عدن .. مدينة قبلية

> عياش علي محمد

>
عياش علي محمد
عياش علي محمد
في ظرف عقدين من الزمن تحولت عدن من مدينة تجارية تتسابق على فضائها أكبر الشركات العالمية، لتحظى بحيز وجيز تضع عليه ماركتها التجارية، تحولت هذه المدينة إلى مكونات قبلية متمنطقة بأسلحة الدمار الشامل، كون القبيلي فيها بحوزته سلاح المسدس والكلاشنكوف، وخاصرته فيها الجنبية ذات الباع الطويل وكأنها سيف لا جنبية.. والبيوت في عدن تحولت إلى مرتفعات قبلية يسكنها نوع واحد من الأجناس، وأخرى يسكنها أساطين المال، ومكونات سكنية يملكها عتاولة المناصب السياسية والتجارية والمالية ومعها النخبة التي حكمت بالفساد ونالت شهادات تقديرية على جهودها في تطويره خلال عقدين من الزمن.
بينما كانت مدينة عدن عبارة عن أحياء سكنية عامة يسكنها مختلف الأجناس من المهن والمناصب السياسية والتجار، فتجد فيها الطبيب والمحامي والتاجر والرجل الفقير وبمختلف الأنواع العمرية في مكان واحد وفي تنوع سكاني فريد.
إننا نسير في عدن، ونشاهد الأبراج السكنية وكأننا سياح في بلدنا، وظلت بيوت عدن (قاعية) تناسب موجات الحر في الصيف، ووفدت إلى عدن كائنات حية رفعت مقاييس البناء ليتفرج أصحاب الأبراج العالية على ساكني عدن في أكواخهم التي ازدحمت بأبنائها ازدحام علبة الصاردين.
وتحولت عدن إلى شوارع تشبه شوارع الباطنية في مصر، في كل شارع مصفوفة من الأعمال التي تضج الساكنين فيه بأصوات اسطوانات الغاز المنزلي والورش والباعة المتجولين، بينما كانت عدن لها أسواق منظمة للبيع، وشوارعها نظيفة من قراطيس (العلاقي).
ودخلت عدن تاريخها القبلي بعد أن استوطن فيها كل قادم من جهة معينة ليستقر فيها ثم تتبعه هجرة داخلية من نفس النوع، لهذا نجد اليوم في عدن أصنافا عديدة من العناوين القبلية يعرف القادم إليها أنه في حماية قبيلته التي مهدت له السبل واللجوء إليها وقت الحاجة.
ونحن اليوم نشكر مدينة عدن التي قدمت للعقلية القبلية معروفاً لا يمكن أن تتناساها، فقد أحدثت عدن تغييراً بيولوجيا في الإنسان اليمني، وعملت نقلة نوعية في عقلية القبيلي الذي استوطن عدن، ولأول مرة في التاريخ يحصل العقل القبلي على فرصته في عدن، والترقي فيها ليصبح مدير أكبر المؤسسات التجارية والبنكية في عدن، حتى المواقع التي كانت تفتقر إليها القرى القبلية مثل عدم وجود (موانئ) بحرية عندها ولا توجد قوانين عمل فيها، وخلوها من أية وظيفة تجارية، ومع ذلك استطاع العقل القبلي أن يدير ميناء عدن، وكأن عصا سحرية قد كشفت مواهب وجودها في ذلك العقل.
تصوروا كل الوظائف التي كانت حكراً على أبناء عدن أصبحت بأيدي عقول أخرى تديرها، فهل شاخت العقلية العدنية حتى تعجز عن إدارة وظيفة عدن التجارية والمالية لتأتي الأيادي الأخرى وتنافسها، لكن الحقيقة تقال إن العقل القبلي الذي لم يعرف يوما تاريخ عدن المدني ووظيفة عدن التجارية لم يفلح حتى الآن في أداء دوره بنجاح، بل أرجع دور عدن التجاري ووظيفتها المالية إلى ما قبل دخول الكابتن هينز إلى مدينة عدن عام 1839م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى