يا مركب البندر

> علي عمر الهيج:

> في يوم ما كانت عدن محطة للزائرين من شتى أصقاع الأرض.. من المحافظات ومن الشرق والغرب.. كانت أمواج عدن ومحيطها العدني تفرد أذرعتها بالحب لتستقبل الناس من كل حدب وصوب.

ترنو وترتفع على سمائها أصوات الناس البسطاء، وهم يلتقون في المقاهي العدنية العتيقة والأسواق التي تفوح منها رائحة المحبة والحوارات النقية حول السياسة والفن والتجارة والرياضة والعلوم بشتى صنوفها.

حينما يطل المساء على المدينة ترتفع أصوات المآذن الآمنة على المساجد، فيذهب الناس للصلاة والعبادة، وهم محاطون بالدفء والسكينة والسلام الاجتماعي، سائلين المولى جل جلاله أن يمنحهم الصحة والستر والأمان.

كانت عدن منبرا علميا عتيقا للمفكرين والأدباء والفنانين والسياسيين ورواد النهضة والتنوير وحتى الحركات التحررية ذات الأصناف والأفكار المتعددة.

يوما ما احتضنت عدن الفنان الكبير فريد الأطرش.. استضافته إحدى العائلات العدنية في منزلها، فالتف العاشقون والفنانون والمفكرون، ليشدو فريد بأجمل الأغاني والألحان، فيما كانت أمواج ساحل أبين تشاطره الحب والفرح والعود والأوتار.

لم يكن هناك شيء يعكر صفو الناس، فالقضاء هو الفاصل في حل النزاعات، حتى الخلافات حينها كانت بسيطة ومحصورة، فلم يكن للرصاص والدم حضور في قاعات وأروقة القضاء، لم تكن هناك أي بصمات للقتل والاختطاف ومصادرة حقوق الغير.

تلك الأرستقراطية والهدوء افتقدها أهالي عدن، فاختلطت حياتهم باللهث والعناء خلف القوت والدواء والوظيفة والسكن، لم يجدوا من يرفع عنهم ذلك الحزن والتهميش والضياع، تشبعت الساحة بنهج حياتي جديد لايهتم لقضايا المدينة وأهلها، واتسع ذلك إلى كل المحافظات الشرقية، فتبدلت مفاهيم الطرح والحلول والمعالجات الحقة، وبدلا من الحلول الجذرية ضخت الساحة نهجا حياتيا مخيفا، يقوده بعض الفوضويين والعسكر ورجال الفيد الذين يوزعون صكوك الوطنية كيفما يحلو لهم.

تلك النسمات العليلة القادمة من بحار عدن الجميلة والتي كانت تحتفل وتصافح أهالي المحافظة والأسر العدنية، تم محاصرتها بالصفائح المعدنية والإسمنتية.. اختنقت الأسماك والطيور في مواطنها، حيث شيدت أمامها بنايات (الزلط) وأسوار وجسور (الغلط).

في نظر أهالي عدن، لم تكن الوحدة يوما ما هدفا غير جميل، على العكس ساندوا وصفقوا واجتهدوا وشاركوا وباركوا العمليات الانتخابية والوطنية من أجل الوحدة، تجرعوا المرارات والسياسات الهيكلية والإستراتيجيات الوظيفية، وكل ذلك من أجل أن تستتب وحدتهم ويعوَّضوا لاحقا بالأمانة والسكينة.

خذلتهم السنون وأحرقتهم الشعارات الخرقاء، فشاع الاستلاب والفوضى والفيد وغياب الدساتير.

من أجل الوحدة والوطن والناس والسلام الاجتماعي انظروا في قضايا الناس، وأعيدوا لهم البسمة، عندها فقط سيصفق لكم الناس جميعا، أعيدوا لهم الوحدة الحقيقية، فهل أنتم فاعلون؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى