مقبرة القطيع بكريتر.. ساحة بسط عشوائي ومنازل تبنى فوق القبور إلى الجهات ذات العلاقة

> تحقيق / وئام نجيب - أروى علي

> هذا التحقيق الميداني أجرته الصحيفة في غضون الأيام الماضية، حول ما تشهده مقبرة القطيع بمدينة كريتر في عدن من أوضاع سيئة وإهمال كبير وانتهاكات تتنافى مع أبسط قيم وتعاليم ديننا الحنيف، حيث تواصلنا مع عدد من المواطنين والجهات المعنية لطرح هذا الموضوع ومعرفة ما يمكن فعله.
في أول لقاءاتنا تحدثنا مع المواطن وليد باحميش، الذي يعمل مشرفا ميدانيا للمنطقة الثانية، وبدوره وضع مقارنة بكلامه حول ما تتمتع به مقابر اليهود والنصارى من رعاية واهتمام ونظافة، وبين ما تشهده مقابر المسلمين في مدينة عدن قائلاً: “إذا نظرت إلى مقابر اليهود والإنجليز في المدينة تجدها نظيفة ومنظمة على عكس مقابر إخواننا المسلمين التي لا يتوفر فيها أدنى اهتمام أو نظافة مستمرة”، مضيفاً: “إن المسؤولية تتقاسمها الدولة والمواطن نفسه”.
قبور تنتهك حرماتها
وفي لقاء آخر تحدثت إلينا مواطنة تدعى أم أحمد بدر، وهي تقطن في أحد المساكن المطلة على مقبرة القطيع، مطالبة في حديثها بضرورة أن يتم إغلاق البوابتين الخاصتين بالمقبرة، وأن يتم توفير حراسة أمنية لها”.
واستطردت بقولها: “أصبحت مقابرنا تنتهك حرماتها، وأصبحت سلوكيات الاستهتار بالقبور تمارس علناً دون أدنى حد لقواعد اللياقة والآداب التي حثنا عليها الدين الإسلامي”.
وأشارت إلى أن بعض الأشخاص للأسف يتخذ من مواقع القبور مكاناً لتعاطي (القات) والمقيل والسمر، والبعض منهم بلغ به الاستهتار أن يدوس على القبور، بل والتمادي في قضاء حاجته فوق ثراها”، منوهة بأن “المقبرة أصبحت حاليا مرتعا للحيوانات السائبة كالماعز والحمير والكلاب، التي تجتاز سور المقبرة”.
وقالت أم أحمد “نشكو من أمور تحدث في نطاق مقبرة القطيع، أبرزها عدم وجود شخص متخصص يعمل على حفر القبور وحراستها، لأن هناك أكثر من شخص يتولى تلك المهمة، الأمر الذي يسبب إرباكا لذوي وعائلات الموتى الذين لا يعرفون هوية المسؤول الأساسي المكلف على إدارة شؤون المقبرة”، مختتمة قولها: “من اللازم أن يقوم المسؤولون المعنيون في مكتب الأوقاف بوضع حل لمثل هذه الأمور والأوضاع التي لا تليق بحرمة مقابرنا”.
**عدم الالتزام بالرسوم القانونية**
من جانبه تحدث المواطن هاني رجب للصحيفة عن أن “عمال المقبرة لا يلتزمون بالرسوم المحددة قانونياً التي سبق أن تم تحديدها، سعر القبر الواحد للإنسان البالغ 4000 ريال، وللطفل 2000 ريال، بحسب ما هو موضح على لائحة الرسوم المعلقة في المقبرة”.
وقال: “يوجد استغلال واضح يمارسه بعض القبارين الذين يقومون بتحديد أسعار مزاجية ويفرضون مبالغ مضاعفة، دون وضع اعتبار للقوانين وللظروف المادية الصعبة التي تعاني منها الكثير من العائلات التي تفقد معيلها أو أحد أبنائها”.
ويضيف: “العجيب في الأمر أن بعض (القبارين) يخيرون الأشخاص أثناء تشييع أحد موتاهم إن كانوا يريدون دفنه بجوار أحد ذويه أو أقاربه.. طبعاً كل ذلك بحسابه وثمنه، وهذه مسائل غريبة لم نكن نسمع عنها في مدينة عدن”، لافتاً: إلى أن “دفن الموتى أثناء ساعات الليل يكون بسعر مضاعف، وهي حادثة وقعت لي شخصياً عندما أردت دفن طفلي الذي فارقني وهو في عامه الثالث، وأردت دفنه في مقبرة القطيع، وتفاجأت حين طالبني القبار بمبلغ 4000 ريال، أي ما يوازي سعر قبر الإنسان البالغ.
**مساكن عشوائية في المقبرة**
ولفت المواطن هاني إلى ظاهرة بدأت تنتشر في مقبرة القطيع دون أن تقوم الجهات التنفيذية والأمنية المختصة بالوقوف ضدها، وهي ظاهرة انتشار أعمال البسط والبناء العشوائي داخل نطاق المقبرة، وبناء المساكن فوق القبور.
وتمكنت الصحيفة من خلال نزولها إلى مقبرة القطيع بكريتر من التقاط عدد من الصور الدالة والمؤكدة على مثل هذه الشواهد، ووجدت عددا من المنازل بالفعل قد تم تشيدها فوق القبور!!.
المواطن أبو علي أوضح أن “عملية الدفن التي تتم في ساحة مقبرة القطيع تخضع لمقاييس غريبة وعجيبة، جميعها تصنف بحسب نوعية القبر.. ولكل قبر سعر خاص”.
وحين طالبناه بالتوضيح أكثر: أجـاب: “مثلاً يقوم القبارون بتقديم خدمات خاصة للقبر!!، مثل توفير الماء لسقي القبر، والقيام بالتشجير وسطه وفي محيطه، مقابل رسوم مضاعفة يأخذونها من أسر وذوي المتوفى”.
**المأمور أوقف المشروع**
وقال عاقل حارة منطقة القطيع محمد السدح: “إن مشروع المقبرة الذي كلف فيه المقاول قد استلم تكاليف المخصص للمشروع من حديد وأسمنت وباشر ببناء السور الذي يبلغ طوله أقل من متر”، مضيفا: “لكن المأمور قام بتوقيف المقاول عن العمل”.
وأضاف: “إن من يقوم بتولي مهام المقبرة هم أبناء المنطقة، وعملنا على توفير حراسة ليلية من (اللجان الشعبية) لملاحقة المتعاطين للمخدرات”.
وتابع: “القبار الحالي جرى تعيينه من قبل أهالي المنطقة، وهو رجل تقي يخاف الله، وقد عيناه في وقت لم يكن في المقبرة أي قبار يتولى مسؤوليتها”، مشيراً إلى أن “الأوقاف تخلت عن مسئولية رعاية المقبرة وليس لهم علاقة بها”.
وقال مسئول من مكتب أوقاف عدن: “لقد رفعنا أيدينا من مقبرة القطيع بعدن، والسبب الانتهاكات التي تحصل فيها من قبل الأهالي وخصوصاً من الشباب الذين يعششون بجانبها من أجل القيام بأعمال مخلة ومخالفة للدين مثل نبش القبور وشرب الخمر والدعارة”.
**آداب زيارة القبور**
الأخ أحمد صالح الأميني - إمام جامع أبو الليل – يوضح حدود حرمة القبور قائلاً: “على الإنسان أن يتقي الله وأن يحترم القبور وألا يجلس عليها ولا يثير فيها الضجيج أو البناء عليها، ولا يقضي حاجته فيها”.
وقال: “من حرمة المقابر ألا تسرف الناس بالمياه لسقي القبور، أو تقوم بالحفر العشوائي، وعدم إخراج عظام الموتى”، منوهاً بأنه “لا يجوز للقبارين نبش القبور إلا بعد مرور فترة زمنية طويلة، بالإضافة إلى عدم فعل الفاحشة في مقابر المسلمين، عملاً بقول رسول الله “ليعمدن أحدكم على جمرة من النار خير من أن يجلس على قبر””.
وأضاف بقوله: “إن من آداب واحترام القبور هي: أن يدخل الإنسان إلى القبور ويسلم على أهل القبور، وأن يقرأ هذا الدعاء المأثور “السلام عليكم دار قوم مؤمنين.. أنتم السابقون.. ونحن إن شاء الله بكم لاحقون”، إلى جانب قراءته لما تيسر من القرآن الكريم والإكثار من الاستغفار للموتى”.
**المقبرة تقوم بوظيفتها**

وحول بعض المسائل المتعلقة بالمقبرة قال الأخ عبدالله سالم مسؤول مقبرة القطيع بمدينة كريتر، يقول إنه “يوجد في المقبرة عدد من العمال الذين بعضهم يتولى مهام حفر القبور”، مشيراً إلى أن “جميعهم ملتزمون بالأسعار المقررة للقبور، لاسيما وأن تلك الأسعار تقدم لهم في الأخير كأجور ورواتب في ظل عدم قيام مكتب الأوقاف في المحافظة بإعطائهم أدنى حقوقهم”.
وأوضح بقوله أن “عمال المقبرة يعانون من مسألة عدم اكتمال بناء السور، ويعملون باستمرار على حراسة المقبرة بأنفسهم”، مضيفاً أن “الحكومة قامت في وقت سابق بتزويد المقبرة بإنارات قديمة ومتهالكة”.
ويواصل مسؤول مقبرة القطيع: “مقبرة القطيع مازالت قادرة على استقبال الموتى ودفنهم فيها، ومازالت توجد في المقبرة مساحات خالية بإمكانها استيعاب ودفن المزيد من الموتى”، حد قوله.
واختتم قوله: “أنا تم تعييني من قبل المجلس المحلي بالمديرية وعقال الحارات وأهالي الحي”.
**الإنارة تتعرض للسرقة**
وبناءً على ما طرحه مواطنو كريتر توجهت «الأيام»إلى عدد من المسؤولين المعنيين في إطار محافظة عدن، لتوجيه عدد من الاستفسارات المتعلقة بهذا الصدد، حيث أفاد المهندس عادل محفوظ الزبيدي، مدير إدارة إنارة المحافظة، موضحاً للصحيفة “أنه دائما ما يتم توفير قطع الغيار وصيانة الإنارة المتواجدة داخل مقبرة القطيع لكن معظمها تتعرض للسرقة والتخريب”.
وأضاف أن “مهمة الإدارة تنحصر بالإشراف ودراسة المشاريع وتحديد كلفتها التقديرية للمجلس المحلي، والذي بدوره يقوم بإنزال المناقضة”، مطالبا في سياق حديثه المجلس المحلي بـ“إيلاء المزيد من الاهتمام بشؤون المقبرة”.
وفي السياق قال الأخ قائد راشد، مدير صندوق النظافة في محافظة عدن: “إن القمامة والنفايات المبعثرة في أرجاء المقبرة مصدرها المنازل المجاورة التي لا تراعي حرمة القبور، وتعمل على صب قاذوراتها ورمي نفاياتها دون وازع من دين أو يقظة من ضمير”، مضيفاً أنه “في اليومين القادمين سيكون هناك حملة نظافة للمقبرة”.
* ملاحظة: اليومان قد مضيا.. ولم يتم تنفيذ ما وعد به مدير صندوق نظافة عدن!.
عدم تفاعل المجتمع
أما شيخ سالم بانافع - مدير عام مديرية صيرة - فقد أوضح أن “المجتمع المحلي في عدن غير متعاون مع الجهات المعنية”، معتبراً “أن الخلل لا يكمن بالمجلس المحلي وإنما في المجتمع نفسه، بمن فيهم عقال وأعيان المنطقة”، الذين وصفهم بـ“عدم وجود دور فاعل لهم”.
وأشار بانافع إلى “أنه قد تم عمل إنارة في المقبرة، وأنه سوف يتم بناء واستكمال السور خلال الشهر القادم”، حد كلامه.
**قبارون غير رسميين**
وتحدث الأخ فؤاد أحمد البريهي، المدير العام لمكتب أوقاف عـدن حول هذا الموضوع مبيناً أن “مسألة وضع رسوم القبور في مقابر عدن، قد تم تحديدها منذ فترة زمنية قديمة من قبل المكتب، إلا أن بعض مسؤولي المقابر حالياً لم يلتزموا بالرسوم القانونية المحددة”.
وحول سؤال الصحيفة إلى أين تذهب إيرادات رسوم القبور أجاب “نحنُ لا نطلق عليها رسوم بل مبالغ مقابل الحفر، وهي تذهب لصالح القائمين على المقابر”.
وبين البريهي أن “وضع مقبرة (القطيع) أصبح غير قانوني بسبب عدم قدرة مساحة المقبرة على تحمل المزيد من الموتى، إضافة إلى عدم قانونية القائمين والمشرفين عليها”.
الحيوانات تسرح وتمرح داخل المقبرة
الحيوانات تسرح وتمرح داخل المقبرة

وأضاف “لقد تم إشعار الإخوة في المجلس المحلي بالمديرية وعدد من الجهات المعنية، بضرورة إغلاق المقبرة التي لم يتبق لها مساحة كافية، وذلك حتى يتم تجنب نبش جثث الموتى باستمرار عملية الدفن”.
وعن موضوع سور المقبرة قال: “تم رصد موازنة لاستكمال السور الجنوبي الشرقي لمقبرة القطيع، في عام 2011م، بمبلغ 17 مليونا، لكنه تعثر تنفيذ الجزء الهام الذي يفصل المقبرة عن المباني”.
قائمة بأسعار القبور وتحذير في الأسفل
قائمة بأسعار القبور وتحذير في الأسفل

وأكد مدير الأوقاف في ختام توضيحه “عدم وجود (قبارين) رسميين، لأنه وبحسب الأصول والإجراءات الرسمية يتوجب أن يكون التعيين خاضعا لإدارة مكتب الأوقاف بالمحافظة، حيث تعرض عدد من القبارين الذين جرى تعيينهم من قبل المكتب للضرب والطرد”، لافتاً إلى “أنه لم يقم القبارون القائمين حالياً على مقبرة القطيع برفع تقارير لمكتب الأوقاف، ويتطلب على الجهات المختصة ضبطهم لكونهم غير قانونيين”، حد قوله.
مخلفات بشرية داخل القبور وفي محيطه
مخلفات بشرية داخل القبور وفي محيطه
الأبنية تزحف إلى داخل المقبرة
الأبنية تزحف إلى داخل المقبرة
تدمير وانتهاك لحرمة القبور
تدمير وانتهاك لحرمة القبور

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى