(المحدش محدوش) والحق الضائع

> علي صالح محمد:

> من غرائب وعجائب الحال ما نسمع ونقرأ عنه في بلاد اليمن التي تعيش عمليات مخاض كبيرة، و تحولات شديدة في إطار الصراع المحتدم بين القوى الحالمة و الحاملة لمشروع الدولة المدنية الذي يهدف باستحياء إلى توسيع عمليه المشاركة في صنع القرار والسلطة والتحول إلى مشروع سيادة الدولة بقانونها عوضا عن حكم القبيلة بعرفها، وبين القوى التقليدية المستميتة في الدفاع عن وجودها ونفوذها وسلطانها ومصالحها، و في التشبث بالسلطة والاستئثار بالثروة، وهي المصالح الممتدة جذورها لعقود، بل وقرون من الزمان، وفي موضوع الصراع تسعى القوى التقليدية بكل الوسائل والسبل للإبقاء على مقومات وعناصر وجودها، والحفاظ على مصالحها المكتسبة المادية والسياسية، وتبرز أهم مظاهر مساعيها تلك في محاولاتها الناجحة لإجهاض ما سمى (بثورة التغيير) عبر احتوائها وتكييفها وفقا لمصالحها، بما في ذلك احتواء أو ( كلفتة) أحزاب المعارضة التي كان البعض منها في إطار المعارضة يتبنى ( مشروع الدولة المدنية ) لهذا لا غرابة أن رأينا تلك الأحزاب قد ذابت وسال لعابها لمجرد المشاركة في الحكم مناصفة مع الحزب الحاكم مع أنها تبنت ما سمي (بثورة التغيير) لإزاحته وإسقاطه من الحكم ، ومع ذلك رضت بالنصف، فبقى الحزب الحاكم وزعيمه وحلفاؤه (مع الحصانة) ، لتضرب وتتبخر أحلام الشباب المسكين، وتصبح الدماء التي سالت والأرواح التي فاضت في خبر كان، وعربونا مؤجلا (ربما ) لثورة تغيير قادمة إن وجدت الهمم.
إنجازات هذا التوافق لم تذهب بعيدا لتحقيق ما يمكن ذكره سوى المزيد من استحضار البؤس والمزيد من المعاناة المتعددة الوجوه، و ممارسة الضغوط وعمليات الابتزاز لصياغة وضع ينسجم وحجم ومكانة كل طرف على الأرض، وصور ومشاهد ذلك كثيرة تتميز بنشر الفوضى وبالتالي خلق (الفراغ الكبير) السياسي والأمني والدستوري والتدهور الاقتصادي لتقويض كل شيء، والاستمرار في إشعال الحروب والحرائق وبالذات في الجنوب تحت مسميات كثيرة، بعد أن فشلت هذه القوى في توجيهها إلى شمال البلاد لصعوبة ذلك من جانب صلابة الحوثيين في وجه الحشد القبلي المهزوم، الذي أراد أن يمتحن قدراته بعد أن تم هزيمة الدولة ست مرات، لهذا أصبح خيار هذه القوى التوجه نحو الجنوب كواحدة من خيارات الضغط والابتزاز الجديدة عبر استخدام أوراقها الاحتياطية المتمثلة بقوى التطرف المسماة (بقوى الإرهاب) المجهزة كبديل لقوى الحراك في مناطق الجنوب في إطار المساومة والضغط وابتزاز الأطراف الداخلية والخارجية معا، لهذا لا غرابة أن رأينا تلك الأصوات التي أفتت في أربعة وتسعين تدعو اليوم إلى وقف الهجمات ضد قواها المتطرفة أو ما يسمى بجناحها العسكري الذي فرخته منذ زمن بعيد باتجاه الجنوب، بحجة أن هذا يكلف ويرهق ميزانية الدولة مع أن تجنيد مئات الآلاف في المؤسسات الأمنية والعسكرية من الأتباع لا يكلف ولا يرهق الميزانية العامة.
كما نرى بوضوح ما أنتجته هذه العقلية من أساليب حديثة لممارسة الابتزاز من خلال أحكام قبلية تعجيزية وخيالية تصل إلى المليارات الكافية لتجهيز جيش بكامله مقابل الادعاء بقتل شيخ قبلي هنا أو هناك، ومثالا على ما أنتجته هذه القريحة هذا الحكم:
(المحدش* محدوش، في مضاف مراد يسقط ثلثان ويقوم من الثلث الثالث 20 ثورا هجر والباقي يتوازى، حكموا يمين 22حالفاً على الطرفين أن ليس لهم أي يد في المفعول ولا هم ذي فعلوه إن مضوا فيتحملوه مراد بموجب الساحة، وإن هابوا كلهم نصين، وإن هاب طرف فيتحمله هو وحكموا على أنفسهم مراد بيمين 10حلافة أنهم ما سلبوا الخولاني بندقه على شان يهزؤوا به أو يستفزوه وإنما اتقاءً لشره، وإن هابوا، ففيه المربع، هذا حسب أسلاف القبائل وأعرافها).
مسكينة الأثوار التي تهجر وتذبح كضحايا لعرف هذه القوى التي ما زالت تتحكم في مقاليد الأمور في اليمن، وتصب جام غضبها على هذا الثور، وهو الذي له و (لأنثاه )مكانة مقدسة في بلاد الهند العظيمة، فأي دولة مدنية ستبنى في ظل وجود مثل هذه القوى وهذه العقلية يا ترى ؟ ومتى ؟
و مساكين الآلاف من البشر الذين أهدرت دماءهم في كل مناطق الجنوب، منذ عام أربعة وتسعين وحتى اليوم مدنيين وعسكريين كوادر وقيادات، شباب وشيوخ، نساء وأطفال، وما زال مسلسل القمع والقتل مستمر وبصور شتى، ومع ذلك لم نسمع أحدا يتحدث عن تعويضهم أو إنصافهم، ولا نذهب بعيدا، فهناك شابان جميلان في عمر الزهور من أبناء عدن المدنية، قتلا ظلما وعدوانا قبل عام في صنعاء بعد تجاوزهما لموكب عرس أحد المشايخ، ورغم كل النداءات والمناشدات لم ينصفا بعد ومازال دمهما معلقا في ذمة قاتلهما المتنفذ.
إذاً والحال هكذا هل تقتضي الضرورة تغيير لغة الخطاب وأساليب النضال؟ لأن مفاهيم النضال السلمي في نظر هذه القوى ذل وهوان وضعف وهزال، فمن يخالفهم حتى (بالقلم ) لم يسلم منهم.
و هل استمرار المليونيات (المشخصنة) ستحقق أحلام الناس في التحرر من هذا الكابوس أم (أن تكون قويًّا بالحقِّ يعرف لك حقَّك كلُّ أحد: العلم قوة، والعقل قوة، والفضيلة قوة، والاجتماع قوة، والثروة قوة، فاطلب هذه القوى بالحقِّ تنَلْ بها كلَّ حقٍّ مفقود، وتحفظ كلَّ حقٍّ موجود).
* المحدش : المحدشات تصرف إلى غوالي، ومنها المحدش ويصرف إلى 11غالي، والمحدش مربع ويصرف إلى 44غالي، والمحدش محدوش ويصرف إلى 111غالي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى