فارقتهم روحا لا جسدا

> م. رفقي قاسم

>
م. رفقي قاسم
م. رفقي قاسم
كنت في جلسة مع بعض الحاضرين نتشاور بالأمور كالمعتاد، وفي بعض الأحايين قلت: لقد قرأت وقلت ما قرأت، فجأة جاءني صوتٌ اعتدته كاعتياد قول سنفور غضبان لا لا مرارا، أنت دائما تردد هذه الأقوال، قلت قرأت، قال هذا قولك أنت ليس ما قرأت، واختلطت الأقوال إلى أن وصلت إلى الأصول، وهنا كعادتي أفارق الحضور روحا لا جسدا، كما يجوز للمأموم أن يفارق الإمام لو رأى به خللا.
وحلَّقت مع أفكاري وأقوال الله ورسوله والتابعين وتابعيهم وابن خلدون وآخرين إلى أن وصلت إلى تسجيل الهاتف الأخير مبتدئا بقول العالي في علاه عن الأعراب، ولكن ليس بقول معظم المفسرين بالمعنى الجغرافي، ولكن بقول الآخرين بالبُعد السلوكي الثقافي، وكم من أعرابي ساكن بأعلى أبراج فرعون، ولديه من أموال ما يفوق ما كان لدى قارون من أموال وكنوزٍ، وليس بلبه القليل من حكمة لقمان، والأقل من علم الخضر - رحمة الله عليهما - وإن تمنطق بأعلى شهادات الكرتون المذهبة والمعلقة بالحوائط والرفوف، مثنيا بقول رسولنا الكريم “الدين المعاملة”، والدين يا سادة ليس صلاة وصياما وزكاة، ولكن معاملة واستقامة، وكما قال سيد الأنام: “قل آمنت بالله ثم استقم”، فهل فعلا معظمنا كذلك؟!.
وبعدها طاف عقلي بما قرأت من أقوال التابعين وتابعيهم عن الفقه المقارن وفقه الحضر والبادية، وبعض النتف ما قرأته مما سطر ابن خلدون بمقدمته عن هذه الأمور وغيرها، وبعد أن حلَّقت وطفت مع ما ذكرت آنفا استشفيت بأن كل ما نقرأه ليس له لزوم إذا لم يطبق بواقع الأمر.
والثقافة ليست قراءة فقط، وإنما استنباط الحكم والفكر من بين السطور، وإلا ما فائدة القراءة إذا كانت ترديدا كما تردد الببغاوات الأذكياء والدرفيل المشهود له بالذكاء!! هذا بخصوص المثقفين، أما المتعلمون فمعظم ما قرأوه من علم كي ينالوا الشهادات الكرتونية ومن بعدها يعينون بالوساطات أو بغير، والحصول على الرواتب والعلاوات والوجاهات، فإذا كانت أحوال من ذكرنا من مثقفين ومتعلمين كما ذكرنا، فما بالك بأنصاف المثقفين والمتعلمين أو بأقلهم من الأوزان والأحجام؟ فهنا حينئذ تكون المصيبة أدهى وأمر.
ولذا أقول للقراء أن يتعلموا كما تعلمنا، والتعود على مفارقة الحضور روحيا كي ترتاحوا نفسيا وذهنيا، وإن كان التعود على هذه الأمور من الصعب بمكان، ولكن مع الصبر تنالون ما تصبون إليه وترغبون، وكفى النفس شر المعاناة والجهل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى