26 سبتمبر وصراع البقاء

> عبدالكريم سالم السعدي

>
عبدالكريم سالم السعدي
عبدالكريم سالم السعدي
يستشف المتابع غير العادي من خلال خطاب بعض القوى المتصارعة في اليمن ومن خلال أطروحات بعض السياسيين، من تلك القوى وأعلامييها وكتابها، نبرة تفوح منها رائحة مشاريع قديمة تحاول كل تلك الأفعال والأقوال لتلك القوى تجديدها وخلق ما يبررها من خلال سرد تاريخي مركب بعناية، بحيث يجر الحقيقة مرغمة إلى حيث يصب مشروع ذلك الخطاب، وتلك الأطروحات ومن يتبناها، داخل اليمن وخارجه.
وهذا يعيد إلى ذاكرتنا بدايات صراع تلك المشاريع مع حاملي مشروع الثورة السبتمبرية التي قامت في 26 سبتمبر 1962م، ومن أوراق ذلك التاريخ ما جاء على لسان الرئيس اليمني عبدالرحمن الإرياني، فعند استقلال الجنوب من بريطانيا في العام 1967م كانت صنعاء مهددة بالسقوط من قبل الملكيين، وحينها كان عبدالرحمن الإرياني رئيساً للنظام الجمهوري بعد المشير عبدالله السلال، وقال الإرياني حينها في أحد لقاءاته بمشايخ القبائل والقوى السياسية في الشمال: “إن قيام دولة في الجنوب هو الضمانة الوحيدة لبقاء النظام الجمهوري في الشمال، لأنه سيشكل خلفية استراتيجية لبقاء واستمرار النظام الجمهوري في الشمال، وبدون ذلك لن يدوم النظام الجمهوري في الشمال..”.
وبالفعل عاش النظام الجمهوري في الشمال بفضل وجود الدولة في الجنوب، وعندما اختفت الدولة في الجنوب واندثرت مؤسساتها سقط اليوم ذلك النظام الجمهوري في الشمال، وسيكون سقوطه أبديا ولن يعود إلا بعودة دولة الجنوب، وهذا ما تؤكده الشواهد وتتابع لإثباته الدعوات للاحتفال بذكرى 21 سبتمبر 2014م، التي يعتبرها البعض من مثقفي وسياسيي بعض القوى المتبنية للخطاب التغييري ثورة تصحيح لخطأ تاريخي ارتكب في 26 سبتمبر 1962م ويجب الوقوف أمامه وتصحيحه.
وأمام كل ذلك الصراع والتحذيرات والنوايا المبيتة يتساءل المتابع ومعه تتساءل الأجيال التي صنعت تلك الثورة والتي عاشت تحت مظلتها سنوات طويلة: إلى أين تريد، تلك الفئة المطالبة بتزييف التاريخ، بل وإلغائه، أن تصل؟ وهل هذه الدعوات التي تتبناها هي نتاج مشروع داخلي أم إقليمي خارجي؟ والسؤال الأكثر أهمية الذي يفرض نفسه هو: ما هو دور دعاة النظام الجمهوري في داخل اليمن وخارجه تجاه كل ذلك؟ وهل سيكون لهم موقف إيجابي يوقف عجلة إعادة التاريخ إلى الوراء ويساهم في إعادة الأمور إلى نصابها من خلال تصحيح الخطأ (الجريمة) الذي ارتكب في يوليو 1994م والإسهام في إعادة قيام الضمانة التي أشار إليها الرئيس عبدالرحمن الإرياني في خطابه مع مشايخ اليمن وقواها السياسية آنذاك، والذي يتمثل في قيام الدولة الجنوبية على الأرض الجنوبية أم إنهم سيستمرون أسرى للخطاب التهييجي القائم على أكذوبة (الوحدة أو الموت)؟!.
إن صنعاء بكل قواها الحية السياسية والوطنية والاجتماعية مطالبة اليوم بالانتباه إلى المشروع الذي يراد تمريره والذي يهدف إلى تزييف تاريخ ثورتها، بل وإلغاء تلك الثورة، والذي تقوده وتتبناه قوى تشكل امتدادا للقوى التي قاتلت الثورة ورفضت وجودها في ساعات ميلادها الأولى.
لا شك بعد كل التطورات هذه وبعد الوضوح في خطاب المطالبة بإلغاء ثورة 26 سبتمبر واستبدالها بثورة 21 سبتمبر 2014م أن الحل يكمن فيما تضمنه خطاب الرئيس عبدالرحمن الإرياني وهو: عودة الضمانة لبقاء الجمهورية في الشمال من خلال إعادة الدولة الجنوبية، تلك المقولة التي تثبت صحتها أحداث اليوم، وذلك الخطاب الذي لا أراه مخصصا للمرحلة التي عاشها الإرياني، بل إنه خطاب لكل العصور بالنسبة لليمن ونظامه الجمهوري، وعلى دعاة النظام الجمهوري الإعلان عن أنفسهم في مواجهة الخطاب الداعي إلى تجاوزهم وخلق واقع جديد يصحح أخطاءهم كما يشيع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى