هي أرضهم

> عبدالقوي الأشول:

> ولي وطن آليت ألا أبيعه ** وألا أرى غيري له الدهر مالكاً ** عمّرت به شرخ الشباب منعماً ** بصحبة قوم أصبحوا في ظلالكا ** وأحب أوطان الرجال إليهم ** مـآرب قضـاها الشـبـاب هنـالـكا

(ابن الدومي)

ليس هناك ما هو أغلى على المرء من الأرض والمواضع التي ولد فيها وعاش في ربوعها، إنها عنوان حياة ووجود وكرامة وسبل عيش ومبعث طمأنينة في النفس، ويقال الأرض والعرض.. فكيف يتنازع سكان مدن وقرى المحافظات الجنوبية حقوقهم تلك، في حين لا يمتلك أي من الجنوبيين مساحة كشك واحد على أراضي الأشقاء، إذ لا يوجد في عرفهم ما يسمى بالأرض البيضاء، حتى أن من اشتروا لأنفسهم قطع أرض وبنوا عليها مساكن لهم وجدوا أنفسهم وسط معمعة لا بداية لها ولا نهاية، إلى درجة أن بعضهم دفع حياته دفاعاً عن هذا الحق.. ولعل «الأيام» أنموذج لما جرى ويجري من خلال نقطة دارها اليتيمة في عاصمة الروح اليمانية. ثم إن من المفارقات العجيبة أن من بقي من صغار الموظفين والإداريين أو الأمنيين المنتقلين من الجنوب يعيشون حياة قاسية في لوكندات أو مساكن جماعية وسط ظروف حياتية جداً قاسية وشعور بالعزلة والضياع، ولعل الصورة التي تطالعك عن ما يعرف بمقهى العدانية في شارع التحرير تروي عن حياة بائسة وملامح منكسرة.. فهل يستطيع هؤلاء مزاحمة سكان صنعاء في سباق محموم على العقار، أو يتناهشون حقوق القرى على مشارف صنعاء.. هل أصبحوا أثرياء بما استقطعوا لأنفسهم من عقار؟.. ذلك مستحيل.

إذن لماذا تعد كامل أراضي وعقارات الجنوب مستباحة وبمطلق صلاحية استحواذكم عليها؟!وتمنون على سكان بعض القرى في أطراف محافظة عدن ومخاليف لحج وأبين مطالبتهم بعدم المساس بحدود مساكنهم وقراهم باعتبارها ملكاً لهم؟

ألم يولد هؤلاء أباً عن جد على تلك الأرض؟.. أليسوا هم أصحاب الحق المطلق والأولوية المطلقة بهذه الأرض؟.. وسواء أثبتوا أم لم يثبتوا ملكيتهم إياها فهي في حدود مناطقهم منذ الأزل.

فبأي حق تكون أراضي بيضاء ويتم تحويلها إلى أملاك آخرين ليس لهم حق فيها، بأي حال.. فلو فرضنا أنها أراضٍ بيضاء أليسوا هم أصحاب الحق الأول فيها.

إن سبل إيذاء وتنفير السكان في المحافظات الجنوبية يبدو دأباً حثيثاً، وإلا ماذا يعني أن يزج برجال تلك القرى ونسائهم وشيوخهم في السجون ويواجهون بالقمع والرصاص المسيل للدموع.. هل ما يجري من أجل الوحدة أم من أجل العقار؟!لم نسنع قط أن مواطناً أو مواطنة من سكان محافظات الشمال يواجه مثل هذا التجبر والدعاوى على أملاكه من قبل أي جنوبي كان.. فبأي حال تكون عقارات وأراضي المحافظات الجنوبية مشاعة وحصراً لكم دون سواكم؟.. ألا تعد مثل هذه التصرفات مستفزة ومنفرة ولا تحترم مشاعر الآخرين ممن تستباح حقوقهم وتستقطع- وسط فقرهم وضعفهم وأوجاعهم- أرضهم لتؤول ملكيتها لغيرهم.

إن المفارقات موجعة للغاية.. فمن غير المنطقي أن يبارك سكان القرى والمدن الجنوبية ما يجري، فوطأة الظلم التي تشعرهم بالإذلال وعدم الحسبان هي التي ولدت هذا التلاحم الجنوبي المستعر، لم تعد الحيل والأكاذيب تنطلي عليهم، لأن ما تكشّف كاف لإيقاظهم وتوحيدهم حتى لا يجدوا أنفسهم كالهنود الحمر، رغم أن ما تعتقدون أنكم مكتشفوه من أراض بيضاء هي موجودة منذ القدم ولم يتم التصرف بها لاعتبارات مختلفة.

كما لم تنشأ مزارع على حقول مياه عدن خشية من تأثير ذلك في مياه المدينة، إلا أن ماحدث من استقطاع واستنزاف للمياه في محيط المدينة خلال السنوات الماضية، ومايجري اليوم من نهم على ما بقي من عقار يدعو للأسى والحيرة مما يجري.. ثم أليس الوضع مؤثرا بل بالغ التأثير في منسوب حقول المياه؟.. وفي التطور الرأسي والأفقي لعمران المدينة؟

أليس صيادو عدن بأشرعة أكواخهم البائسة، وسكان القرى المحيطة بعدن وأبين ولحج هم سكان تلك القرى ممن يعتمدون في رعي إبلهم ونعاجهم على تلك الكثبان الرملية، أليسوا مواطنين جنوبيين أصحاب حق تاريخي في أرضهم؟من دون شك هم يدافعون عن حقهم في الحياة ولن تخرسهم أباطيل الدعاوى التي تتخذ من منطق القانون الذي لا تطبقونه والعدل الذي لا تمارسونه. إنهم سيواجهون القمع والسجون بصدور مفتوحة وذوات زاهرة وأياد بيضاء.. لم يطمعوا بحق أحد أو يستضعفوه، لذلك فإن قوتهم خارقة وحججهم مفحمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى