ثورة اليمن بأبنائها

> بروفيسور أيوب الحمادي

>
بروفيسور أيوب الحمادي
بروفيسور أيوب الحمادي
قبل أسبوعين تقريبا دار نقاش حول حالنا وحال المواطن الخليجي وحياة النعيم التي هم فيها بسبب استقرار الأنظمة السياسية هناك، رجعت بذاكرتي إلى أيام الثورة وكنت وقتها في السعودية والإمارات أرى نفسي وأحلامي بحجم الدنيا، ودار نقاش مثل ذلك كنت أكثر قوة في حجتي مع إخواني في السعودية أو الإمارات عمَّا قبل أسبوعين، وكنت أكثر فخراً أن شعبنا انتفض وخرج إلى الشوارع يطالب بأن يكون قدره بيده.
لم أشاهد أعظم وأنبل من تلك الصور، وهذا حال العالم عندما نظر إلى ثورة أهل اليمن فكبرنا كشعب في فكرنا وأحلامنا وصبرنا وسلوكنا، كنا وقتها نؤمن بما نقول ونؤمن أن نضحي بكل شيء حزناه من أجل فكرة أني مواطن يمني بلا حدود في واقعي و في أحلامي وحتى في جنوني.
كنا نؤمن أن اليمن ومفاصلها خيرها وشرها ليست وطنا وإنما فضاء يجب أن يتسع للجميع بالعدل والقسطاس من دون انتقاء، وأن الدخول إلى هذه الألفية وترك ثقافة العصور الوسطى والفيد لن يكون سوى عبر سفينة الوطن الكبير بفريقه من الكفاءات التي تعرف الشرق والغرب تعرف ركائز الماضي وأدوات المستقبل، كفاءات هي ما بقي لنا وهي خير ما يمكن أن تراهن عليها اليمن.
كان الجميع في كل اليمن في الداخل والخارج يؤمن ويقدم ما يستطيع من أجل ذلك من البنت الصغيرة في ساحة التغيير إلى الفلاّحة البسيطة في الحجرية إلى صعدة والمهرة، حصلت النكسة أن الثورة لم تفرز أفضلنا فيها لقيادة المرحلة القادمة وإنما أفرزت أكثرنا صراخا وحضورا فأضعنا الثورة والبلد وتحول وضعنا إلى كابوس وجب أن نخرج منه بهدوء ومن دون تشنج من أجل بقاء هذه الأسرة، والتي هي اليمن وليس مهما كلف الثمن.
فبقاء هذه الأسرة يقتضي اليوم أن يتنازل العقلاء ويتحاور الإخوة وأن نسمع للعقل من غير فرد عضلات على بعضنا البعض، فليس قليل عقل وليس ضعيفا من يخاف العواقب، والخراب، والقتل، وقطع الطريق على كل من يحاول جر الوطن للفتنة وما يخطط له أعداء اليمن، فالفقر وقلة الموارد والجهل والفساد المالي والإداري والسياسي والزيادة السكانية والصراعات العبثية صور تراكمية لمشكلات اليمن، من يتحمل مسئولية عدم التوصل لمعالجة لها نحن اليمنيين وليس غيرنا.
أكثر من 3 سنوات ونحن في مرحلة انتقالية وتبريرات لم تنتهِ نعلم أسبابها ومسبباتها، أكثر من 3 سنوات ونحن لم نبنِ مؤسسة يمكن أن نعول عليها ولم ننشئ مصنعا أو معملا يشغل أبناءنا ولم نبنِ مرفقا نفتخر به بعد الثورة ولم نخرج كتابا نافعا نقرأ فيه في منعطفات الحياة الملتوية في اليمن، نلهث ونلهث وراء الخارج ونستجديهم بالأزمات حتى أننا نقتل في إخواننا ونصرخ حينها أن الجنة لنا، ونمزق نسيجنا وأرضنا بسلوكياتنا وطيشنا من دون خجل.
ننهب في بلدنا ونرتكب حماقات ضد القليل الموجود لدينا وننسى أن الجميع يخسر كل يوم عقولا و أموالا واستثمارات وخيرات تراب الوطن، صرنا حديث كل مجلس وقهوة، وفي كل غرفة، وصار غيرنا يكتب لنا كيف ندير أمورنا ونبني وطننا، ولم نع أنه لا توجد أمة عظيمة صنعتها الأزمات أو نصائح الخارج وعطايا ومنح الآخرين، أو ضيق الأفق أو محدودية التفكير، أو الانتظار للقدر، أو كثرة الحوارات والنقاشات.
أكثر من 40 جمعة صليناها في شارع الستين بحشودها ولم تستطع أن تزرع فينا الطريق الصحيح للمسلكية التنموية للبلد، ولم تزرع فينا روح العمل والتضحية “كرمال عيون الوطن”، انفصلت خطاباتنا عن الواقع وأحببنا أنفسنا أكثر من الوطن، وراهنَّا على الماضي وليس المستقبل، ورفضنا وبشدة أي تجديد في الفكر أو العمل وأعطينا لأنفسنا الحق في توزيع صكوك المواطنة، وانتقصنا بذلك إخواننا المغتربين من دون خجل، ليس ذلك فحسب، وإنما أردناهم أن يكونوا مواطنين درجة ثانية، متناسين أن الأمم لا تبنى إلا بتكاتف أبنائها في الداخل والخارج، وما الهند والصين وتركيا بقوميتها ولغتها وخصوصيتها وأديانها وقيمها وعاداتها وتقاليدها المختلفة عنكم ببعيد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى