عبده غلط في الحساب

> محمد بالفخر

> على مدى نصف قرن طنطن الرفاق بحلم الوحدة اليمنية وألّفوا لها مئات القصائد العصماء وغير العصماء، وسلخوا وطنا وشعبا من هويته وألحقوه بهوية يمنهم في ليلة عمياء لم ير لها نور يسطع، وتحقق حلمهم بعد مرور الموكب في نفق القلوعة المظلم، فالتقط صاحب النهدين الفرصة التاريخية التي تهيأت له بقدرة قادر بعد أن أعاد عليهم مشهد جدار برلين وهو يتهاوى ومشهد الرفيق تشاوشيسكو وهو يلاحق من الجماهير حتى تم إلقاء القبض عليه وقتله، وقطعا لم يغب عن المنظر حطام أرتال الدبابات السوفيتية المتناثرة في جبال وأودية أفغانستان وجنود الجيش البلشفي تغادر كسيرة مهزومة، والرفيق جورباتشوف ينظِّر في البيرسترويكا بعد أن كفر بعقيدة لينين وماركس، فما كان منهم إلا الهروب إلى باب اليمن لالتقاط الأنفاس وتحقيق الحلم القديم، فكانت الوحدة الاندماجية السريعة (بيعة ما حضرها دلاّل).
ومرّت الأيام وتلذذ الرفاق وبنوهم ببنت الصحن الصنعانية واستمتعوا ببرودة الأجواء الممطرة في جو صنعاء الصيفي الجميل وبدؤوا ينفتحون على عالم آخر لم يكونوا يدركون قربه نتيجة الستار الحديدي الذي وضعوا أنفسهم وشعبهم فيه، وشعروا أنهم ضيعوا فرصا بالإمكان تعويضها وشعروا أن البيعة وقع فيها ظلم وغبن لهم وليس لشعبهم، فهذا آخر ما يتم التفكير فيه، ولكن لا بأس من استخدامه مطية للركوب، فبدأت الأزمات السياسية الواحدة تلو الأخرى، حتى أيقنوا أنهم بين كماشة يصعب الفكاك منها، فكانت حرب صيف 1994 نهاية للفصل الأول بعد أن تم اجتياح الجنوب تحت مسمى الشرعية ومطاردة فلول الانفصاليين، وهنا بقي شعب الجنوب متفرجا، وهو يرى جحافل قوات النظام اليمني المتحالفة مع فصيل جنوبي آخر تصول وتجول في أرضه، ورأى القيادات الهزيلة وهي تلتحق بمهاجرها وتسلك الطرق التي حددها لها صاحب النهدين، وظهر على السطح رجل المعركة وقائدها عبدربه منصور الذي تم ترقيته إلى التهميش الطويل كنائب للرئيس وكممثل لشرعية الجنوب في الوحدة التي عمدوها بالدم الجنوبي المستباح وعمدوها باستباحة كل شيء في الجنوب، وبقي أبو جلال مركونا في ظل مسمّى النائب حتى مطلع العام 2012م بعد أن تم احتواء الثورة الشبابية وتحويلها إلى أزمة سياسية رضيت بمبادرة تقاسم السلطة بين الفرقاء، وحتى لا يضيع الجنوب وثرواته من بين أيديهم، وحتى تبقى شرعية الوحدة الأوهى من بيت العنكبوت تم الاستعانة وعلى مضض بابن منصور الجنوبي كرئيس توافقي للمرحلة الانتقالية، لأن ثقافة القوم لا تقبل برئيس من خارج البيت الزيدي مذهبا ومن خارج النطاق الجغرافي المحيط بالنهدين، ولكن للضرورة أحكامها فالضرورات تبيح المحظورات.
مالك النهدين الشرعي تم تحصينه ومن معه وحرّم على نفسه الخروج من البلد وبتحد صارخ وأخذ يدير العملية السياسية بدهاء خارق كعادته، وابن منصور صدّق أنه مرضي عنه وأنه يستمد قوته من المجتمع الدولي راعي المبادرة، وظن أن بإمكانه أن يكون هو الرابح في ضرب القوى المتصارعة بعضها ببعض، فتسارعت الأحداث واحدة تلو الأخرى حتى الوصول إلى بيته، فوجد نفسه قد أحيط به وبحكمه، فلم يكن له من مناص سوى تقديم استقالته، التي جاءت متأخرة جدا زمانا ومكانا، فالزمان يفترض أنها قبل 21 سبتمبر والمكان يفترض أنها تعلن من عدن مصحوبة بقرار الانفصال المطبق على أرض الواقع، فهل بالإمكان تدارك الغلط في الحساب؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى