(مر طيفك) أغنية العاطفة الصادقة نقطة التقاء

> عمر محمد حبيب

> لم يكن شاعر السبولة والرقة عمر عبدالله نسير مؤلف القصيدة يدرك أن قوله (مر طيفك) يندرج ضمن ما يسمى بلاغة استعارة، لكنه الأمر الذي يدل قطعا أن التعليم الديني منذ الصغر هو الأساس في تكوين ثقافة الشاعر أخلاقيا وأدبيا: (مر طيفك في منامي مر سوّى لي سلام/ ماهنيت حتى منامي قمت رديت السلام/ وانكتب لي عمر ثاني لما شفتك في المنام/ كيف لو شفتك أمامي كيف لو شفتك تمام/ فإذا كان الطيف هذا لايمر إلا في المنام) فذلك أمر مستحسن جداً، وقد استخدم هذا التعبير الشعري كثير من الشعراء، ولكن تعبير نسير الشعري الطيف فيه يسلم (مر سوَّى لي سلام ) وهذا تعبير انفرد به نسير، ولفظة (سوَّى) في اللهجة الشعبية الأبينية تعني (عمل)، وكأن نسير يشير إلى امتزاج أو اقتران أو اندماج (الحركة بالفعل) حركة مرور الطيف، وفعل اليد وهي تسلم، ترد التحية هذه الإشارة كانت بمثابة السؤال، فكان يلزم الرد (قمت رديت السلام)، وكأن الشاعر يشير إلى اندماج واقتران وامتزاج فحركة قيام المحب أدت إلى استيقاظه !!٠ فلماذا لم يرد الشاعر المحب وهو نائم ؟!. إنها المفاجأة والفرحة والشوق لا الفجيعة من طيف مزعج.. إنها الانبساط الذي أنسى المحب من وقعه على نفسه أن يسلم وهو نائم، بل أخذه كمفاجأة سارة دفعته إلى القيام والاستيقاظ ليرد وهو بكامل وعيه. فأية صورة هذه التي تحمل حبا وعاطفة صادقة تكتنز في أعماق وأحشاء الشاعر المحب المفعم بالحنان والوفاء والرقة!!، المفاجأة السارة لا تنتج مثلها.. بعض ممن يتصفون بالحساسية الرقيقة، الحنونة يبكون عند المفاجأة المفرحة، السارة، وهذا دليل على أن قوة انفعال الشعور لا تكمن فحسب في التعبير عنها بالكلمة وبالانطباع وبالحركة إنما تتعدى ذلك إلى دفع الغدة الدمعية على الإفراز وجبر الدمع على الخروج من المآقي، وهو فعل طبيعي يدل على زيادة حنان وحب ورقة .
فهذا الشاعر ابن الخلافة الأموية، الوليد بن عبد الملك عندما فاجأ حبيبته رأى كيف دمعها ذرف منها لفرحتها وسرورها بلقائه يقول: ( وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا / وعضت على العناب بالبرد ) فرحت حبيبته بلقائه المفاجئ !!، وكثير من الشعراء أجادوا هذا التعبير اللغوي على هذا المنوال، لكن ما يميز الشاعر المحب نسير أنه أتى بالجديد، وتجاوزهم جميعا في هذه القصيدة، الأغنية، حيث قال: (وانكتب لي عمر ثاني لما شفتك في المنام) هذا المحب، الرقيق سجل له عمرا آخرا ليس الذي يعيشه، لم يبك، بل حصل على شيء أجمل لم يكن يخطر على بال حصل على حياة جديدة مع طيف الحبيب. والمفاجأة السارة أنتجت مفاجأة سارة أخرى كانت حياته دون الحبيب، الآن أصبحت حياته مع الحبيب طيفا، وهي حياة أشبه ما تكون بين الواقعية والخيالية، يمكن لنا أن نطلق عليها (حياة الدهشة والمفاجأة) التي تجعلك - أحيانا - غير مصدق لما ولكنك تراه وأنت واع له، وأنت تعيشه، وهذا ماعناه واراده الشاعر المحب نسير تحديدا.
ثم يستطرد متسائلا: ( كيف لو شفتك أمامي / كيف لو شفتك تمام) وبقدر دلالة هذا البيت الشعري على تساؤل المحب، الشاعر بقدر ما يدفعنا نحن إلى التساؤل أيضا: ماذا سينتج إذا ما رأى الشاعر المحب حبيبه روحا وجسما أمامه!!. هل سينكتب له عمر ثالث ؟!!! لا أدري، ولكنني أجزم بأنه لو حصل وكان الحبيب فجأة يتحول من طيف إلى حقيقة أمام المحب لجرت الدماء في تلك العروق من الأوردة والشرايين التي قد جفت من زمن، ولسجلت للمحب حياة ثالثة جديدة سيعود فيها الشاعر المحب إلى صبي أو شاب يقبل بكل جوارحه على الحياة مجددا!! الثقة عماد الحب بكم الخبرية يعيد الشاعر المحب على مسامع حبيبه مرات الخصام التي حصلت بينهما خلال فترة الحب.. هو لا يتذكر عددها !! كم مرة أنا وأنته ياحبيبي اختصمنا عددها كثير، ثم يستدرك بـ (لكن) عله بذلك يذكر حبيبه أنه (لا يعول)، وهي لفظة شعبية تعني (لا يهتم) بكل تلك الخصامات التي حدثت بينهما.. لكن أنته ماتعول بالخصام ويذهب أبعد من الخصام إلى الافتراق، لكنه قبلا يأتي بلفظة (حتى) بمعنى (افترض) حتى لو أنا وأنته ياحبيبي افترقنا والافتراق لم يحصل بينهما كحبيبين، لكنه افتراض أن الخصام قد يصل الذروة، ويحصل الفراق، مع كل ذلك يثق الشاعر المحب ثقة لا متناهية في أن طيف الحبيب سيأتيه كل ليلة في المنام، ثم يطرح دليله على صدق قوله: (دليلي أن طيفك صاين للغرام / دليلي أن طيفك جاني في المنام ) فأية ثقة هي تلك التي تكمن بين جوانح الشاعر المحب في حبيبه؟!٠
لا شك أنها الثقة التي تأسس عليها حبهما منذ البداية، الأمر الذي جعل من هذا الحب متماسك تماما كالكائن الحي ينبض بحياة جديدة أخرى تجعل المحب يتجدد شبابا معه.
عود على بدء: لا أشك في أن جمهورا كبيرا استمع إلى أغنية العاطفة الصادقة (مر طيفك) التي عبر خلالها الشاعر الرقيق عمر عبدالله نسير عن حب عاشه اثنان أساسه ابتنى على ثقة متبادلة، قد يكون هو صاحب هذه التجربة وقد يكون غيره، لكن ما أريد الإشارة إليه هنا أن علاقة الحب التي تنشأ بين المحب والحبيب كانت في أغلبها علاقة صادقة أساسها الثقة المتبادلة بين الحبيبين، لذلك جاءت الكلمات الشعرية صادقة، أما اليوم فعلاقة الحب صارت علاقة مصلحة معينة، فإذا تحققت هذه المصلحة انهارت هذه العلاقة، ولهذا نرى الكثير من علاقات الحب قد فشلت!.
**عمر محمد حبيب **

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى