جامعة عـدن .. صرح يتهاوى في غياهب الإهمال والانهيار (2)

> رصد/ عبدالعالم العتابي

> في أروقة كلية الطب والعلوم الصحية، كان لنا لقاء مع عدد من الطلاب الدارسين، حيث تسنى لنا ملامسة جزء من معاناتهم وهمومهم، فكلية الطب ذلكم الصرح العلمي النبيل الذي يحلم كل طالب الانتماء إليه وارتداء عباءته البيضاء، وجدناه اليوم يرزح تحت حالة من البؤس والتعاسة.
فثمة أوضاع مؤسفة تجتر ذلكم الصرح الشامخ من داخل ساحته إلى ما يشبه الخراب الهائم وسط موج من الفساد الإداري والمالي، وعدم الحرص على مستقبل أولئك الطلاب الذين لا يزالون يحلمون بيوم التخرج، ويحاولون التغلب على إحباطهم من خلال النظر إلى المستقبل بعيون يملؤها الطموح والصبر.
............................................
* الاهتمام بالمظهر الخارجي
البداية كانت في كلية (الطب البشري) والذي أبدى فيه الكثير من الطلاب تخوفهم الكبير من تعرضهم (لعقوبة الفصل) بسبب توصيفهم لما يعانوه كطلاب مازالوا يتدرجون في سلم الدراسة، خصوصاً بعد أن أقدمت إدارة الكلية مؤخراً على فصل أحد طلاب (السنة السادسة)، حيث لم يتبق على تخرجه سوى تسعة أسابيع بحجة الغياب.
حيث وصف الطالب أمين الحساني، سياسة التعليم في الكلية بأنها غير مواكبة لعلوم الطب الحديث، وتعتمد على ملازم قديمة يرجع تاريخها إلى عهد التأسيس".
ويوضح قائلاً: "في الكلية لا يتوفر أي مرجع حديث للطالب، والذي لا يزال يجهل الكثير من المعارف والأبحاث العلمية المكتشفة، بالرغم من أن جامعة عـدن تصرف المليارات على شؤون الكليات والأقسام التابعة لها، وبالأخص على كلية الطب، وذلك في إطار حرصها على الخصوصية والأهمية الاجتماعية التي تحتلها هذه الكلية".
ويضيف: "المؤسف أن الكثير من الأموال تصرف لغير أهدافها في تلبية المتطلبات والمستلزمات الأساسية، ولا تذهب لصالح تحسين وتأهيل المناهج الأكاديمية، فالاهتمام فقط ينحصر بأعمال التشجير وتنميق الكلية من الخارج، أما الكلية من الداخل فهي في وضع يرثى له، فالقمامة والقاذورات متراكمة وتشكل بيئة ملوثة، سيما عند الجهة الخلفية للكلية".
ويشير في ختام كلامه إلى أن "علاقة الشراكة التي تربط كليات محافظة عـدن بعضها البعض مفقودة، ومن ثمَّ لا وجود لتبادل ثقافي ومعرفي متأصل ومتواصل بين طلاب جامعة عـدن بمختلف كلياتهم وتخصصاتهم".
* نماذج تتكرر سنوياً
من جانبه أوضح الطالب سمير حميد أن "طلاب الكلية يتعرضون إلى سوء معاملة من قبل بعض الدكاترة"، مبيناً أن "هناك تمييز وإحساس بالغبن تعرض له بعض الطلاب من قبل معلميهم بسبب تكريس المحسوبية والانتماء وانعدام المساواة في التعامل".
ويواصل حديثه عن الوضع المزري الذي تعاني منه أقسام وقاعات الكلية قائلاً: "بعض القاعات غير مؤهلة، وبعضها تبعث الإحساس بالاكتئاب بعد تساقط الطلاء عليها، كما أن هذه القاعات ساخنة جداً وتعتمد على مراوح الأسقف في تلطيف الجو بعد أن جرى توقيف أنظمة التكييف فيها".

ويشير زميله الطالب أيمن ضفري إلى أن "نماذج الامتحانات المعتمدة في الكلية تكرر نفسها كل سنة، موضحاً: "نماذج الامتحانات تجدها هي نفس نماذج السنوات السابقة، وغالبية الطلاب ينجحون بفضل مراجعتها واقتباسها، والعديد منهم يصعدون من مستوى إلى مستوى أعلى وهم لا يعرفون شيئاً سوى ما قرؤوه مسبقاً".
ويستطرد قائلاً: "مشكلتنا الأساسية هي أن الكادر التعليمي في الكلية لا يملك مهارة وقدرة احترافية في إيصال المعلومة، ونحنُ لا نقلل من كفاءة هذا الكادر، لكننا نرى أنه بحاجة إلى دورات تدريبية تمكنه من التعامل بأسس ووسائل علمية وإبداعية لإيصال المعلومات بطريقة متمكنة وسلسة".
ويختتم كلامه: "نحن ـ كطلاب كلية الطب ـ أطلقنا مؤخراً وبجهود فردية مبادرة بعنوان (بسمة أمل) وهي مبادرة جاءت بعد طول عناء، وترتكز أهدافها على جمع التبرعات عبر الفعاليات الخيرية التي يذهب ريعها في إطار تنفيذ حملات نظافة وترميم للقاعات، وتوفير المستلزمات الدراسية من كرَّاسات وكراسي".
* الكلية سوق للمتسولين
يقول الطالب إبراهيم البريهي ـ طب بشري- :"إن مبالغ الدراسة ـ النفقة الخاصة ـ بالنسبة لطلبة التعليم الموازي لو صرفت لصالح الكلية لوفرت كل المتطلبات من إصلاح الأجهزة والمكيفات والكراسي، وخففت الكثير من معاناة الطلبة".
ويشير إلى وجود بعض الدكاترة الذين لا يستفيد منهم الطالب علمياً بأي شيء، كما أن عدم وجود مجلس طلابي يشكل مشكلة بالنسبة للطلاب الذين أصبحوا رهينة للدكاترة، حيث لا يستطيعون رفع أي تظلم للإدارة بشأن بعض المعاملات والتجاوزات التي تحدث لهم.
ولفت الطالب إبراهيم إلى ظاهرة تسلل (المتسولين) إلى قاعات الكلية، وقال: «تشاهد عددا كبيرا من المتسولين يدخلون الكلية ويتجولون داخل القاعات ويترجلون ذهاباً وإياباً بين كراسي الطلبة في أثناء وقت المحاضرة، واللجنة الأمنية تتقاعس عن أداء واجبها في البوابة، وتسمح لهؤلاء (الشحاتين) الولوج للحرم الجامعي دون وضع احترام وتقدير لقداسيته».
* الوساطة سيدة الموقف
ويضيف الطالب توفيق صالح قائلاً: «بالنسبة للمنهج فلدينا منهج مرسوم بأسلوب (القلم الكوبي) وتوجد به بعض الأخطاء والاضطرابات».
ويواصل مستعرضاً جملة من الهموم التي تمس الطلاب: «هناك عراقيل تتعلق بالجانب العملي، فلا وجود للاهتمام من قبل الإدارة، ولدينا مختبرات منهارة للغاية، وكل عامين يتخلصون من مختبر ويلجؤون إلى عرضه بالصور، والكثير من هذه المختبرات تم إلغاءها منها: مختبر (البكتريا والفطريا)، ومختبر (الباثوا)، ومختبر (التشخيص) الذي تم استعادته دون توفير متطلباته وأدواته حتى أصبح عديم الجدوى، فتركوه وأصبحوا يعتمدون على النظري».

وقال مستطرداً: «كان بإمكان الميزانية المرصودة للكلية ومبالغ النفقة الخاصة بتزويد طلاب الكلية بكل الأجهزة والمختبرات الحديثة، وتوفير كافة المتطلبات وثلاجات المياه ليروا عطشهم، وبإمكان الزائر التأكد من مستوى غياب الخدمات الأساسية في الكلية، والذي ينحصر الاهتمام فيها بالشكل الخارجي للمبنى».
وأكد توفيق: «إن إدارة الكلية مازالت تتعامل بوسائل التمييز»، وقال: «في الأعوام الأخيرة تم قبول طلاب بالوساطة»، مختتماً: بأنه "لا توجد إدارة تراعي معاناة الطالب، أو تقوم بمتابعة نشاطه وتحفيزه ليكون طبيباً ناجحاً، فكل ما يحدث هو أن الإدارة تتحدث عن القانون وتطبقه في حال خالف الطالب القواعد، وتتجاهله إزاء كل مطالبه وحقوقه».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى