علي بن علي صبره.. فتنة الشباب وجلال المغيب..

> فضل النقيب:

> لكم كان فاتناً ذلك الشاعرالقدّال المتكئ على أفاريز الهوى في شرفات جبل صبر حاملاً شبابته ومزاميره؛ وأغانيه العذبة ترحل في مدى العشق من فم إلى سمع ومن قلب إلى قلب.

ومن جرح إلى جرح ومن زمن يتعتق إلى زمن يتخلّق، لكأنه سيأخذ الهوى جميعه ويسكنه جوانحه إلى الأبد، ولكأنه المعني بقول الأخطل الصغير :

ولد الهوى والكأس ليلة مولدي

وسيحملان معي على ألواحي

وصلني خبر رحيل عندليب الحالمة «تعز» متأخراً بعض الشيء ربما لأنني غفلت أو غفوت يوماً وبضع يوم عن متابعة نبض الوطن الذي كان علي بن علي صبره أحد مرافقه التي يأنس إليها القلب وتشتاق إليها الروح وترفرف فوقها أجنحة السلام والعشق وجمال المياه وقد استشهدت من خلال دموعي بما فاه به أبو الطيب في غربته الأزلية :

طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ

فزعت منه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً

شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

كان مجيء علي صبره إلى واحة الأغاني اليمانية صاخباً مؤذناً ومبشراً بولادة شاعركبير فسيح الآفاق غزير العشق جريء كل الجرأة على اقتحام مايحجم عنه الآخرون من المعاني ومحملاً بلغة ملونة وثقافة عريضة وهدى جامح، وكانت أغنيته أو بالأصح ملحمته التي تجاوزت الثمانين بيتاً «أهلاً بمن داس العذول وأقبل» هي الجواز الدبلوماسي السامي القوي الذي فتح أمامه كل الأبواب، فما كان للفتى أن يترحل بجواز عادي يعبر به القلوب والمشاعر وذلك الصف الممتد من شعراء الغناء المرموقين على مدى القرون. في هذه القصيدة الأغنية جمع علي صبره كل فنون القول والفتنة وقد تهافت عليها المطربون يغنون مقاطع منها وهي تعطي لكل من شاء ماشاء؛ مصداقاً لقول أحمد الجابري : «أعطيت قلبي لمن يسوى ومايسواش كل من جهش له وخذ من لوعتي مجهاش».

أهلاً بمن داس العذول وأقبل / وطلعته مثل الهلال وأجمل/ ومن تعداه في الطريق يُقتل/ بلحظه القتال شله الله/ أهلاً بمن في مشيته ترتاح/ كم في طريقه داس نفوس وأرواح/ وفي يمينه للقلوب مفتاح/ دوله على أهل الحب أدامها الله/ أهلاً بأحبابي وبيت ناسي/ حيّا على عيني وفوق رأسي/ أهلا بكم يانشوتي وكأسي/ ومن لحبه قد خلقني الله

وهلم دواليك من هذا النسج المعجب المطرز بخيوط الذهب، ولكن وكما يبدو فإن لعنة البدايات المبهرة قد لحقت بعلي صبره، فعلى كثرة ماكتب عقب هذه الأغنية فإن الناس «ولهم فيما يعشقون مذاهب» قد ظلوا مشدودين إلى «أهلاً بمن داس العذول» ويبدو أيضاً أن الشاعر قد اطمأن إلى هذه الشعبية وذلك الصيت ووقر في نفسه أنه لن يستطيع تجاوز ملحمته فأخذ ينوّع عليها وهي تتغلغل في روحه كالحُميّا:

قلّي سلام وافتَشْ على محيّا /مثل القمر ثم استوى إليّا /وضمني حتى التوى عليّا /كالغصن لكن وسط جنة الله /وذاب في صدري وذبت مثله /ما زد سمعت إلا رنين قبله /والا تنهّادَهْ وصوت نَهْله /كادت تخليني ألاقي الله

ماذا بإمكاني أن أقول عن المغني الذي صمت أكثر مما قاله الأحبة، فها هو خالد الرويشان يقول : مات علي صبره والآنا كنا قد متنا قبله فلم نشعر بوحدته وعذاباته وعنائه، حيث الآهة تغدو أغنية والحرق تغدو قصيدة.

رحم الله علي صبره الذي كان فاتن الشباب وساحر الغروب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى