المجرى الطبيعي هو الاعتراف بالقضية الجنوبية

> علي هيثم الغريب:

> مشكلة الأنظمة السياسية في اليمن قبل إعلان الوحدة وبعدها أنها لا تعترف بالمرض إلا عندما يصبح من الصعب علاجه.. فكان من الواجب على النظام السياسي بعد حرب 94م أن يلتزم بقراري مجلس الأمن الدولي رقم 931/924 لسنة 94م.

لأن ذينك القرارين لم يكونا ناتجتين عن الحرب فقط ، بل كانا نتيجة الدولة السابقة التي دخلت بشراكة مع دولة أخرى لتكوين دولة جديدة هي الجمهورية اليمنية .. خاصة وأن السلطة السياسية قد اعترفت بالقرارين وحررت رسالة إلى مجلس الأمن تعلن التزامها ، ولم تعتبر ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية .. ثم إن حرب 94م لم تكن حرباً أهلية لأنها جرت على أرض محددة وضد ثوابت وحدوية معترف بها داخلياً وخارجياً..ثم أن نائب رئيس الجمهورية اليمنية الأخ علي سالم البيض كان يمتلك حصانة قانونية ودستورية ، ولا يجوز معاقبته باعتباره مجرما.. بل كان يجب معاملته بوصفه شريكا بالوحدة.. وإن كان ذلك قد جرى في ظل بقايا «الحرب الباردة».

ولكن كان التسرع بإلغاء اتفاقيات الوحدة بالقوة أمرا غير مرغوب فيه داخلياً ودولياً.. ثم أن تحويل ثقافة الوحدة بين الأخوة المعمدة بالتآلف والسلام إلى وحدة «معمدة بالدم» كما تقول السلطة السياسية فإنه ليس في أسس اتفاقيات الوحدة ولا في قواعد القانون الدولي ما يفرض هذا الأمر، وكان يجب على السلطة السياسية بعد إعلان الوحدة بين دولة الجنوب -التي رفضت المصالحة الداخلية - ودولة الشمال - التي كانت متمركزة في صنعاء وبرضا القبائل - أن تقدر الظروف التي نشأت فيها الدولة الوليدة، وكان يجب ألا تسيء استعمال اتفافيات الوحدة، وألا تمتنع عن الاعتراف بالشريك لمجرد التوقيع في النفق. وكان لا لوم على الدولة الجديدة إذا كان لامتناعها عن مخاطبة الشريك الجنوبي أو الإصغاء إليه ما يبرره كما لو كان قيام الدولة الجديدة هو من أجل اغتصاب الشمال ونزعه من أهله الأصليين. وهنا نتساءل: وهل افتقد الجنوب هويته عندما دخل بالوحدة؟! الإجابة طبعاً بلا. لماذا؟! لأن دولة الشمال ليست هي الكيان الأصل للوحدة! بل أن الكيان الأصل للوحدة هو الشمال والجنوب. إذن فالحرب أفقدت الحزب الاشتراكي سلطته في الجنوب، ولكنها لم تفقد الجنوب شخصيته المستقلة.

إذن فوحدة 22 مايو 90 ماهي إلا إقرار من الدولتين السابقتين، وهذا الإقرار هو الذي أكسبها الشخصية القانونية الدولية.

إذن فالخالق قد أعطى كل شيء للناس المالكين له ، فكيف تقوم السلطة بتغيير قمة سنن الحياة وتنزع الإرث من أصحابه تحت حجة الوحدة؟ وهل يعقل أن يمثل الجنوب في نظام يرفض بناء دولة؟ وكلما استعصى عليه الأمر في بقعة أو محافظة حشد عليها الجيش والأمن لتأديبها، فإذا كانت هناك دولة للوحدة هل كان يمكن حشد العسكر لملاحقة جان واحد؟!.. هذا ما رأيناه في الشمال بعد إعلان الوحدة.. وما نراه في كل الجنوب اليوم، وبسبب ذلك توقفت اجراءات الاندماج.

وهنا يمكن أن نوضح أنه حصل تقاسم السلطات ووظائف الدولة الجديدة ولم يحصل اندماج. كيف؟! أولاً: إن الدستور وهو أعلى وثيقة قانونية والذي وضعت صيغته النهائية عام 1982م من قبل اللجنة الدستورية المشتركة التي شكلها النظامان في الدولتين السابقتين، وتم الاستفتاء عليه في 16-10 مايو 1991م خضع بعد الحرب لتعديلات واسعة (86 مادة) من أصل (134 مادة)وبذلك ألغيت الشراكة الجنوبية عسكرياً ودستورياً، وتم التصويت على الدستور الجديد في 29 سبتمبر94م بدون استفتاء وبدون الشريك الجنوبي بالوحدة. ثانياً: وحدة 22 مايو1990م لم تكن اندماجية، بل كان اتفاق بين دولتين لإيجاد دولة جديدة مشتركة، وعلى أسس هذا الاتفاق تم تقاسم الحقائب الوزارية وأجهزتها وإداراتها إلى أبسط تكوين فيها بين ممثلي دولة الجنوب ودولة الشمال (30 وزارة و3 وزراء دولة).

حصد التقاسم في مجلس الرئاسة (5) أفراد، اثنان ممثلا دولة الجنوب وثلاثة ممثلا الشمال ، والمجلس الاستشاري بالتساوي ، ومجلس النواب (138) عضوا من الجنوب و(163) من الشمال (هذا العدد من النواب كان يعكس التكوين السابق للمجلسين في صنعاء وعدن مع إضافة 27 عضوا للجنوبيين).

ثالثاً: ظلت القوانين والتشريعات السابقة تعمل في الجنوب والشمال .

رابعاً: لم يصدر أي قرار أو اتفاق حول توحيد الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، فظل الجيش الجنوبي يمثل الجنوب وكذلك المؤسسات الأمنية الأخرى.

خامساً: تم الاتفاق على اعتبار العملة في الشمال والجنوب (الريال والدينار) عملة قابلة للتداول في الشمال والجنوب.

سادساً: لم يكن تقاسم السلطات على أساس السكان (كان عدد السكان في الشمال حينها 9.8 مليون نسمة مقابل 2.2مليون نسمة في الجنوب)، ولكن كان التقاسم استناداً إلى مبدأ الشراكة بالمناصفة، حيث أصبح لحيدر العطاس رئيس الوزراء أربعة نواب:2 من الشمال و2 من الجنوب وأصبح نصف عدد الوزراء من ممثلي الجنوب (16 وزيرا) والنصف الآخر من المؤتمر الشعبي العام (18 وزيرا) وأصبح لكل وزير نائب ووكلاء ومديرون ورؤساء أقسام وموظفون عاديون، كل ذلك تم بالمناصفة.

سابعاً: شكلت لجان مجلس النواب مناصفة بين الدولتين، وتم تفصيل إجراءات إنشاء السلطة القضائية مناصفة، هكذا تم تقاسم السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية المكونة للدولة الوليدة مناصفة أو أقرب إلى المناصفة بين شريكي الوحدة.

ثامناً: لم تصدر أي قوانين بعد إعلان الوحدة وإلى عام الحرب 94م تعطل اتفاقيات الوحدة ماعدا قانون الانتخابات رقم 41 لسنة 1992م الذي كان مخالفاً لدستور الوحدة .

تاسعاً: الأحزاب التي قاطعت الاستفتاء على دستور دولة الوحدة الوليدة عام 1991م هما التجمع اليمني للإصلاح بسبب رفضه لاتفاقيات الوحدة ودستورها ، وحزب رابطة أبناء اليمن لعدم إشراكه في اتفاقيات الوحدة.. بعد الاستفتاء على الدستور أصدر حزب التجمع اليمني للإصلاح بياناً أكد رفضه لنتائج الاستفتاء واعتبر الدستور غير شرعي.

عاشراً: قبل سن قانون الانتخابات رقم (41) لسنة 1992م تقدمت قيادة الشريك الجنوبي بالوحدة وعلى رأسهم علي سالم البيض وحيدر العطاس ود. ياسين سعيد نعمان بعدد من الشروط منها:

1. تمديد الفترة الانتقالية لمدة خمس سنوات.

2. تأجيل الانتخابات النيابية.

3. عقد اتفاق مسبق بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني حول شراكة الجنوب، وقبل إجراء أي انتخابات.

4. توزيع الدوائر الانتخابية في المحافظات بالتساوي وباعتبار المساحة وليس السكان.

هذه النقاط الأربع أدت إلى انقسام داخل الحزب الاشتراكي ورفضها أبناء الشمال الاشتراكيون. ولم تؤخذ هذه المطالب بعين الاعتبار بل وأدت إلى انفصال الاشتراكيين بين الشمال والجنوب. وبعد اللقاء في «النفق الثاني» في الحديدة بين الرئيس ونائبه أصدر مجلس الرئاسة بياناً إلى الشعب يوم 1992/11/14م بتمديد الفترة الانتقالية (الفترة الانتقالية الأولى كانت لمدة سنتين وستة أشهر) لمدة ستة أشهر بدلاً من خمس سنوات حسب طلب مجموعة الاشتراكيين الجنوبيين.

أحد عشر: قسمت الدوائر في 17 محافظة والأمانة إلى (31) دائرة، كان نصيب الجنوب (ست محافظات) (56) دائرة شأنه شأن محافظة صنعاء (54) دائرة بزيادة دائرتين، حصل الحزب الاشتراكي في الجنوب على (56) مقعداً في انتخابات 27 أبريل 1993م ولم يحصد المؤتمر والإصلاح أي مقعد.

اثنا عشر: بعد الانتخابات ظل الجنوب محافظاً على موقعه في الشراكة بالوحدة كما كان قبل الانتخابات النيابية ماعدا فقدانه رئاسة مجلس النواب و(81) مقعدا فيه، ولم تتغير الخارطة السياسية لاتفاقيات الوحدة.

ثلاثة عشر: كان هدف كل الأحزاب في اليمن بما فيها الحزب الاشتراكي (فصيل الشمال) إبعاد الشراكة الجنوبية من المناصفة بسلطات الدولة.. فاتفقت هذه الأحزاب مع النظام في صنعاء على كيفية إخراج الجنوب من الشراكة، وفي 22 نوفمبر 1993 وفي دار الرئاسة اتفقوا بغياب البيض والعطاس ود. ياسين على تشكيل لجنة الحوار الوطني، على ألا تكون هذه اللجنة بالمناصفة بل بإشراك كل الأحزاب ، وهذا التكوين السياسي الجديد على الرغم من أنه ألغى نتائج انتخابات 93م البرلمانية وأقر فيه بناء دولة للوحدة عن طريق شراكة حزبية بدلاً من الشراكة الجنوبية. وبدأ التجاذب بين الأحزاب والحكم بشأن نزع الشراكة الجنوبية وتصفية ما تبقى من الجنوبيين في الشراكة.. وتحويل الشراكة من شراكة بين الشمال والجنوب إلى شراكة بين الأحزاب، واتفقت الأحزاب بما فيها حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح على الفيدرالية، وتم التوقيع على ذلك في 20 فبراير 1994م في الأردن .

رفض البيض والعطاس ود. ياسين وأعضاء مجلس الرئاسة وأعضاء مجلسي النواب والحكومة من الجنوبيين الفيدرالية إلا بعد إلقاء القبض مع المتهمين بالاغتيالات السياسية.. قامت الحرب وحصل ما حصل.

بعد عشرة أيام فقط من انتهاء الحرب بدأت مناقشة التعديلات الدستورية من قبل الطرف الشمالي بالوحدة لاستكمال أهداف حرب 94م ، فالتعديل كان يجب أن يسير وفق اتفاقيات الوحدة.

وكذلك وفق المادة (129) من الدستور نفسه التي تنص على «لكل من مجلس الرئاسة ومجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور..». وحينها كان مجلس الرئاسة مختلاً وغير شرعي وفق دستور دولة الوحدة. فالحرب أدت إلى نزوح النائب والعضو سالم صالح محمد، وكذلك مجلس النواب الذي انتهى فيه تمثيل الشريك الجنوبي، وكذلك رسالة مجلس النواب في ج.ي بتاريخ 29 مايو 1994م إلى الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الحالة في اليمن وتأكيدها الالتزام بدستور الجمهورية اليمنية، وكذلك القرار 1994/924م الذي اتخذه مجلس الأمن يوم 1 يونيو 94م والذي أكد في بنده الثالث «بأنه لا يمكن حل الخلافات السياسية باستخدام القوة، ويحث الطرفين على العودة فوراً إلى المفاوضات»، ثم القرار الثاني رقم 1994/931م الذي اتخذه مجلس الأمن يوم 29يونيو 94م والذي يطلب في بنده (4) من الأمين العام للأمم المتحدة مواصلة المحادثات تحت رعايته «وإمكانية إنشاء آلية مقبولة للجانبين- الشمالي والجنوبي - يفضل أن تشترك فيها بلدان من المنطقة»، ويقر «أن تبقي هذه المسألة قيد النظر الفعلي».

إذن فوحدة 22 مايو 1990م قامت باتفاق بين دولتين وأنشأت حقوقاً والتزامات متبادلة في ظل القانون الدولي، وليس اتفاقا بين القبائل، وما الاتفاقيات التي تمت بين الدولتين في: طرابلس والكويت والقاهرة والأردن، وكذلك قرارات مجلس الأمن إلا انعكاس للاعتراف بالدولتين وتعبيراً عن التضامن الدولي مع مطالب طرفي الوحدة اليمنية، ولأن دولة الوحدة الجديدة التي أعلن عنها يوم 22 مايو 90م تكونت من اتحاد دولتين تحت سلطة مشتركة تتوزع فيها السلطات بين ممثلي دولة الشمال وممثلي دولة الجنوب بالتساوي وبالمناصفة واستمر ذلك إلى ليلة الحرب على الجنوب وعلى وحدة مايو نفسها ونظرية الاستيلاء كطريقة لضم الشطر للآخر ظهرت بوضوح خلال حربين 1979،72م وفشلت فشلاً ذريعاً، ولم يسمع المجتمع الدولي والجامعة العربية للجنوب بضم الشمال خلال الحرب الباردة، ومارست رقابة حقيقية على ذلك، وقد أثبتت مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (رحمة الله عليه) الأسباب الكافية لحرب 1994م.

إذن فبعد حرب 94م سواءً وجدت الشراكة الجنوبية أم لم توجد فأبناء الجنوب ظلوا يرتبطون برابطة سياسية وقانونية لدولتهم السابقة التي دخلت بشراكة مع دولة الشمال، وهذا شيء طبيعي، وكان يجب أن يخلق هذا المبدأ التزامات من قبل المنتصرين بحقوق هذا الطرف وبأرضه وثروته وسيادته لأن وحدة 22 مايو وحرب 94م لا يعنيان إخلاء الجنوبيين الأرض التي يقيمون عليها، والتي لهم كامل السيادة عليها سواءً في ظل الوحدة أم في ظل الحرب، ثم أن وحدة مايو حاولت معالجة العلاقة بين النظامين السابقين وتجاهلت رأي الشعب في الشمال والجنوب (الاستفتاء مثلاً) .

ومن هنا فلا يحق لأحد نزع أراضي الجنوبيين تحت حجة أنهم دخلوا مع دولة الشمال في وحدة ثم في حرب، ولا يبيح للمنتصر بالحرب الاحتجاج باتفاقيات الوحدة لأنها لا تطبق عليه بعد أن فرقها بالحرب، قال تعالى:(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً) (سورة النحل 91) وكان عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) إذا بعث الجيوش أوصاهم قائلاً:«ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً، ونزهوا الجهاد عن غرض الدنيا».

وهنا أريد أن أسأل: هل هذه هي الوحدة التي سعى الجنوب من أجلها؟ الإجابة من قبل القوى الوطنية في محافظات الشمال قبل إجابة الجنوبيين: لا.. وإذا كانت الإجابة بلا من قبل أهلنا في الشمال، فهل هناك قضية جنوبية؟! الإجابة كانت بنعم، نعم توجد قضية جنوبية. إذن مادام هناك اعتراف في الشمال والجنوب بالقضية الجنوبية، هل يحق لمالكها الشرعي التفاوض حولها؟! أوليس الجنوبيون شركاء في الحل؟! ونحن هنا اخترنا لكم الطرح الإيجابي ونترك لكم حرية تدمير الجنوب وقتل أبنائه، ودفن ثقافة الوحدة التي ولدت فيه وأصبحت اليوم مثل «البرتقالة» الممصوصة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى