الإدارة: أن تدور!

> محمد باجنيد:

> البلدان التي تقدمت في العالم واحتلت مراكز متقدمة في مختلف مجالات التنمية الجدية (وهي تنمية مختلفة عما يذيعه التلفزيون).

تلك البلدان أخذت عهدا بأن تقلل من تردد مواطنيها على الجهات الحكومية لمتابعة أعمالهم، وفي بلدان أخرى حدث الطلاق الكاثوليكي بين المواطن من جهة، والورق والموظف الحكومي من جهة ثانية، في أعقاب ظهور الحكومات الإليكترونية.

وباتت المراجعة الشخصية للدوائر الحكومية في كثير من الدول ذكرى من الماضي البعيد أو من التراث الجدير بالتندر في ما كانت عليه الحياة من عوائق ومطالبات، اعتاد الموظف الحكومي طرحها في طريق (المراجعين) من المواطنين، مقارنة بما وصلت إليه الإجراءات من مرونة وسرعة.

وفي البلدان التي تتنافس على المراكز المتأخرة في التقارير الدولية من حيث سهولة الإجراءات ومرونتها، فإن معنى الأدارة (أن تدور) بين الإدارات المختلفة في الإدارة الواحدة، وبمعنى آخر فإن على (المراجع) أن يدور ثم يدور بذات الورقة والملف على موظفي الإدارة الحكومية جمعيهم، ويعاود الدوران مجددا حتى يتشبع من الدوران، دون أن يعرف من هو صاحب القرار والمعني بالأمر، بل لايعرف لماذا يدور ولماذا يحمل أوراقه بيساره وهمومه في قلبه.

والمؤلم أكثر من الدوران أن كل موظف في الإدارة هو الإدارة جميعها (مديرها وسكرتيرها وموظف الصادر والوارد وأمين المخازن والصندوق طبعا)، أليس ختم الإدارة في جيبه!!، فإذا غاب نتيجة سبب يستوجب الغياب أو أحضر تقريرا طبيا يبرر الغياب، فإن قرار الحسم في معاملة المراجع المسكين لايحدث أبدا.

معنى الإدارة أن تدور، وهو الاختراع المحلي الحديث لمفهوم الإدارة، والذي أدى إلى أن يبدأ الموظف عمله في لقاء المراجعين بعد أن (يصطبح) ومعناها بالعربي يتناول إفطاره في أقرب بوفيه إلى دائرته، ثم يعود إلى مكتبه يتمطى و(يناظر الساعة) شوقا وهياما بموعد الذهاب إلى سوق القات.

وفي بلدان العالم كلها يمضي الموظفون الوقت في الظهيرة بالذهاب إلى المدارس من أجل إحضار أبنائهم وبناتهم، فيما الهم الحقيقي لبعض الموظفين في الإدارة الحكومية في بلادنا (القات)، وكيف يجمع ثمنه من أول مراجع لتحقيق الفوز في سباق الحصول على بندل قات طازج.

ونتيجة لأن مفهوم الإدارة هو أن تدور، فإن الدوران قد يستغرق من المراجعين شهورا وأحيانا سنين طويلة دون أن ينتهي.

إلا أن ما يثير الضغط والسكر لدى المراجعين، ليس المعاناة من الدوران فحسب، لكنه ضياع ملفاتهم (أما الوقت فلا أهمية له) فيضطرهم الأمر في كل مرة إلى رواية قصة المعاملة من جديد لكل موظف يلتقونه أو سمسار يقابلونه.

وهي معاناة أقل وجعا رغم شدة نتائجها مقارنة بما يحدث عند تغيير الحقائب الوزارية أو انتقال الموظف المسئول عن (المعاملة) إلى إدارة أخرى أو مكان آخر.. فهذا يعني أن يبدأ الدوران من جديد.

خلاصة القول إذا لم يتغير مفهوم الإدارة الحالي فإن الأمور ستظل على وضعها الحالي، دوران ثم دوران، وتنمية غير قابلة للمس أو المشاهدة.. فقط للاستماع وليس للاستمتاع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى