المركز النموذجي للأحداث بعدن: آمال إنسانية تصطدم بإهمال الجهات الرسمية

> تقرير/ رعد الريمي

> تحولت كثير من شوارع المدينة وأزقتها إلى أماكن لإيواء الأطفال المشردين، بعد أن باتوا ينتشرون فى كل مكان في مدينة عدن حيث تراهم في الحدائق، والأسواق، وأمام المحلات المغلقة، والأماكن المهجورة، لا يبالون بالتقلبات الجوية من حر قائظ أو برد قارس، يتحملون الجوع والعطش، يفرغون طاقتهم بألعاب العنف، كلهم هربوا من أسرهم لأسباب عديدة كالتفكك الأسري أو وفاة أحد الأبوين أو انفصالهما عن بعض، وكذلك القسوة المفرطة التي تمارس ضدهم من الأهل، هذه الأمور وغيرها تجعل من هؤلاء الأطفال يرون بأن معترك الحياة في الشارع والتشرد أقل قسوة مما تعرضوا له في منازلهم، حيث تسبب فى هروبهم غير آبهين بما يواجهونه، وهم لا يعرفون أن ما أقدموا عليه هو كالمستجير من الرمضاء بالنار، ويجعلهم فرصة سهلة للاستغلال من قبل بعض الأشرار في مجالات عدة كالسرقة، والتسول، والاغتصاب، والمتاجرة بأعضائهم، وهم لا يعلمون.
وإزاء هذا الملف الشائك زارت «الأيام» المركز النموذجي للأحداث في عدن لتسليط الضوء عليه من خلال هذا التقرير.
يعود تاريخ إنشاء المركز النموذجي للأحداث إلى شهر فبراير من هذا العام 2014م، وذلك بعد صدور قرار التعيين، وهو أحد المرافق التابعة لوزارة الداخلية.
ووفقاً لمديرة المركز العقيد ماجدة محمد منصور فقد قالت: “علماً أن المركز لا يخضع لتمويل الجهات الرسمية، لكن هناك مساهمة دولية مثل منظمة رعاية الأحداث ممثلة بالأخت أمل الرياشي، والتي قامت - مشكورة - بتمويل المركز، وذلك من خلال تزويد الدار ببعض الأثاث المكتبية التي يحتاجها”.
أطفال مشردون في الشارع
أطفال مشردون في الشارع

من هو الحدث؟
الحدث فى المدلول القانوني هو “الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي”، ولهذا فالحداثة من الناحية القانونية ينحصر مجالها فى فترة زمنية يمكن تحديدها بحد أدنى وحد أعلى، وتحديد هذه السن يختلف باختلاف التشريعات، ويرجع ذلك غالباً إلى تأثير العوامل الطبيعية والاجتماعية والثقافية والخاصة بكل مجتمع على حدة، وذهبت أغلب التشريعات إلى تحديد السن الأعلى للحدث خمسة عشر.
**مهمة الدار**
وعن مهمة الدار تقول العقيد ماجدة: “تقوم مهمة الدار في استلام البلاغات والقضايا من قبل مراكز الشرطة وقضايا الأحداث، وذلك لمن لم يتجاوز سنه الخامسة عشر عاما ليتم التحقيق منها من قبلنا، ويكون تعاملنا معه مباشرة مع نيابة الأحداث، وإحالة المتهم إلى دار التوجيه الاجتماعي، وكذا دار التكافل الاجتماعي بمدينة الشعب سواء أكانوا للبنين أو للبنات، وخاصة للأطفال الذين بدون عائل”.
**الاهتمام بالجاني لا المجني عليه**
 ماجدة محمد منصور
ماجدة محمد منصور

تقول ماجدة في سياق حديثها عن مهام الدار: “إن اهتمام دار الأحداث يقتصر على الأحداث المتهمين فقط، ولهذا نحن نقع تحت مشكلة كبيرة في كيفية التعامل مع الحدث المجني عليه الذي لا توجد له أسرة أو بمصطلح علمي (أطفال الشوارع)، وهنا نوجه أملا مقرونا بمناشدة عاجلة بأن توجد دار رعاية للحدث سواء أكان للجاني أو للمجني عليه، وذلك كون الاهتمام بالجاني دون المجني عليه مشكلة بحد ذاته”.
وتضيف “التعامل بهذه الطريقة يعني أن الجاني واحد والمجني عليه متعدد، وهذا ما يحصل بالفعل، إذ أن المجني عليه يتكرر حضوره بينما الجاني يختلف و خاصة في قضايا السرقة والاغتصاب”.
**آمال معلقة منذ عقود**
الدكتور عبد الوهاب شكري - وهو باحث اجتماعي في المركز - من جهته علق الآمال بوزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية، كذلك منظمات المجتمع المدني في إيجاد مركز إيواء لائق، وذي سيادة إشرافية جيدة يحمل أفكارا إصلاحية للساكنين فيه يحولهم من أفراد عاديين إلى أفراد فاعلين في المجتمع، وذلك من خلال تأهليهم.
طفل نائم على الرصيف في الشارع
طفل نائم على الرصيف في الشارع

وعن المعاناة التي تواجههم في إطار عملهم في المركز قال شكري: “ تعاني اليمن بخلاف غيرها من القوانين العربية من أن سن الحدث فيها هو إلى سن الخامسة عشر، بينما في بقية الدول إلى الثامنة عشر، وهذا يعني أن هناك مرحلة ما فوق الحدث وتحت البلوغ وفق القانون اليمني، وهذه المرحلة هي مرحلة مبكرة لكثير من القضاة إذ لم يضموه إلى الحدث أو إمكانية التعامل معه كبالغ، وبتالي يتم تخفيف العقوبات معه، وسيبقى هذا المشروع قانونا لم ينفذ حتى اللحظة، وما زالت المؤتمرات والمنظمات تكرر طرح هذه القضية على الجهات المختصة، ولا حل فيها، وآثار هذا التعاون هو على أرض الواقع إذ يتم جمع أصحاب هذه المرحلة مع سجناء بالغين، وهو ما يعرضهم للخطر، ومع الأسف هذا حاصل في كثير من السجون”.
**الاغتصاب والسرقة**
العقيد ماجدة منصور أوضحت أن أكثر المشكلات التي تواجههم في المركز بالقول: “إن أغلب القضايا المتعلقة بالأحداث هي الاغتصاب، وكذا قضايا السرقة”، وأفادت أن “عدد القضايا التي سجلت لهذا العام حتى شهر أكتوبر أربعة عشر قضية بخلاف القضايا التي يتم حلها وديا، وأن الحل ودياً يأتي في كل القضايا عدا قضايا الاغتصاب، حيث أنها قضية لا تقبل الحل الودي البتة”، معربة عن قلقها “إزاء تفاقم هذا النوع من القضايا، وخاصة في ظل الأوضاع المتردية”.
انعدام القوة الأمنية ووسيلة مواصلات
وفي إطار حديثها عن المعوقات التي يعانيها الدار حديث النشء قالت ماجدة منصور: “إن الدار يفتقر إلى الجانب الأمني، والذي يعد مهما جداً، لا سيما في ظل الأوضاع التي تعيشها البلد، كما أنها تفتقر أيضا إلى وسيلة مواصلات، ولهذا فإن هذين المطلبين هما المطلبان الرئيسان في الوقت الحاضر، مع العلم أن هذين المطلبين موضوعان على مكتب إدارة الأمن”.
**تعتيم على جرائم الأحداث**
قال الاختصاصي الاجتماعي شكري: “إن أغلب الطبقات الاجتماعية في المجتمع اليمني تعتم عن أمثال هذه الجرائم إلا ما شذ، والسبب عائد لكوننا مجتمع عربي ومتدين ومحافظ ولدينا (فوبيا) ـ خوف ـ من العيب، وبتالي لا يصلنا من القضايا إلا التي استلمتها الشرط”.
**بصمة إيجابية**
من جهتها واصلت العقيد ماجدة حديثها “أنها ومنذ افتتاحها الدار لم تلمس أي تجاوب من الجهات المختصة، مع العلم بأن من واجبها توفير كل ما يحتاجه هذا الدار، ومع هذا لم نملس أي تعاون سوى من مؤسسة إنصاف القانونية لحقوق المرأة والطفل، والتي يعتبر لها قدم السبق في تبني القضايا ذات الاغتصاب، والتي يعود الفضل فيها إلى رئيسها المحامي إيهاب باوزير الذي دائما نجده حاضرا في أمثال هذه القضايا المهمة، وعليه فإن الدار يوجه له جزيل الشكر إزاء ما يسديه من خدمات ملموسة لهذه القضايا”.
**ختام**
واختتمت ماجدة حديثها إلى كل الحريصين على مصلحة هؤلاء الأطفال قائلة: “إننا نرجو من كل إنسان حريص على مصلحة أولاده ومجتمعه بأن يتعاون معنا في الدار، وذلك بإيصال أمثال هذه الحالة والبلاغات، ونحن نطلب من مدراء عموم التربية ومن مدير أمن محافظة عدن للوقوف مع مركز الأحداث وتذليل كافة الصعوبات من خلال عقد لقاءات مشتركة بشكل مستمر، كما نعقد الآمال على زملائنا أن يشدوا من هممهم رغم الصعوبات التي يمر بها المركز والبلد ككل، وكلنا أمل على إعانة المولى لنا على تجاوزها والقدرة على بناء مجتمع خال من أمثال هذه الظواهر”.
كما أوصت “بضرورة رفع سن الحدث إلى (18) سنة، وتفعيل دور الإدارة العامة لشرطة الأحداث في وزارة الداخلية، والمتابعة والمراقبة لأقسام شرطة الأحداث في وزارة الداخلية، وتفعيل دور المحامي للدفاع عن الحدث في النيابة وأقسام الشرطة، وكذا تفعيل دور الاختصاصيين في التحقق من أوضاع الأحداث الاجتماعية والبيئية، ورفد محاكم الأحداث بالقضاة والإداريين والاستمرار في تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في مجال الأحداث”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى