سيرك دولي في اليمن

> عبد العزيز المجيدي

>
عبد العزيز المجيدي
عبد العزيز المجيدي
هذا اليمن العجيب، غدا أضحوكة، ومسرح تجريب لسياسات دولية منذ ما يسمى المبادرة الخليجية. ثمة عروض بهلوانية سخيفة أصبح المجتمع الدولي نفسه يمارسها بصورة فاضحة، ساخرا من اليمنيين كما لو كانوا جمعا من القردة.
بواسطة القوة الناعمة، تحركت أمريكا، والخليج، بسرعة رهيبة، بالتزامن مع تزويد علي صالح بالأسلحة لقمع الثورة الشعبية. تلاعبوا بسذج يديرون الأحزاب السياسية كقطيع عليه أن يصغي وحسب لما يرونه صوابا طوال الوقت، ولا يعتبرون!.
عندما كانت الثورة في ذروتها للخلاص من هيمنة نظام فاسد، كانت جاهزية هذه القيادات عالية لوضع العصا في دولاب الثورة. وبينما كان يتوجب عليهم أن يكونوا في الصفوف الأمامية، من أجلهم وليس من أجلنا للتطهر من موبقات وخطايا مارسوها بحق اليمنيين، وضعوا آذانهم ورؤوسهم على أعتاب السفارات لتلقي تعاليم العم سام وجماعة “أبو بعير”. صرخت أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، يجب أن تتوقف الثورة، لأنها تضع البلاد على طريق الحرب الأهلية، إنها العبارة التي تلقفها التلاميذ الخائبون وراحوا يبثون الهزيمة في صفوف الثورة الشابة التي جرى السيطرة عليها من الداخل وفتح مسار التفافي أفضى إلى هذه الكارثة الآن. اليوم يجلسون مع الانقلابيين وجها لوجه لشرعنة خطوتهم المدمرة.
أما أمريكا التي تبجحت بتصريحات حادة في خضم الثورة، تلتقم الآن حجرا، وتمارس مواء قطط، حيال واحدة من أهم الفضائح السياسية للدبلوماسية الأمريكية. فبينما يمضي الانقلابيون في صنعاء في إزاحة رئيس جنوبي منتخب بإرادة توافقية، تتخلى واشنطن ببساطة عن المبادرة التي جاءت بالرئيس، وراحت تتحدث عن “انتقال سلمي لمؤسسات شرعية” تلعب دور محلل سياسي يفترض أن يكتب افتتاحية للواشنطن بوست مثلا!.
لا أحد بالطبع كان يراهن على واشنطن في تخليص اليمن من مشاكله، لكن السذج أو الأدوات البليدة، ربما اعتقدت طوال الفترة الماضية أن أمريكا لن تتخلى عن خطتها ووعودها، وستقاتل من أجل مقررات الشرعية الدولية!.
هذه القوة العظمى تثبت على الدوام، أنها تفعل ما يحلو لها، غير مكترثة بالمسميات الديمقراطية ويمكن أن تلعب دور مهرج سخيف على حبال السياسة المتقلبة.
نهاية ديسمبر، الفائت ، كان الشباب يسطرون بأقدامهم، واحدة من أكثر الملاحم التي أبهرت العالم، فانخرطوا في مسيرة الحياة التي حملت السلام إلى رئة صنعاء المعطلة، لكن سفير واشنطن قفز، بحماسة، ليصب غضبه على الشباب والمسيرة التي زعم أنها مسلحة، بينما استغرقت أسبوعا كاملا للتعليق على الاقتحام المسلح للعاصمة وإدارة انقلاب على الرئيس الشرعي في 21 سبتمبر!.
ما هو أسوأ أن الأمم المتحدة التي تشبه حديقة خلفية للسياسات الأمريكية، كانت ترعى بواسطة أحد بهلواناتها، جمال بن عمر، الانقلاب ويتم توقيع “السلم والشراكة” في مفارقة تحتاج الأمم المتحدة وقتا طويلا لتفسيرها!.
استخدمت أمريكا كل وسائلها، لإبقاء صالح كفاعل في المشهد، بالتنسيق مع حلفائها الخليجيين، وقد مارست ضغوطا شديدة للإسراع في “تحصينه” بقانون، ومطلع 2012 قال مساعد أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب “إن من حق صالح ممارسة السياسة والترشح لانتخابات”!.
بالطبع، ما كان للمسألة أن تمر لولا حفنة من السياسيين الرديئين والفاسدين الذين منحوا أنفسهم حق التصرف بمصير بلد، ولاذوا لاحقا بالصمت وعادوا إلى جحورهم غير مكترثين!.
عوض الحديث عن انقلاب مسلح ورفض التعامل مع ما يترتب عنه، راح العالم بما في ذلك أمريكا ضمن أفكار تجريبية جديدة على مسرح السياسة الدولية، يلوكون قصة استقالة رئيس، واجه حملة مسلحة وعسكرية للإطاحة به، وصلت إلى منزله بتواطؤ قيادات عسكرية لا تملك قدرا من الشرف العسكري أو ذرة من وطنية.
الواضح أن أمريكا ذهبت أبعد من تأمين وضع مميز لـ“صالح”. فمع بقاء الجيش الذي بني على أسس عشائرية وغير وطنية، على طبيعته، كإقطاعيات لمراكز نفوذ وولاءات عشائرية، لم يعد صالح من بوابة الانتخابات، بل أمنت سيطرة شبه كاملة لحليفها السابق، بواسطة انقلاب عسكري كامل الأركان، متحالف مع جماعة أصبحت غارقة في محاكاة أمريكا وتقمص دور “الحليف المخلص” في مكافحة الإرهاب.
لعل ذلك ما يروق البيت الأبيض. إنهم منهمكون في تشجيع استنساخ التجربة العراقية بحذافيرها، وإدخال البلاد حقبة الحروب الطائفية. وعليكم تصور تبعاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى