في الذكرى الخامسة لرحيل فقيد الصحافة الحرة هشام باشراحيل..الهيام والموت حبًا في الوطن

> عصام خليدي

> متعدد وافر الخصال والشمائل المحتشد في رونق شخصك الواحد المتجلي في اسمك هشام باشراحيل، رجل من سلالة الرعيل الصحفي (الذهبي) بالمعنى التاريخي والقيمي للتوصيف، مخلص لقضايا ومعاناة بسطاء الناس، يدافع عنهم ويحق (حقوقهم)، حتى تخاله إنما خُلق ليشقى وينعم بالنضال في سبيل (نصرة المظلومين).
لقد كُتب عن الفقيد الكبير بسجاياه ووطنيته وطيبته وتضحياته وتواضعه وإيثاره.. هشام باشراحيل كما كُتب عن سائر أمثاله من الناس الرموز النخبة / الهيام والموت حباً في الوطن، وبالتالي ( تبوأ مقامات المعاناة النبيلة والسامية).
يتمتع الفقيد بحساسية مهنية وإنسانية شديدة الرهافة ومن آياتها تفتح وعيه الصحفي الشريف الحر والنزيه، كان ـ رحمه الله ـ يتمتع (بكاريزما) خاصة جدًا، تتقدُ عيناه ببريق وذكاء وفير، ولديه مزيج من عناصر قوة الشخصية القادرة على التأثير والإقناع، شجاعة، جسارة، حكمة، وإقدام على اتخاذ المواقف الصعبة في الأوقات الحرجة، نباهة وفطنة وحسن تصرف، كان (للكاريزما الباشراحيلية) إن جاز التعبير الأثر البالغ في مكوناته (الجينية) فتبلور كل ذلك بصورة جليلة في تعزيز وتقوية دور ومكانة صحيفة “الأيام”، وذاع صيتها مدويًا في محراب بلاط صاحبة الجلالة.
كان فقيدنا منازلًا ضاريًا عنودًا لأكثر التحديات شراسة وأبلغ التعقيدات ضراوة.. لم يجبن أو يخشَ في الله لومة لائم، رجلا خُلق وجُبل على إمتطاء صهوة الأنواء والخطوب الجسام والمواقف الصعبة، بل ويمكنني القول إنه استطاع أن يجمع بدواخله (رجالاً).
عرفته منذ فترة تجاوزت (25عامًا) قدمني إليه المناضل والأديب القامة السياسية السامقة/ عمر الجاوي وتوطدت علاقتي به حتى وفاه الأجل.. عرفته منتصرًا ومرجعًا وأبًا، رؤوفًا، عطوفًا، حنونًا وربانًا محنكًا قاد سفينة صحيفة «الأيام» بمعية شقيقه الأعز (تمام) في أصعب وأحلك، وأدق الظروف والمراحل والمنعطفات السياسية التي مرت بها البلد منذ إعادة إصدار (الصحيفة الباشراحيلية)، صوت الحقيقة والمصداقية والشفافية من أجل (نصرة) حقوق وهموم وقضايا (الإنسان المغيبة المهدرة).
نعم.. لقد دفع الثمن باهظًا غاليًا ومكلفًا من صحته وحياته التي وهبها عن طيب خاطر وقناعة قربانًا وفداءً لترسيخ مداميك حرية وحقوق وكرامة الإنسان، جسدها بشموخ وكبرياء ورفعة في أنصع وأبهى تجلياتها في (التشبث) بالقيم والمبادئ والأخلاقيات تلك المعايير المهنية التي تخللت مشواره الصحفي، الأسلحة الفتاكة الضاربة التي أزعجت وأقضت مضاجع الجبناء (النظام العسكري القبلي الهمجي العفاشي) والخونة الرعاديد، حلفاء الشيطان، تجار الحروب، مصاصي دماء الشعب المنكوب المسحوق والمغلوب على أمره، المقيم تحت الوصاية الجبرية والقسرية، المكبل بعقوبات الإبادة الجماعية، المستغيث، الصارخ، المصطلي، المشوي، والمحروق بنيران جحيم انقطاع التيار الكهربائي (القاتل والمميت) بسبب ارتفاع وشدة درجة حرارة لهيب الصيف القائظ في (عدن) وعدم توفير المياه وأبسط وسائل ومتطلبات سبل العيش بما يكفل تلبية الاحتياجات الآدمية الضرورية و الهامة لديمومة واستمرارية الحياة.. تصوروا في (عصر العولمة والفضاء الكوني المفتوح والإنترنت) تتساقط قوافل (شهداء الكهرباء) من المصابين بأمراض ضغط الدم والسكري، والفشل الكلوي وكبار السن في (عدن) مدينة العلم والمعرفة الريادة والتنوير والفن (ويُعاقب) الأهالي والسكان ويحرمون من (راحة النوم والسكينة والأمان والطمأنينة والاستقرار)، ولاحياة لمن تنادي..؟!!
ستظل مواقف ومبادئ ومهنية وحرفية ربان الصحافة العدنية والعربية / هشام باشراحيل وشقيقه وأبنائه الكرام (النموذج – الاستثناء).. الذين تصدوا وقاوموا النظام السياسي القبلي العسكري الهمجي القمعي المتخلف (بأحرف من ضياء ونور)، وفي ذات اللحظة كانت تضحياتهم ونضالاتهم المؤشر الواضح والصريح الراصد والموثق في ضمير وذاكرة الوطن بالكلمة والصوت والصورة (وانتصار الحق) والخزي والعار لدعاة الفتنة والدمار والحروب والاقتتال، الذين لفظتهم صفحات التاريخ، أصحاب الدرك الأسفل المتغطرسين المتجبرين من أراقوا دماء الشهداء وأزهقوا النفوس والأرواح الطاهرة والبريئة، العابثين الناهبين المغتصبين لثرواث وخيرات ومقدرات الجنوب الثائر الصامد والأبي.
كان صوت صحيفة «الأيام» مزمجرًا هادرًا مهيبًا ومجلجلًا إلى عنان السماء، برغم المكايدات والمؤامرات والدسائس التي أحيكت ضدها للنيل من رجالها وشيوخها وأبنائها الأبطال الذين لم يرضخوا و يستكينوا ويستسلموا للباطل والقهر والإذلال والعبودية، فرسانًا أشهروا أقلامهم في وجوه الطغات المجرمين المستبدين الفاسدين.
انقضت خمسة أعوام منذ أن فارقنا فقيد الوطن المناضل الجسور/ هشام باشراحيل في تاريخ 16 يونيو 2012 م - ( افتقدناه) وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر..
ما أصعب صباحاتنا وأمسياتنا في ظل احتياجنا إليه بعد رحيله مؤازرًا ومعينًا مساندًا ومنتصرًا لما نتجرع من عذابات ويلات ومرارة وقسوة المعاناة اليومية الطاحنة وفداحة الكورارث والمصائب الأخلاقية والسلوكية وتردي الأحوال الاقتصادية والمعيشية وانعدام الشفافية والمصداقية، برغم تعدد المنابر الإعلامية وتلاوين الخطابات والشعارات التي لاتصب لخدمة ومصلحة قضايا الجماهير الغفيرة، تصوروا سكان وأهالي مدينة عدن يسبحون في ظلام قاتم دامس منذ سنوات ولم تستطع الحكومات المتعاقبة القيام بما يستحق الذكر .. ؟!
إننا نحذر ونتوجه برسالة (استغاثة) إلى كل القائمين على أحوال وشؤون (مدينة عدن) وما يمارس ضد ناسها وأهلها من تعذيب وتنكيل أدى إلى حالة تذمر وغضب و إحباط عارم أوصل الشارع العدني إلى حالة (غليان) سيؤدي حتمًا إلى (ثورة الكهرباء).. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.
الغائب الحاضر هشام باشراحيل عن ماذا أحدثك من أخبار بعد رحيلك وتضحياتك وبطولاتك بما لا يسر خاطرك؟ هل أبلغك أننا رغم المناشدات، والاستجداءات، والوعود، وحتى كتابة هذه السطور نطالب بالإفراج الفوري عن رفيق دربك الرجل الشهم والوفي البطل والحارس الأمين (أحمد عمر العبادي المرقشي) الذي لم يزل يقبع في ظلمات غياهب سجون الاحتلال والطغاة يتطلع إلى لحظة الانعتاق والحرية من زنزانة السلطات المتغطرسة المتجبرة والأنظمة السياسية السابقة واللاحقة؟
أعلم يقينًا أن ما حدث ويحدث لن يرضيك، وأنت الواهب حياته قربانًا وفداءً لنصرة قدسية وسمو عدالة حقوق المظلمومين والبسطاء.
نمْ قرير العين فقيد الوطن المبجل والجليل (أبا باشا) فمن على شاكلتك (صناع الحياة) يسكنون ويقيمون بين تلابيب القلوب والأفئدة ويستوطنون في ذاكرة وضمائر شعوبهم خالدين على مر الأزمنة والعصور.
ولا يسعني في نهاية المطاف إلا التذكير بما قاله المناضل والأديب والتربوي والشاعر والفنان والرسام لطفي جعفر أمان في نماذج مختارة من قصيدته الشهيرة : (لي الموت..ولكم الخلود )
يا إخوتي .. يا كل ما أتركه بعد الرحيل/ هذي حروفي .. لن تموت .. لن تموت مستحيل .! / لأنها أنتم .. تواكب الزمان .. لم تزل / توزع الغلال للأجيال جيل بعد جيل / وتفرش الطريق بالأمل / وتزرع النجوم في ليل السراة التائهين / وتصنع السطور جسرًا للحيارى المتعبين/ لأن أيامي التي حرثتها .. / وماحصدت في مواسم السنين/ لكم .. لكم يا إخوتي .. / على مناكب الشموس صاعدين .! / يا شمعتي اليتيمة التي ترفُ في الضلوع / في رعشة من انطفاء / مازال حرفي نابضًا .. يفيض بالضياء / ويشعل المرافئ القريبة الرجاء / لإخوتي في كبرياء / فاحتضري .. / وشيعي بقيتي لإلى الفناء / فإن أيامي على أرضي لم تذهب هباء / وإن إخواني لهم في أرضهم فرض البقاء .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى