخشاه على معلميهم. هنا لكم أن تتخيلوا هذا المنظر وما سيولده مستقبلا في نفوس الطلاب وهم يرون أساتذتهم مدججون بالأسلحة داخل حرم المدرسة».

وأضاف الأستاذ مهدي قائلا: «نخشى من ازدياد نسبة الأمية في المنطقة، فهناك أعداد كبيرة من الطلاب تركوا التعليم وحرموا من الدراسة نتيجة للثأر والمشاكل القبلية، ويقدر عددهم بحوالي (300 طالب) في مرحلة التعليم الأساسي فقط، وللأسف فقد تحولوا لمحاربين إلى جانب قبائلهم، وهم في عمر الزهور، ومعظم ضحايا القتل التي وقعت في المنطقة كانت من فئة الشباب».

الثأرداءومعاناة وموقف السلطة (ابعد عن الشر وغني له!!)

بما أن الثأر هو الداء العضال لمعظم مشاكل المنطقة فقد طلبت من الأخ محمد صالح عديو عضو المجلس المحلي للمحافظة عن مديرية حبان شرحا مقنعا عن أسباب ظهوره فجأة واتساعه بوتيرة عالية في الآونة الأخيرة؟ وما موقف السلطة تجاهه؟ فأجاب: «هذه الظاهرة انتشرت مؤخرا بشكل كبير في هذه المنطقة، حيث يقدر عدد الضحايا منذ عام 90م وحتى اليوم بأكثر من خمسين قتيلا وثمانين جريح، ولا تزال المشاكل مستمرة، ولم نر أي تحرك من جانب السلطة وكأن الامر لا يعنيها، ولم تحارب الثأر من بدايته، وطبقت المقولة (ابعد عن الشر وغني له)».

الوحدة الصحية وتبدو مغلقة
الوحدة الصحية وتبدو مغلقة
ويرى بن عديو أن ما يحدث من مآسي لهذه المنطقة يعود الى:

- غياب دور السلطة بالكامل ، فقد اهتمت بحماية أصحاب المصالح الذين تستفيد منهم أما المواطن فليذهب إلى الجحيم، والأدهى من ذلك أن أي جريمة تحدث تقيد في محاضر السلطة بأنها جريمة ثأر، وعندما سألناهم عن ذلك قالوا بصريح العبارة «عندنا توجيهات مركزية بعدم التدخل في مشاكل الثأر».

- انتشار البطالة بين أوساط الشباب وارتفاع معدل الفقر بين أوساط المواطنين، نتيجة لعدم حصولهم على الوظائف التي أصبحت هذه الأيام حكرا لأصحاب الوساطة، فأصبح السواد الأعظم من الناس محرومون من وظائف الدولة والشركات العاملة بالمحافظة.

- ازدياد رقعة الأمية يوما بعد يوم بسبب عزوف الشباب عن التعليم نتيجة للمشاكل التي تعج بها المنطقة.

- ضعف الوازع الديني وابتعاد الناس عن الله سبحانه وتعالى وعن هدي النبي [ ، فمعرفة الله تكون عادة بالعلم ، إلا أن التعليم أصبح عملية صعبة في ظل هذه الظروف».

مشروع المياه .. اهتمام شعبي وغياب رسمي!!

إلى جانب النزاعات القبلية التي بليت بها هذه المنطقة تظهر معاناة أخرى تكمن في شحة المياه، وتدهور مشروع مياه الخبر الأهلي من أبرز المشاكل التي تعاني منها المنطقة، وفي هذا الجانب أفاد الأخ سعيد علي الرقعان مدير مشروع مياه الخبر الأهلي قائلا: «تأسس هذا المشروع عام 1980م بجهود أبناء المنطقة وعلى نفقتهم الخاصة ، واستمر في عطائه 14 عاما وتم إعادة ترميمه في عام 1997م على نفقة فاعلي خير من أبناء المنطقة المغتربين في دولة الامارات العربية المتحدة، ويعاني حاليا من تلف معظم أنابيب شبكاته الداخلية نظرا لانتهاء عمرها الافتراضي، وأصبح الآن لايغطي إلا جزء من منطقة الخبر بعد أن كان يغطيها كاملا إلى جانب مناطق أخرى مجاورة (الجبر، المسيحلة، ومريع) ولا توجد جهود تذكر لإعادة ترميمه وإعادته إلى سابق عهده، كما أن المشروع بحاجة إلى مضخات جديدة وآبار جديدة لتغطية العجز الحاصل حاليا».

أليس من حق هذه الوجوه البريئة أن تعيش بسلام؟!
أليس من حق هذه الوجوه البريئة أن تعيش بسلام؟!
الزراعة .. ممنوع العمل والحراثة فيها !!

من المشاهد والمآسي التي شاهدناها أثناء تجوالنا في الخبر، توقف فلاحة الأرض وسقيها ، وبدت معظم الأراضي الزراعية وقد جرفتها السيول والبعض الآخر انتشرت فيها أشجار السيسبان وغطى معظم مساحتها، ورأينا أشجار السدر تموت، وهي واقفة نتيجة انعدام المياه والري.

وحول هذا الموضوع أوضح الأخ مهدي عبدالله للثم بأن معظم الاراضي الزراعية في الخبر موقفة وممنوع العمل والحراثة فيها نتيجة للمشاكل القبلية بين أبناء المنطقة، حيث تلجأ الأطراف المتقاتلة إلى توقيف الأرض الزراعية وتوقيف البناء فيها، وفي هذه الحالة يصبح العمل فيها شبه مستحيل لأنه تم ربطها بمشاكل الناس رغم أن هذه الأراضي ليست مواضع نزاع الأطراف.

الوحدة الصحية .. مغلقة حتى إشعار آخر !!

مبنى الوحدة الصحية الوحيد في المنطقة لم يكن هو الآخر بمنأى عن إهمال وتجاهل الجهات المختصة بالمديرية، فمنذ أن تم إنشاؤها في عام 2002م وحتى اليوم ولا زالت مغلقة، فرغم مطالبات الأهالي المتكررة لمكتب الصحة في المديرية بضرورة فتحها إلا أنها لم تجد آذانا صاغية.

الكهرباء .. يافرحة ما اكتملت!!

رغم ربط المنطقة حديثا بكهرباء عتق العامة إلا أنها تعاني من عقبات وصعوبات، وفي هذا الجانب تحدث الأخ سالم علي البوحر مسؤول الكهرباء بالمنطقة وأوضح أهم الصعوبات تمثلت في:

«نقص حاد في عدد المحولات الكهربائية ، فالموجود حاليا في شبكة كهرباء الخبر يتحمل فوق طاقته ولا يفي بالغرض المطلوب، ومعظم الناس يشكون ضعف التيار الواصل إليهم والذي تكون قوته في أحسن الحالات 180 فولت فيصعب تشغيل الأجهزة الكهربائية التي تتطلب تيار كهربائي ثابت 220 فولت ، كما أن الشبكة الداخلية تعاني أيضا من ردائه كبيرة وليست حسب المواصفات فعند هطول الأمطار أو هبوب رياح قوية نضطر إلى فصل التيار عن المنطقة.

توقف حراثة هذه الأراضي الزراعية خلَّف هذا المنظر
توقف حراثة هذه الأراضي الزراعية خلَّف هذا المنظر
خدمة الهاتف الأرضي ..مطالبات ونداءات ولاحياة لمن تنادي:

من أوضح صور حرمان المنطقة لأيسر الخدمات وأبسطها تكلفة ، ربط خدمة الهاتف الأرضي لأهاليها، والذي جعلنا نعتبرها أبسط تكلفة وأيسرها هو مرور كابل الألياف الضوئية الذي يربط بين محافظات الجمهورية وسط المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات، ولا يحتاج سوى تخصيص كبينة خطوط، وإنشاء شبكة داخلية للمنازل، أخبرني معظم الأهالي بأنهم طالبوا عدة مرات بربط هذه الخدمة ورفعوا مذكرات ومناشدات متكررة لفرع مؤسسة الاتصالات بالمحافظة بضرورة فتح خطوط لمنازلهم لحاجتهم الماسة لهذه الخدمة إلا أنها ظلت وعود عرقوب ولا حياة لمن تنادي.

آخر المطاف:

هي الخبر إذن.. هكذا كانت ! وهكذا أصبحت اليوم ! ولا ندري أي مصيبة أعظم من غيرها ؟! فربما أن كل شيء قد اجتمع في هذه المنطقة.

قد يرى البعض أن المعالجات لبعض هذه الإشكاليات ستكون صعبة للغاية وخصوصا في ظل انتشار الثارات والنزاعات القبلية !! لكن لا شيء مستحيل اذا ماتوفرت النية الصادقة والعزيمة القوية والهمة العالية في قلوب الرجال المصلحين، وأبشركم بأن في هذه المنطقة العقلاء من أبنائها الذين ينتظرون مبادراتكم لرأب الصدع بينهم، فالإصلاح بين الناس واجب ديني قبل أن يكون واجبا إنسانيا .

كما نضع هذا الاستطلاع أمام المسؤولين المختصين، ونقول لهم إن الأمانة التي تحملتموها تحتم عليكم إيجاد حلول لمصائب هذه المنطقة، ولن يعذركم الله تعالى من ذلك .. طالما وأن سحابة الألم ما تزال مخيمة على رؤوس أهالي هذه المنطقة..!! وأخيراً .. ومع كل هذا وذاك ..فلايزال هناك أمل...!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى