«الأيام» في مركز الأطراف الصناعية بتعز.. مدير المركز:استقبلنا منذ بداية الحرب 330 حالة بتر للأطراف العلوية والسفلي

> استطلاع / صلاح الجندي

> في تعز لا تفرق آلة الموت بين كونك مسلحا أو مدنيا أو حتى طفل لا يملك سوى لعبته فقط.. وتخلف تلك الآلة المستمرة منذ عامين طابورا كبيرا من المعاقيين يصطفون هنا أمام مركز الآطراف الصناعية، ليبقوا شخوصا شاهدين على مسيرة إجرامية مرت من هنا.
«الأيام» زارت المركز ونقلت قصصا موجعة تحكي حال العشرات ممن خلفتهم حرب صالح والحوثي في تعز معاقين دون معين.
*يونس وقذيفة الموت
يونس ذو الحادية عشر عاما، خاله كان قد حل محل والده لكي ينسيه مرارة اليتم، وهما يقطنان حي المحافظة شرق مدينة تعز، خرج مع خاله لجلب المياه التي أصبحت تكاد معدومة في ظل الحصار، ومثل بقية أقرنه الأطفال الذين حملوا على عاتقهم الصغيرة مساعدة أهاليهم للتخفيف من معاناة الحرب والحصار.
بتفاؤله البريء يجري ليسابق البقية ولم يعلم ما يختبئ له في نهاية المطاف، يحمل وعاء الماء بيده ويقف بجانب خاله، وبقية الأطفال أمام خزان المياه، ولم يكن يعلم أن القاتل في تلك اللحظة كان يحشو حقده داخل قذيفة، بعد أن جعل الماء محرما لسكان المدينة، كالدواء والغذاء، وإنك أمامه مستهدف إن حاولت تجاوز قانون ظلمه الذي سنه بخبث وشر عميقين.
باغتهم بعد أن تجمعوا بقذيفته الغادرة كما يفعل دائما، فيموت الخال على إثرها ويبقى يونس طريح الأرض يفترش أوجاعه، والفجيعة أنه لم يكن حينها مستوعبا لما حدث، وأطفال آخرين بجانبه مصابين.. وقد أصابت الشظايا أنحاء متفرقة من جسده فأخذت معها قدميه ويده اليسرى.
وقف الأطباء في غرفة العمليات عاجزين أمام إنقاذ يده، فبترت كما بترت قدميه وعين مصابة بالشظايا تهدده بالعمى.
تقول أم يونس في حديثها لـ«الأيام»: "ظل يونس في غرفة العناية المركزة لأيام عدة تحت هول الفاجعة يهمس لمن يقترب منه بأن يمد له أقدامه ولم يكن يعلم أن المتربص بالمدينة قد قضى عليه بالحكم بأن يعيش دون أقدام".
 الطفل يونس
الطفل يونس

لا يهدأ يونس من بكائه ما لم يحقن بالمهدئات حتى ينام، ولم يكن له من ذنب إلا أنه وجد في زمن حرب ظالمة يقودها مجموعة لم تستقر الرحمة قلوبهم ولم يعرفوا عن قوانين الحرب شيئا، مصابين بداء الحقد في قلوبهم تجاه هذه المدينة المسالمة بأهلها، فلم يميز الانقلابيون بين كبير وصغير، ورجل مدني ومقاوم، شيخ أو رضيع أو امرأة، ويونس الذي يمثل العشرات ـ إن لم يكن المئات ـ من حالات الإصابة لدى الأطفال واحد من المأسي الإنسانية داخل مدينة تعز التي لم يلتفت لها أحد.
ويحلم يونس كما هو حال بقية الأطفال في مدينة تعز وأريافها بانبثاق فجر السلام في هذه المدينة كي يعيشون بسلام وأمان كما هو حال أطفال العالم من حولهم.
*معاناة في الحصول على طرف صناعي
يقول عامر المنش لصحيفة «الأيام»: "إن والدته التي أصيبت في حرب الانقلابيين على تعز وبترت إحدى قدميها لم تتمكن من الحصول على طرف صناعي يعينها على السير".
ويضيف عامر: "حاولنا تقديم الطلب إلى أكثر من جهة، وخاصة في المملكة للحصول على رجل حركي حديث، خاصة وأن قدم أمي بترت من أعلى الركبة، لكن للأسف لم نجد، فلجأنا مؤخرا إلى مركز الأطراف الصناعية بمستشفى الثورة بتعز"، موضحا أن "والدته أخذت مجموعة تدريبات لرجلها التي أصبح العظم فيها هشّا جدا لا يتحمل الضغط وفق ما وصف الطبيب المختص لعامر".

ويتابع: "إنه الآن يتابع القائمين على المركز منذ شهرين، للحصول على طرف صناعي مع عدد كبير من فاقدي أطرافهم، خاصة ضحايا الألغام التي زرعتها مليشيا صالح والحوثي بكثافة في محافظة تعز".
*مركز الأطراف وغياب الشرعية
مركز الأطراف والتأهيل الصناعيه والتأهيل الطبيعي في تعز مركز مستقل ماليا وإداريا، ويتبع مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة.
يقول مدير المركز الدكتور منصور الوازعي في تصريح خاص لـ«الأيام»: "إن المركز مهمل ومنسي من الجميع، وفي مقدمتهم الحكومة الشرعية، ويفتقر للدعم الكافي، نظرا لازدياد الإصابات بسبب الحرب وزاد من تردي الأوضاع الصحية لضحايا الألغام والقذائف التي تطلقها الميليشيات الانقلابية على المدنيين في المدينة".
ويضيف الوازعي: "قبل الحرب كان المركز يقوم باستيعاب 3 محافظات هي: تعز والحديدة وإب، بالإضافة إلى أجزاء من محافظة الضالع، ما يزيد من حاجته للدعم الحكومي في ظل تغاضي الحكومة الشرعية عن دعم الجانب الصحي في مدينة تعز التي تعاني من كارثة صحية جراء الحرب، فمنذ بداية الحرب التي شنها الانقلابيون على محافظة تعز، واستخدامهم القذائف العشوائية والألغام ضد المدنيين زاد عدد المصابين بالإعاقة، نتيجة هذه الألغام والقذائف العشوائية التي تستهدف المدنيين بشكل متواصل، والتي تسببت بإصابات الأطراف للضحايا ما يستدعي إجراء عمليات بتر واستبدال بأطراف صناعية تساعد المريض على الحركة والمشي والتكيف مع الحياة من جديد".
ويوضح الوازعي: "انه منذ بداية الحرب استقبل المركز ما يقارب 330 حالة بتر سواء للطرف العلوي أو السفلي منها 13 حالة بتر للطرفين، و3 حالات بتر للرجلين مع يد، ومن قوام الحالات التي نفذها المركز هناك 15 طفلا تعرضوا لبتر الأطراف، نتيجة إصابتهم بالقذائف والألغام الأرضية التي يزرعها الانقلابيون".
*مبادرات مجتمعية
يزداد الوضع الخاص بالمركز سوءً في ظل الغياب التام للدعم الحكومي أو الرسمي، وهذا الأمر جعل العديد من المبادرات المجتمعية والشبابية والمدنية تبادر لتنظيم حملات خاصة لجمع التبرعات، بهدف ترميم المبنى الخاص بالمركز، والذي تم استهدافه سابقا بالقصف من قبل الميليشيات، وكذا البدء بتشغيل المركز وتقديم خدماته الصحية للمرضى الذين يزداد عددهم بسبب الحرب.
مركز الأطراف الصناعية بتعز
مركز الأطراف الصناعية بتعز

وقال المدير الوازعي: "إن المركز كان قد اعتمد خلال الفترات الماضية على الدعم المتقطع الذي تقدمه المنظمات والجمعيات الخيرية في تسيير عمل المركز وتقديم حوافز بسيطة للموظفين المستمرين في عملهم وعددهم 25 موظفا رغم كل التحديات من أصل 33 موظفا هم قوام موظفي المركز، في ظل تجاهل تام من قبل السلطة المحلية وحكومة الشرعية عن الالتفات لهذا المركز الصحي الهام".
وناشد مدير المركز الحكومة بـ "الاهتمام بالمركز، كونه يقدم مساعدة كبيرة للمرضى الذين تتعرض أطرافهم للبتر، ويعيد إليهم الأمل في إمكانية أن يعيشوا الحياة من جديد، ولابد من إيلاء المركز العناية الكاملة، خاصة وأن معظم من يتلقون العلاج في المركز هم من العسكريين والمدنيين الذين تعرضوا للإصابة بفعل ألغام وقذائف الانقلابيين".
ويتكون المركز من قسم الاطراف الصناعية وقسم آخر بإعادة التأهيل الطبيعي، بالإضافة لقسم الإحصاء والأرشيف، كما أن المركز بصدد إنشاء قسم التدريب والتأهيل النفسي وصالة رياضية وقسم النجارة المخصص لإنتاج الكراسي الخشبية للمعاقين.
*إعاقات بسبب الألغام
يوضح الدكتور منصور لـ«الأيام» بأن "معظم الجرحى الذين يتلقون العلاج في المركز هم من أفراد الجيش الوطني والمقاومة الذين يتعرضون للإصابة بالألغام الأرضية التي يزرعها الانقلابيون، فيضطر المركز إلى بتر قدم المصاب ومنحه قدما صناعية كي يمشي من جديد، حيث يعتمد المركز بشكل رئيسي على المواد خارجية المنشأ، وهي مواد تتكفل بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث أن الأطراف الصناعية تتكون من مواد خاصة غير متوفرة في السوق المحلية، كما أن المركز يحتاج أيضا إلى مواد محلية متوفرة في السوق، بالإضافة إلى ميزانية تشغيلية وحوافز للموظفين، حيث أن الاحتياج الشهري لتشغيل المركز يصل إلى 3 مليون ريال، حسب ما أفاد الوازعي.
وأشار الوازعي إلى الحالات التي يستقبلها المركز معضمها حالات بتر، سواء في الطرف العلوي أو السفلي وأحيانا بتر للطرفين، كما أن هناك حالات شلل يستقبلها المركز، بالإضافة إلى إصابات العمود الفقري والإصابات الطرفية وإصابات الدماغ، وهي إصابات تتسبب بها الألغام الأرضية والقذائف والضرب العشوائي على المدنيين، كما أن بإمكان المركز تقديم خدمة الأطراف الصناعية والتأهيل الطبيعي، لكن المركز يعاني حاليا من انعدام الدعم، حيث لا توجد جهة داعمة بشكل دائم ومستمر، وهذا يجعل قيادة المركز تعتمد على دعم المنظمات والمبادرات الشبابية، والمركز متوقف حاليا بسبب غياب الدعم ولازال يبحث عن داعم.
*تأثيرات نفسية للأمراض
يعاني نزلاء المركز من تأثيرات نفسية كبيرة جدا، جراء الإصابة، فالمريض الذي يتعرض للبتر يتأثر نفسيا نتيجة شعوره بعدم القدرة على مشاركة المجتمع أنشطته، وشعوره أنه مقعد باستمرار، وكذا شعوره بعدم القدرة على المشي إلا بمساعدة عكازين، ما يولد لديه الشعور بأنه عالة على المجتمع، وهذا ما يولد لديه صدمات نفسية قوية ومتتابعة حسب قول بعض النزلاء.
ونتيجة هذا الأمر يحتاج المريض الذي تعرض لبتر أحد الأطراف إلى رعاية نفسية عن طريق متخصصين نفسيين بحيث يتعرض للعلاج النفسي بالتزامن مع تلقيه الرعاية الطبية، غير أن المركز لايزال يفتقد للخبراء النفسيين إلى الآن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى