طور الباحة سقطت في مجاهل الفوضى وانهيار الخدمات وهروب السلطات

> «الأيام» علي الجبولي

>
مقر الإدارة المحلية مقر لمدير عام قبلي
مقر الإدارة المحلية مقر لمدير عام قبلي
تفاقم الانفلات الأمني والتسيب الإداري في مديرية طور الباحة، وتعطلت غالبية الخدمات، وتخلت الدولة عن واجبها، بل وانسحبت من المديرية في إجراء مثير للشك والريبة، ووصلت أوضاع طور الباحة إلى نقطة اللاعودة.

ففي حين كلف سعيد عبدالله حيدرة بإدارة المديرية منتصف نوفمبر الماضي، لم يلبث أن استقال من منصبه قبل أن يمضي شهران على تكليفه، لم يمارس خلالهما عمله سوى لأسبوعين فقط، ثم سافر لأداء فريضة الحج، وحينما عاد لم يستأنف عمله، ولم تكشف أسباب امتناعه عن تأدية مهامه.

سوق سلاح واعد
سوق سلاح واعد
إلا أن معلومات أفادت أنها امتنع احتجاجا على عدم وفاء قيادة المحافظة بوعودها في معالجة المشاكل الضخمة التي تراكمت في المديرية خلال السبعة الأشهر الأخيرة من العام الفارط، والتي اشترط حيدرة معالجتها قبل تسلمه المنصب، ومنها توفير أهم الخدمات الضرورية للمواطنين التي انهارت بكاملها أو تدهورت خدماتها.

ومعالجة الانفلات الأمني والتسيب الإداري والتردي المريع الذي أسهمت السلطة واستشراء الفساد في إنتاجه، وولد استياء وتذمر المواطنين.

ومع هذا الانفلات وعدم الاستقرار انفرط عقد المجلس المحلي هو الآخر، وجمد نشاطاته، وهجره بعض أعضائه إلى خارج المنطقة، ثم جاءت استقالة أمينه العام احتجاجا على الأوضاع المزرية كآخر ضربة أطاحت بكيان المجلس. وكرد فعل على هذه الأوضاع اقتحم مشايخ وأعيان في طور الباحة مقر الإدارة المحلية ونصبوا شخصا يدعى ياسر محمد حسن مديرا عاما للمديرية المهجورة من سلطتها، ولايزال يباشر مهام المدير العام، ولكن دون جدوى.

مقر الإدارة المحلية مقر لمدير عام قبلي
مقر الإدارة المحلية مقر لمدير عام قبلي
ومع هذا التدهور المؤلم للخدمات الأساسية، وغياب أبسط وجود لسلطة الدولة وهيبة القانون، استشرت ظاهرة أعمال السرقة والنهب والاعتداءات، حيث نهبت أراضي وساحات المرافق والمنشآت العامة، واستحدثت المباني العشوائية. وبينما كانت أغلب مباني ومنشآت التعاونية الاستهلاكية قد تعرضت خلال الخمس السنوات الماضية للنهب والسطو والمصادرة في عملية فساد تكفي لوحدها للإطاحة بدستة من الفاسدين.

وتعرض طيلة الأشهر الماضية وبتواطؤ فاسدين في السلطة ذاتها ما تبقى من أصول التعاونية ومنشآتها ومنشآت عامة أخرى لنهب وسطو متواصل تحت ذرائع شتى، وثمة بوادر للانقضاض على ما تبقى من المرافق العامة ومنشآت التعاونية والمنشآت الأخرى.

القمامة بشتى أنواعها
القمامة بشتى أنواعها
مظاهر التعطل والفوضى الأمنية والإدارية التي تعيشها المديرية أسقطت هيبة الدولة وسيادة القانون في الحضيض، فتعطل أجهزة الدولة لم يقف عند السلطة التنفيذية والجهاز الإداري للدولة بل طال القضاء أيضا، وتكرست ثقافة غياب النظام القانون، فمنذ نقلت النيابة والمحكمة عملهما في مايو الماضي إلى ديوان محكمة استئناف المحافظة، أجبر المواطنون على استبدال القانون بالأعراف والتقاليد القبلية البدائية والمتخلفة.

وتكبد المواطنون خسائر باهظة عند متابعة قضاياهم ومصالحهم لدي أجهزة القضاء التي يسافرون إليها في عاصمة المحافظة، ومع تفاقم التخبط في مظاهر الفوضى وغياب هيبة الدولة وسيادة القانون، تساوق انهيار الخدمات، فقد وصلت المياه إلى وضع يصعب وصفه، جراء نضوب غالبية آبار حقوله وخلافات إداراته وعماله.

إدارة المياه.. مغلقة منذ 3 أشهر
إدارة المياه.. مغلقة منذ 3 أشهر
وأغلقت إدارة الفرع منذ أكثر من ثلاثة أشهر، في حين أن مشروع مياه الرجاع الإسعافي الذي كان ينظر إليه كمنقذ لطور الباحة من أزمة المياه لايزال رهينة في قبضة مجموعة قبلية ترفض الإفراج عنه منذ أقدمت قبل خمسة أشهر على توقيفه ومنع المقاول من تنفيذه، مشترطة توفير مشروع مياه لمنطقتها مقابل السماح بمرور أنابيب المشروع الإسعافي.

أمام هذه التداعيات المخيفة للأوضاع وصعوبة الحصول على مياه الشرب، ارتفعت أسعاره وأجبرت أسر عديدة على النزوح نحو عدن والوهط وصبر وأبين والحوطة.

أنابيب مياه للفرجة فقط
أنابيب مياه للفرجة فقط
خدمات الصحة هي الأخرى ماتزال في غرفة الإنعاش التي دخلتها منذ عدة سنوات، ولايتوقع أن تجتاز غيبوبتها في القريب المنظور، رغم التغييرات الإدارية الجديدة، وإجبار فعاليات الحراك السلطة أثناء القيد والتسجيل على توفير مولد كهرباء وسيارة إسعاف.

ولا أثر للكهرباء في طور الباحة، فالكهرباء تعطلت نهائيا منذ يونيو الماضي، ومعداتها وأسلاكها تعرضت للسرقة، فغدت خارج الجاهزية، وتردت النظافة إلى هاوية يصعب وصفها، أكوام القمامة والمخلفات تتكدس في قلب الشوارع، وتحولت الشوارع والساحات العامة إلى مفارش بضائع من كل صنف في مشاهد فاضحة للفوضى.

(السمك / القمامة) وجهان لشارع واحد
(السمك / القمامة) وجهان لشارع واحد
أما الأوضاع الأمنية فقد دخلت في موت سريري منذ أبريل الماضي ولم يجد تغيير إداراتها لثلاث مرات، حيث تزايدت أعمال السرقة والاعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة وإغلاق المرافق الخدمية بقوة السلاح، وصار إطلاق النار ظاهرة مألوفة، وبرزت عصابات مسلحة تمارس أعمال الفتونة والسطو والسرقة، فبات اضطراب حبل الأمن ينذر بقادم مخيف جدا.

الأوضاع التعليمية هي الأخرى دب فيها الإعياء والوهن، مدارس كثيرة تعرضت للسرقة والاعتداءات وإغلاق المسلحين لها منذ بداية العام الدراسي، مثل ثانوية الصديق، مدرسة علي بن أبي طالب، حطين، الفتح، سعد بن معاذ، بل وصل الأمر إلى إغلاق مكاتب إدارة التربية ذاتها لأكثر من مرة، والاستيلاء على مساعدات مشروع الغذاء العالمي.

باعة يفترشون الشارع
باعة يفترشون الشارع
في هكذا بيئة تعطلت الدراسة في مدارس لنقص المعلمين وأخرى حبلت بالتسيب والمشاكل. وصول أوضاع طور الباحة إلى هذا التردي المرعب وتخلي السلطة عنها، تسعى السلطة إلى تبريره بأنه عقوبة تعمدتها على أبناء المنطقة، أي انتقام جماعي، مثل هكذا تبريرات لاتعد سوى حامل رخو لايقوى على حمل عجز وخيبة السلطة ذاتها.

لأن البحث عن مبررات وأعذار لن يستطيع ستر عورة وهشاشة السلطة وفشل قدراتها في فرض احترام هيبة النظام والقانون، كما أن المراهنة على اللعب بالنار لإنتاج فوضى منقذة للسلطة سلوك خطير لن يقف عند المكان والزمان اللذين تتوهم السلطة أنها قادرة على تحديدهما لكنها قد تطالها هي ذاتها.

زحمة البريد
زحمة البريد
هذا الفشل والهروب والتخلي عن المنطقة وأبنائها لن يجدي معه سوق السلطة لتبريرات ومزاعم العقوبة لستر عجزها عن فرض احترام هيبة النظام والقانون الذي غدا مطلبا ملحا لجميع المواطنين موالاة ومعارضة، لحماية أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، بعد أن بات الوضع يهدد بما هو أخطر وأشد وبالا، ليس على المنطقة فحسب بل على الجميع ودونما استثناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى