مشايخ الغناء اليمني .. عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة..

> فضل النقيب:

> حين أكون في عدن كثيراً ما أذهب للمقيل عند صلاح سالم صالح في الصومعة الأنيقة المغلّفة بالزجاج والتي تقوم بدور مفرج أرضي تحف بها الأشجار المثمرة وتعبق ببخور العود.

وهي لاتتسع بالكثير إلا لعشرة أشخاص، وهذا مايمنحها خصوصية تبتعد بها عن المقايل المفتوحة المليئة بالمدخنين، أما هنا فـ«ممنوع التدخين» ومن اشتدت به «الخرمة» فليخرج إلى الحديقة للتدخين. أما فاكهة هذا المجلس فهي على الدوام وبما يشبه الإدمان أغاني الفنان عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة، تدور وتدور كأنها آلة الزمن، ويستحسنها الجميع لما في صوت هذا الفنان المبدع من أصالة وافتتان وتلوين شفاف بألوان «قوس قزح» وهذه شهادة على أن هذا الفنان الذي ولد عام 1926 في جيبوتي وحمل جنسيتها قد عبر الزمن باقتدار، وها هو جيل ثالث يستمع إليه بشغف مما يدل على أنه قد تمكن بموهبته من غرس جذوره عميقا في التربة اليمانية التي يعود إليها أبناء أبنائها المهاجرين كما تعود الطيور إلى سماواتها وأعشاشها، وقد كان والدا عبدالقادر ينحدران من غيل باوزير بحضرموت لأسرة تمتهن التعليم الديني كما ورد في كتاب فناننا الكبير محمد مرشد ناجي المعنون «الغناء اليمني ومشاهيره»، وقد كان للمرشدي لقاءات عديدة، ونقل عنه مشافهة وباختصار سيرة حياته، حيث يقول عن بداياته «تعلم العزف على أغنية «يامنجي من اليم ذا النون» التي يؤديها الشيخ إبراهيم محمد الماس، ويعلق المرشدي بحسرة وحرقة قلب تدلان على حبه للفنان، حيث حاول أن يدفع به في اتجاه تعميق ثقافته ولكنه استعصى عليه «إن فناننا البامخرمة الذي مكنته مواهبه الفنية في الغناء والمتمثلة بصوته القوي الجميل، والأداء المتقن، والعزف الحساس من تحقيق شعبية كبيرة في مسقط رأسه جيبوتي ورفعته هذه الشعبية إلى المكانة الأولى وامتدت هذه الشعبية إلى المهاجرين اليمنيين في إفريقيا ثم إلى اليمن، وكان ذلك كافيا ودافعا له على بذل مزيد من الجهد والاهتمام والنظر إلى الأمر بجدية ، ولكنه على العكس زادته الشعبية إهمالا وتقاعسا شديدين، وأقرب مثال على ذلك أنه لم يكلف نفسه حفظ أغانيه القليلة منذ عرفته في الخمسينات من القرن الماضي وحتى الثمانينات، وهو دائما في حاجة إلى دفتر أغانيه، وهذا هو السبب الأول في تقديرنا لرفضه الاشتراك في الحفلات الموسيقية الكبيرة التي كانت تقام في جيبوتي والتي يحضرها بين الفينة والفينة فنانون من مختلف أنحاء اليمن».

أقول لأبي علي إن «الحلو مايكملش» وليس بالنصائح دائما يسير البشر، وقد قيل أن المحيط يمكن قياسه ولكن الإنسان أبعد غورا من المحيط ويستحيل قياسه أو التنبؤ بما يفعل أو يترك، ويبدو أن الوسط الفني الذي كان يتلقى المورث مشافهة لامن الكتب والدروس قد عمّق مفهوم الأمية الفنية لد الكثيرين إلا من رحم ربي ولذلك لم ينتبهوا حتى لحقوقهم أو شؤون معاشهم حين تخون الفنان حنجرته ويتأبى العود على أصابعه، وقد أعجبني تعليقك حول شخصية أحمد عبيد القعطبي من معاصري بامخرمة حين قلت إنه سجل لشركة أسطوانات «طه فون» وكان توزيع تلك التسجيلات خيالياً درّ على الشركة أرباحاً طائلة، ولكن القعطبي الذي لم يدخل مدرسة خرج من الصفقة «طفيري وعليه اسم الله» على رأي المثل الشعبي.

طبعاً هذا غيض من فيض وماخفي دائما أعظم.

دعوة إلى الفنان بامخرمة إلى الذي كان يجيد اللغة الفرنسية واكتسب مهنة صيانة موتورات الكهرباء بمصلحة البريد والبرق في جيبوتي وهو الأمر الذي يمتاز به من معاصريه وقد لاحظت الصورة التي اختارها له المرشدي وفيها يبدو في زهو الشباب ببدلة باريسية كاملة الأناقة محتضنا عوده برشاقة وأستاذية وشعره يكاد ينسدل على كتفيه، ودلالة الصورة هي أن البامخرمة الذي كان يجيد ألوان الغناء الصنعاني واليافعي والهندي هو أحد الحالمين الكبار بعيش مرفه وشهرة كأنما «تداول سمع المرء أنمله العشر» على رأي المتنبي، ولكن الإنسان بطبيعته يرى الشجرة ويعمى عن الغابة يتسلل زمنه من بين أصابعه حتى يجد نفسه حطاما، فإن خلّف وراءه بصمة كان في الخالدين، وكذلك كان عبدالقادر بامخرمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى