هشام باشراحيل.. الرحيل إلى القلوب

> جمال محمد الجعبي

> بوفاته يسجل هشام باشراحيل موقفا آخرًا يضيف فيه رصيدًا من الحزن والألم في قلوبنا إلى جانب ذلك الرصيد الهائل من الإعجاب والاعتزاز والمحبة التي يكنها له أبناء الجنوب، واليمن عمومًا.
هشام باشراحيل مات واقفًا، ولم ينحنِ رغم قسوة الضربات، ورغم ذلك الكم الكبير من الاستهداف الذي تجاوز الأخلاق والقيم، ناهيك عن الأعراف والقوانين، ولكنَّ هشامًا ومعه زوجته وأولاده وأخاه تمام كانوا أقوى من أن يتم إرهابهم أو إخافتهم، وكان (أبوباشا) هو ربان السفينة التي رأى فيها أبناء الجنوب هاديًا ومنبرًا يبثون إليه حزنهم وما طالهم من ظلم، وصار(أبوباشا) خصمًا وعدوًا ومطلوب الرأس من النظام وأعوانه، ولم تترك وسيلة قانونية إلا وتم استخدامها، وصار ناشر «الأيام» وأخوه ضيوفًا دائمين على المحاكم في عدن، ولكنه لم يكن يذهب لوحده بل إلى جانبه كوكبة من رجال القانون في عدن يتقدمهم المحامي الكبير محمد محمود ناصر، ووراؤهم صفوف من المتضامنين الباحثين عن العدل الذي ينتصر لحرية الرأي والتعبير في رمزيها العدنيين البارزين هشام وتمام «الأيام».
ولكن سلطة صنعاء الغاشمة وأذنابها في عدن لم يكتفوا بالوسائل القانونية وراحوا يصبون جام حقدهم وغضبهم على الجنوب وأبنائه من خلال الرمز الأيامي باشراحيل، وتم التقطع لموزعي الصحيفة وإحراق سيارات التوزيع، واقتحام المطبعة واقتحام المنزل، والسجن والتنكيل ومحاولات الاغتيال، وحتى البيت الذي تمتلكه أسرة باشراحيل في صنعاء جرى الاعتداء عليه واقتحامه، وتم الحكم بالإعدام على حارس المنزل الذي دافع عن المنزل من الاعتداء المسلح.
وقد لا يعرف الكثير من الناس إنه لا يوجد قرار إداري أو قضائي بإيقاف صحيفة «الأيام» ولكن الأمر بالإيقاف يشبه أعمال العصابات ومحترفي الإجرام من خلال أعمال بلطجية وتهديدات شفوية جرى تنفيذ بعضها فعلًا على هشام باشراحيل وصحيفته.
رغم آلام المرض لكن (أبوباشا) تسامى على آلامه وبقي صامدًا ولم يرضخ لأي تهديدات، وكان يدرك أنه في هذه المحنة التي تدار من أعلى مستوى في السلطة -السابقة- لا يمثل نفسه ولا أسرته فقط، ولكنه يمثل أبناء الجنوب، فقد تحول إلى رمز جنوبي، بل الرمز الجنوبي الأول.
لم أكن أتخيل نفسي أنزل إلى عدن لقضاء إجازة مع والداي وأهلي في الأعياد، أو للعمل دون المرور على مقيل ومنتدى «الأيام» أو للسلام على (أبوباشا)، ذلك إنه من الصعب أن أزور عدن دون المرور على أحد رموز هذه المدينة الرائعة. أما في صنعاء فقد كان مقيل «الأيام» مقصدًا من مقاصدي كلما كان (أبوباشا) في صنعاء.
أما محاولات النظام السابق من اتهام هشام باشراحيل بالتعصب للجنوب على حساب مهنيته الصحفية ومع أن هذا الاتهام بالتعصب للجنوب شرف لم يكن يستحي منه باشراحيل ولا يحاول إنكاره خاصة وأن مظلمة الجنوب أكبر من يتم إنكارها، ولكن ومن خلال مواقف حقوقية كنت طرفًا فيها أستطيع الجزم بأن هشام باشراحيل لم يكن يتعامل بعصبية وكانت المهنية الراقية والمحترفة هي صفته وطابع صحيفته «الأيام».
فمن المواقف التي كنت طرفًا فيها قضية الاغتصاب التي اتهم بها أحد الأشخاص بها في محافظة عمران قبل سنوات، حيث قامت «الأيام» بالتغطية والتعامل مع القضية أولًا بأول، خلافًا لصحف تصدر في صنعاء، كما كانت «الأيام» أول من نشر خبرًا عن اختفاء الكاتب الصحفي العنيد عبد الرحيم محسن، بالإضافة إلى تغطيتها لكل الأحداث في مختلف محافظات اليمن، سواء بسواء مع أخبار الجنوب.
وعلى الصعيد الشخصي أيضًا فقد كان (أبوباشا) هو الذي دفع نحوي بقضية ذات طابع صحفي، حيث كنت حينها محامي تحت التدريب عند الأستاذ محمد ناجي علاو، وطلب منه (أبوباشا) الدفاع عن ثلاثة صحفيين يعملون في التوجيه المعنوي تعرضوا لمعاملة مهينة وقاسية من مدير الدائرة، وجرى حبسهم وإحالتهم إلى القضاء العسكري، وكان أحد هؤلاء الصحفيين هو سكرتير تحرير «الأيام» الأخ عيدروس باحشوان، ولمعرفته باهتمامي بهذا النوع من القضايا فقد أحال الأستاذ علاو الملف لي للترافع فيه، وقد كان الحكم بالبراءة للصحفيين من الاتهامات الملفقة لهم، وللتاريخ فقد كان الحكم بالبراءة ولكنه لم يعوض أو يعالج مشكلة الصحفيين مع دائرة التوجيه المعنوي، وعندما سألت القاضي خارج الجلسة عن السبب أجاب “ إنه الشاطر يا محامي إنه الشاطر”.
إن اهتمام هشام باشراحيل بنشر القضايا كان محترفًا ومهنيًا، ولكن الظلم على الجنوبيين كان كبيرًا، وكان قدر «الأيام» وناشريها أن يكشفوا عن هذا الظلم.
لقد كانت «الأيام» منبرًا كتبت فيه وكتب الكثيرون، ولم يكن هذا المنبر، محتكرًا أو متعصبًا، ولكنه كان منبر الرأي الأول في الصحافة اليمنية.
إن معاناة (أبوباشا) - رحمه الله - كانت كبيرة، والظلم الذي وقع عليه كبير، وقد حاول الأستاذ محمد سالم باسندوة عندما تولى رئاسة الحكومة أن يخفف عنه بعض ما وقع عليه من ظلم، وبذل جهدًا مشكورًا في ذلك، وبقي على اتصال به حتى آخر لحظات حياته، فجزاه الله كل الخير وجعلها في ميزان حسناته.
رحم الله الفقيد الكبير هشام باشراحيل وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى