«الأيام» تدق ناقوس الخطر.. انتشار (الحبوب المخدرة) بين شرائح الشباب كارثة تهدد سلامة المجتمع بأسره

> قسم التحقيقات/ جهاد محسن

> تحكي إحدى المعلمات عن حكاية أم مكلومة، جاءت تشكوا من تصرفات ولدها الطالب في المستوى الأساسي، وقد أدمن على تعاطي (الحبوب المخدرة) بأنها ضبطت ولدها في أكثر من واقعة يقوم بسرقة مقتنيات المنزل، وينهب نقود أشقائه، وعندما استدعت المعلمة الطالب لإسداء له النصيحة، وواجبه تجاه أمه، واجهها بردة فعل عنيفة، وطلب منها عدم التدخل في مسائله الأسرية !؟.
وهي رواية عززتها إحدى الأخصائيات بحكاية أخرى، كانت لأم لاحظت ولدها المراهق، يقوم بتصرفات غريبة في أوقات يكون فيها على غير عادته، أثناء حديثه مع شقيقته بكلمات غير سوية، كما لو كان يخالها معشوقته، قبل أن تكشف الأم المسكينة بأن ولدها مدمن على تعاطي (الحبوب المخدرة).
حكايات كثيرة بتنا نسمعها كل يوم من واقع المجتمع، في ظل تزايد تعاطي الحبوب والأقراص المهدئة، التي أصبحت بمثابة شواهد إثبات لجرائم مجتمعية، ولقضايا أسرية مفجعة، لاسيما وأن وقائع الأحداث أثبتت أن المدمنين والمتعاطين لهذه الآفات المدمرة للعقل، هم أكثر المتسببين في ارتكاب الجريمة، والانخراط ضمن جماعات منظمة تمتهن جرائم السرقة والتقطع والابتزاز، والسطو المنظم.
يرى بعض المختصين والباحثين الاجتماعيين، إن ظاهرة انتشار الحبوب الممنوعة بين شباب المجتمع، بوصفها: واحدة من وسائل القتل البطيء التي تستهدف الشباب، بعد أن تعمل على تعطيل طاقاتهم البدنية، وتدمير صحتهم العقلية، للحيلولة دون تمكينهم من العمل والإبداع، وإبقائهم في حالة من الوهن والتبلد والعزلة عن الواقع والتفاعل مع المجريات الدائرة من حولهم.
مشيرين: إلى أن أكثر الشباب الذين وقعوا فريسة الإدمان هم من الذين يعانون مشكلات اجتماعية واقتصادية، وأصيبوا بالإحباط والتشاؤم حيال الواقع المعادي لطموحاتهم، ما يجعلهم يعيشون مرحلة عدوانية باقتراف جرائم خطيرة لم تكن مألوفة من سابق، في زيادة معدلات قضايا القتل والعنف والاغتصاب والسطو المنظم.
ويطالب المعنيين في شؤون المجتمع، بضرورة أن تمارس مختلف أجهزة الدولة مسؤولياتها بتكثيف وسائل عملية وتوعوية لمكافحة الظاهرة، وتوفير مراكز وعيادات مجانية لعلاج الفئات المدمنة، معتبرين: إن انتشار الحبوب الطبية الممنوعة بين شرائح شباب أضحت كارثة باتت تهدد النسيج المجتمعي بأسره.
*أكثر المدمنين من يعانوا الفاقة والبطالة
تكشف الأخصائية النفسية أشواق داؤد العفيف، إن معظم الذين يقبلون على تعاطي المخدرات والأقراص المهدئة هم من فئة الشباب المراهق الذين يعانون من العوز والبطالة والضغوطات المادية، ومن غير قادرين على مواجهة مشكلاتهم العائلية والعاطفية، وهناك شباب لجوء إلى تعاطيها كوسيلة لإفراغ مشاعر مكبوتة، وفرض جبروته عبر حماقات يمارسها بحق الآخرين.
وتضيف: إن من أبرز عوامل إدمان هذه الحبوب الممنوعة، تنحصر في إحساس الشاب بعدم الثقة والقيمة بنفسه، وغياب الوازع الديني، وانحسار الطموح والتفاؤل الذاتي.
*اختلاق المشكلات مع الآخرين
يوضح الباحث في شؤون المجتمع، وهيب حسن يعقوب، إن من نتائج الأعراض التي تصاحب المدمنين، إنها تمنحهم شعورا مغالطا بالنشوة والمتعة، لكن مع انتهاء تأثير (الحبة المنشطة) تتحول الراحة إلى كآبة، ونوبة من ضيق وانطواء تنتاب المدمن وتجعله في رغبة دائمة للنوم والخلود لساعات طويلة في النوم، وعند استيقاظه فأنه يشعر بأوضاع نفسية سيئة، تغلب عليها حالة من العصبية المفرطة إلى مستوى قد تدفعه إلى اختلاق مشكلات مع الآخرين دون وعي أو مبرر.
إحدى انواع الحبوب المخدرة
إحدى انواع الحبوب المخدرة

ويشير وهيب إلى أن ظاهرة انتشار الحبوب المخدرة، والإدمان عليها، تعتبر واحدة من أسباب زيادة معدلات الانتحار بين أوساط الشباب، حد قوله، ويضيف: "إن تقارير أمنية بينت أن ما يزيد عن 50 % من المنتحرين هم من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19-30 عاماً".
*أنواع الأقراص الطبية الممنوعة
تأتي الأقراص والحبوب المهدئة في قائمة الأنواع المخدرة الأكثر انتشارا في المجتمع، وهي أنواع يقبل عليها الشاب المدمن، بكل مفعولها، منها تناول حبات شرائط أقراص (الدايزبام)، وأنواع مثل (الكابتجون)، وحبوب الهلوسة (الكيتامين) و(SD)، التي أصبحت تباع جهاراً نهاراً في معظم حارات وشوارع مدينة عـدن، وهي تعد الأرخص ثمناً والأكثر تأثيراُ على متعاطيها.
وهناك أكثر من 20 نوعا من الحبوب المخدرة تنتشر في عـدن، وهي حبوب يطلق عليها متعاطوها مسميات غريبة ومتعددة منها: (زرارات ـ وحبوب السعادة)، وهي حبوب صنفتها المختبرات الطبية بأنها تحمل تركيبة مادة (Amphetamine) و(Captagon) الخاصة بعلاج أمراض الأرق، والحالات العصبية والنفسية المستعصية، بدءاً بحبوب الهلوسة (dz/rt/bar)، وحبوب المنشطات (ATS)، وحبوب (fyr/fyn/roh/bnz)، والعقارات المهدئة التي تحتوي على (dz/lam/fal/ (mak، وبعض هذه الأنواع دخلت اليمن بواسطة التهريب، وأصبحت تباع دون رقيب في الأسواق المحلية، وبأسعار زهيدة.
يقول أحد الشباب المدمنين، إن أكثر الأنواع تداولاً بين المدمنين، تنحصر بشرائط "الديازبام، الفاليوم، الروش، الريشتل، المجودن"، والأخير يستعمله الأطباء كعلاج منوم للحالات المستعصية عصبياً وعقلياً.

ويلفت بقوله: "إن مصادر بيع وترويج هذه المنشطات والمهدئات، هي عدداً من مخازن بيع الأدوية وبعض العاملين في المستشفيات الحكومية الذين يقومون بسرقتها من داخل المستودعات، وبيعها بواسطة أشخاص عبر السوق السوداء، وبين الحارات والأحياء الشعبية في المدينة".
وتتراوح سعر هذه الأقراص بأسعار متفاوتة بين 500 إلى 1500 ريال للشريط الواحد، غير أن الشاب المدمن يفضل استخدام حبوب (برازول) ذات اللون الأزرق وسعته واحد ملي، وقيمة هذا الشريط يباع في السوق السوداء بـ2000 ريال، أي سعر الحبة الواحدة مائتي ريال، بينما سعره الحقيقي يباع في مخازن الأدوية الرسمية بـ400 ريال للشريط الواحد.
*عملية الترويج والبيع
كما هو الحال للحبوب والأقراص المهدئة المنتشرة في عـدن، فأنه لم يعد خافياً أيضاً على أن ظاهرة بيع وتعاطي (المخدرات) بدأت الأخرى تنتشر في أوساط الشباب، وبشكل لافت ومقلق، نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة التي شجعت ضعفاء النفوس إلى الاتجار والترويج لها بين فئات الشباب والمراهقين.
تؤكد مصادر أمنية في محافظة عـدن، إن أجهزة الأمن ضبطت خلال الأشهر الماضية، عدة قضايا بيع وترويج مخدرات في مديريات مختلفة من المحافظة، خصوصاً من نوع (الحشيش والهروين والبودرة البيضاء) ومادة (الكوكايين والكبتاجون) وغيرها من المواد المخدرة والمنشطة التي تشحن عبر طرق وأساليب عدة من بلدان مثل "إيران وباكستان وأفغانستان"، وتدخل البلاد عن طريق التهريب.
وبحسب المصادر نفسها، فإن عملية ضبط "المخدرات" المروجة بالداخل تكون معقدة جداً، لأن مسألة بيعها وترويجها تتسم بطابع خصوصي حذر، فلا يمكن لأجهزة الأمن ضبط أي شخص ما لم يكن متلبساً، مشيرة: إلى أنه تم مؤخراً ضبط أطفالا يروجون لكميات صغيرة من المخدرات، بالإضافة إلى عدد من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 28-30 عاماً، بينهم "صوماليين" تم القبض عليهم متلبسين أثناء قيامهم بترويج (الحشيش)، وأقراص مخدرة من نوع (راتنج ورستك) بين صفوف الشباب في شوارع عامة، وبلغ عدد الأشخاص المضبوطين خلال الفترة القليلة الماضية، ما يزيد عن 15 شخصاً، تم إحالتهم إلى النيابة العامة.
*جهات نافذة ذات علاقة
في ظل غياب إحصائية رسمية عن عدد المدمنين للمخدرات والحبوب الممنوعة في عـدن، فإن المؤشرات بحسب ما يؤكده باحثين اجتماعيين، تشير إلى أن ظاهرة تجارة المخدرات والحبوب في توسع مضطرد، وإن عدد المدمنين يزدادون يوما بعد يوم، معظمهم من شباب في سن المراهقة، تتراوح أعمارهم ما بين 16 إلى 25 سنة.
وعلى الرغم من اعتراف نقابة الصيادلة اليمنية والهيئة العليا للأدوية، بوجود حالات تهريب لأصناف من الأدوية الممنوعة من قبل أشخاص وجهات غير مخولة قانونياً تقوم ببيعها محلياً بأسعار رخيصة، وكذا مخالفة باعة الأدوية في المخازن والصيدلة لقوانين المهنة بتصريفها دون وصفة طبية، ومعمدة بإمضاء طبيب مختص، غير أن أجهزة الدولة لم تباشر بتفعيل دور الرقابة واتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة بحق المهربين والصيدليات المخالفة.
كما أن السلطات الأمنية في عـدن، على علم بأسماء بعض الأشخاص والمخازن والصيدليات التي تعمد إلى ترويج الحبوب الطبية الممنوعة، وبيعها في الشوارع والأسواق العامة، لكنها لم تبادر في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحقها.
وتظل الشكوك الأبرز في قضية انتشار المخدرات والحبوب الممنوعة في عـدن، تحوم حول عدد من الجهات النافذة المتواطئة في عملية تجارة المخدرات وترويجها بين صفوف شباب المحافظة، حيث أكدت مصادر أمنية، بوجود شحنات تهريب لمخدرات تم ضبطها في ميناء عـدن خلال الفترات الماضية، وأفرج عنها بظروف غامضة، وعن شباب تم القبض عليهم متلبسين في عملية بيع وتهريب مخدرات تم الإفراج بحسب تعليمات مسؤولين عسكريين وأمنيين، حد قول تلك المصادر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى