في الشمايتين بتعز.. قرى بائسة في محيط تطحنه الحرب.. سكان القرى كل أمنياتهم الحصول على مياه الشرب والدواء

> استطلاع/ محمد العزعزي

>
ما تزال قرى الشمايتين في تعز تعيش في الزمن الماضي الأليم، والوجع المتوالي، يعاني أهلها الإهمال المتعمد والإفقار المنظم للناس المتمزقين بالجوع والحرب والحصار، وهي جزء من تعز المظلومة والمقهورة بانعدام الخدمات الضرورية لاستمرار الحياة، التي ترك أهلها فريسة الفساد والإفساد ونشر الرعب والجهل والفقر بين الناس، وتردي الوضع المعيشي وغياب السلطة المحلية عن أداء دورها المناط بها في تقديم الرعاية للمواطنين فلا تنمية، ولا توفير لأبسط متطلبات الحياة.

مازالت الفتاة الشابة "سعادة" مضطرة إلى طرق باب الجيران يوميا للحصول على "دلو" لجلب المياه.. فأهالي قرية زرا بحجفات عزاعز بالشمايتين في تعز يحتاجون إلى إطلاق مبادرة مجتمعية لمساعدة نسوة القرية للحصول على صنبور مياه في فناء منازلهن.

تقول الحجة يسر سعيد عبدالله: "إن نساء القرية السمراء بحاجة إلى إيصال مياه الشرب للمنازل، اللاتي يضطرن يوميا إلى حمل أوعية ثقيلة من الماء مرات عدة لمنازلهن من بئر مجاور".
معاناة وعزلة تامة
يقول المواطن أحمد الدهبلي: "القرى تعيش في عزلة تامة عن محيط العالم، فلم تصل المنظمات العالمية إلى هذه القرى المحرومة، كما لا يوجد أرباب المال المحليين ليقوموا بتمويل المشاريع الصغيرة، وأحلامهم لا تتعدى شربة ماء، وحبة دواء، وفك حاجز العزلة لهذه القرية".

وتقول المواطنة منى عبدالله سعيد: "(النجد) قرية تقع غرب جبل (يمين) وتحديدا في منطقة الشمايتين بالعزاعز، قرية غيبها النسيان عن المدنية والتطوير‏، ورغم أن أهالي القرية ضجوا بالشكاوى كل الجهات الشعبية والرسمية إلا أن شيئاً لم يتغير‏ حتى اليوم".

وتضيف: "إن رياح التغيير التي أوجدتها الحرب اليمنية طالت العديد من أوجه الحياة، وأثرت على القرية الصغيرة التي تقطنها أكثر من‏ ثلاثمائة نسمة يفتقرون لأبسط مقومات الحياة‏ الآدمية".
من جانبه قال إيهاب توفيق (طالب): "تعرف قرية النجد بانتشار الأمراض الوراثية فيها، ويوجد فيها أكثر من 35 حالة ذهان عقلي بين الذكور، و15 حالة بين الإناث، وهي نسبة مرتفعة بين سكان القرية".

المواطن توفيق محمد أحمد، يقول: "بفعل الحرب فقدت العديد من الأسر مصادر دخلها، ولا توجد أعمال في القرى ما زاد من انتشار الفقر بين السكان المحليين، ولم تستهدف المنظمات الدولية والمحلية هذه القرية بالإغاثة الإنسانية، إلا نادرا، ويطالب الأهالي بإيجاد فرص عمل للمتخلفين عقلياً في القرية الذين لهم قدرات للقيام بمهام وظيفية، والتعامل معهم باحترام ومحبة لزيادة ثقتهم بأنفسهم ودمجهم في المجتمع".
قرى جبل صدان
يناشد سكان قرى جبل صدان بالشمايتين في تعز - والتي تبعد عن مدينة التربة حوالي 13 كلم - السلطات المحلية بإعادة النظر في استراتيجية توزيع المشاريع التنموية لأجل تحسين أوضاعهم المعيشية المزرية التي باتوا يتخبطون فيها منذ أمد بعيد، في ظل انعدام أدنى الخدمات الضرورية الواجب توفرها بهذه القرى المعزولة، ما جعل السكان يعانون الحرمان المفروض عليهم من طرف السلطات المحلية.

ويبدي سكان منطقة الزعازع والمساحين والمقارمة استياءهم الشديد من غياب البنية التحتية وغياب المرافق اللازمة، وهو ما لاحظناه خلال زيارتنا للقرى، حيث اكتشفنا أن السكان يعيشون وضعا كارثيا في بيوت هشة لا يمكنك الوصول إليها إلا بعد اجتياز مسافات طويلة سيراً على الأقدام في ظل انعدام وسائل المواصلات.

كما أن شحة مصادر ماء الشرب بهذه المناطق النائية يحتم على السكان قطع مسافات طويلة وشاقة باستخدام (الحمير) لجلب الماء من الآبار والعيون والبرك المكشوفة التي تعتبر المكان الوحيد التي توفر لسكان القرى مياه الشرب.
كما يعاني سكان تلك القرى من انهيار مساكنهم الشعبية التقليدية بسبب هطول الأمطار بغزارة في هذه الأيام لأنها موسم هطولها، وكذا انتشار أنواع مختلفة من الحشرات الضارة المصاحبة لموسم الأمطار والتي تعمل على نقل الميكروبات والجراثيم إلى قاطني المنطقة.
صعوبة التنقل
يقول المواطن عبدالله عبدالله المساح، "إن هذه القرى تعاني وضعا سيئا للغاية، ومن تلك الأوضاع والهموم والذي بات يشغل هاجس الناس هو غياب وسائل النقل حيث يلجؤون إلى الانتظار لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة لانتظار مرور سيارة تقلهم إلى وجهتهم، في طرق جبلية صعبة وغير معبدة.. حيث يطالب الأهالي السلطات المعنية بضرورة شق الطرقات للحد من المشقة التي يتكبدونها يوميا.
غياب التعليم
يتحدث المواطن محمد محمد المساح من قرية الحترشة بالمساحين، عن موضوع التعليم، قائلا: "استكمال التعليم في هذه القرى يعاني من من صعوبة الانتقال إلى المدن والقرى البعيدة، وقطع عشرات الكيلومترات، ناهيك عن تكاليف التنقل التي تثقل كاهل أهالي الطلاب، فاضطر الكثير من أولياء الأمور إلى عدم تكملة أبنائهم دراستهم، وخاصة الفتيات".


ويضيف: "إن المنطقة تحوي مدارس غير مؤهلة، وتفتقر إلى كادر تربوي، ومقاعد دراسية، وكتب ووسائل تعليمية، وآخر مرحلة للتعليم في تلك القرى هي الصف التاسع الأساسي، فالذكور يتخرجون إلى سوق البطالة، والإناث يلزمن البيوت".
منازل طينية
يقول المواطن طلال عبدالقادر المحمدي (35 عاماً): "تقع عزلة بني محمد في الشمايتين بالحجرية بمحافظة تعز، والأرض فيها عبارة عن وادي رسوبي تحاط به الجبال العالية من جهات الغرب والشمال والجنوب، ومفتوحة باتجاه بني شيبة والزعازع، وتتكون هذه المنطقة من عدة قرى مزدحمة بالسكان الذين يعيشون في منازل صخرية ضيقة مشيدة من الأحجار والطين، ومضللة بسقوف خشبية مصنوعة من الأشجار المحلية، وأكبر القرى هي: (البطنة، الكشرار، الهقام، موقعة، الذرار، المنظره، ذالخير، الحقيبة، المدفع، قطبة، الكبة، البطنة، اللكيمة، حشة، الفدمة)".

حقوق المرأة والطفل
توضح فاطمة المحمدي (ناشطة اجتماعية) أن عدد الإناث يزيد على عدد الذكور في قرى الشمايتين بتعز بسبب الهجرة، وتتحمل المرأة أعباء الحياة فهي الأم والزوجة والمربية والفلاحة، وربة البيت، والعاملة وجالبة الماء والحطب، وتهتم بالمنزل والأبن والاب والزوج".

وتضيف بقولها: "أما الطفولة فقد حرمت من كل شيء، من روضة ومدرسة وملعب وحديقة، ومن مستلزمات الترفيه والدواء والماء النظيف، وكل ما يحتاجه الأطفال ويسعدهم".
طبيعة جغرافية معقدة
يقول شوقي الكوري (صيدلي): "تقع عزلة الكويرة في الجزء الغربي من مديرية الشمايتين، وهي منطقة جبلية تحيط بها الجبال من ثلاث اتجاهات، وهي ذات طبيعة جغرافية معقدة لوقوعها في أعالي الجبال، وامتداد لمجموعة عزل متقاربة هي: بني محمد والكويرة والبذيجة وبندح القاهر، ويبلغ عدد سكانها 3000 نسمة، وعدد المساكن 400، وعدد الأسر 600 وأهم القرى هي: هوب مسجح والظرة والضحضح وتليحة ونخيرة والجمانية والنبخين والمعرض".
لبمطلبة بمشروع مياه
من خلال الاستطلاع الميداني اتضح أن المنطقة تعاني انعدام مياه الشرب النقية، حيث أكد المواطن علي الكوري بقوله: "تقوم النساء والأطفال بجلب مياه الشرب من الآبار المكشوفة على رؤوس الجبال، وعلى ظهور (الحمير) برحلة عذاب يومية تستمر ثلاث ساعات".
ويواصل علي الكوري حديثه: "انفجار الوضع العسكري في مديرية الوازعية أدى إلى نزوح عدد كبير من الأسر إلى قرى الشمايتين، والذين استضافهم الأهالي بحسن المعاملة، فهربوا من جحيم الحرب إلى قسوى الحياة وصعوبتها، وخاصة في الحصول على مياه الشرب".
ويؤكد عدد من الأهالي أنهم بحاجة إلى مشروع مياه لإنقاذ الأسر المتعبة، وصيانة الآبار السطحية وبناء خزانات وبرك وسقايات لتخزين المياه في موسم الأمطار.
في هذا السياق يعبر المواطن عبدالوهاب الكوري عن أسفه لهذا الوضع الذي وصفه بالكارثي، وقال: "إن الوضع بات لا يحتمل، ويزداد تأزما خلال فترة الحرب، فالأهالي يواجهون مصاعب جمة في التنقل والسير نتيجة لوعورة الطرق في القرى التي يصعب اجتيازها بسهولة، نتيجة الطرق الصخرية التي تتخللها الحفر والمنحدرات الخطيرة.. كما يعاني السكان من صعوبة العيش في ظل غياب تام لمادة غاز الطبخ وارتفاع سعره، إذ يصل سعر الأسطوانة إلى ( 5000) ريال، فتلجأ النساء إلى جلب الحطب من أعالي الجبال لأغراض الطهي، لعدم القدرة على الحصول على مادة الغاز المنزلي".
وهذا ما شد انتباهنا خلال زيارتنا لتلك القرى، حيث أن السكان لازالوا يقومون بالطهي باستخدام الحطب، وتتجه معظم النساء إلى الاحتطاب من الجبال، ومن أماكن خطرة مزروعة بالألغام.
أهم الاحتياجات
معظم القرى تفتقر إلى الأمن والماء والغذاء والدواء والكهرباء، وإلى بناء مدارس أساسية وثانوية ومعاهد صحية ومعاهد تقنية، وتشكو من عدم إعادة تأهيل المدرجات الجبلية وصيانة الأرض الزراعية من خطر السيول الجارفة، والحواجز المائية، وخزانات المياه، وشق الطرق بين القرى وربطها بالمدن المجاورة، وعدم توسيع شبكة الحماية للمنظمات الإنسانية العاملة في المديرية، وإيجاد فرص عمل للشباب العاطل، وغيرها من الخدمات والاحتياجات الضرورية.
خاتمة
قسوة الحياة وغياب التنمية وانتشار الفقر وقلق الإنسان الدائم في قرى ومناطق هذه المديرية المحرومة، ملامح مأسوية تتكرر كل يوم، وهي بحاجة ماسة إلى إعادة النظر بأوضاعها المزرية من قبل الحكومة الشرعية، والسلطات المحلية، لأجل رد الاعتبار للأرض والإنسان في هذه الرقعة المنسية من جغرافية الوطن المنسي، والمطحون بدوامة الحرب والخراب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى