هل سيكون لبلادنا العربية "لي كوان يو" يوما ما..؟

> أحمد أبوبكر عبدالله

> "أظن أنني لم أقم بالمعجزة في سنغافورة، أنا قمت فقط بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من الطبقات الدنيا في المجتمع إلى المكان اللائق بهم، وهم من صنعوا المعجزة التي يعيشها المواطنون الآن، وأي مسئول يحب بلاده ويهتم بشعبه كان سيفعل مثلي"، هكذا قال "لي كوان يو" مؤسس سنغافورة الحديثة.
كلام رائع قالها باني نهضة سنغافورة وتداولتها كثير من وسائل الإعلام، أردت أن أوصل مساهمتي للقراء عن مآثر تطور ذلك البلد، وبحسب وجهة نظري أن ما ينقص في بلداننا العربية هي الإرادة والإدارة الحقيقية معا، أو الأفضل القول قادة مخلصين وأكفاء يقدرون قيمة أوطانهم، فإذا وجدنا عن المدى نهضة مؤهلة لنقلة ضئيلة إلى الأمام، فلن نكون أقل منهم على أقل تقدير، حتى وإن قلنا مدينة دبي العربية كأبسط مثال نموذج نحتذي به وهي تعتبر بارقة أمل، وحتى نرى ونتأكد بأمّ أعيننا أن معجزة كبيرة، لا صغيرة، قد تحدث بإذن الله.
من جزيرة فقيرة يملؤها البعوض إلى أقوى اقتصاد في العالم هكذا أسس "لي كوان يو" سنغافورة التي نعرفها اليوم، لم تكن سنغافورة أكثر من مستعمرة بريطانية فقيرة أصبح "لي كوان يو" رئيس الوزراء فيها عام 1959م بعد انتخابات ديمقراطية، انضمت سنغافورة إلى الاتحاد الماليزي عام 1963م عقب الاستقلال عن بريطانيا لكن بعد سنتين فقط قررت ماليزيا التخلي عنها وأصبحت بذلك سنغافورة دولة بحكم الأمر الواقع، لحظة بكي فيها "لي كوان يو" فماذا يفعل ببلاد فقيرة تغمرها المستنقعات ويملؤها البعوض مساحتها لا تتجاوز 720 كيلو متر مربع، ولا يجمع شعبها لغة أو قومية أو تاريخ مشترك وفوق كل ذلك لا نفط فيها ولا ذهب للبيع.
قبل "لي كوان يو" التحدي ومعه فريق من أفضل الخبراء بحكومته وضعوا خطة للنهوض بالبلاد عبر جذب الاستثمارات الأجنبية ودفع السنغافوريين للتعلم بأية وسيلة وصرف النظر عن السياسة تماما، فالوقت الآن هو وقت العمل فقط، استطاعت سنغافورة دخول صناعات بناء السفن وهندسة المعادن والبتروكيماويات والأدوات الكهربائية واستثمرت بها أكبر الشركات العالمية مثل "شل" و "إيسو" وبحلول التسعينيات أصبحت ثالث أكبر مركز لتكرير النفط في العالم وثالث أكبر مركز لتجارة النفط بعد نيويورك ولندن وتصدرت العالم في انتاج البتروكيماويات وأصبح ميناء سنغافورة من أكثر موانئ العالم ازدحاما، في تلك الأثناء كان عموم الشعب متعلما ويتحدث اللغة الإنكليزية التي أصبحت لغة رسمية في البلاد، وبينما كانت سنغافورة تتفوق اقتصاديا استطاعت حل مشكلة المنازل العشوائية بتخصيص الأراضي وتسليمها إلى القطاع الخاص مقابل تقديم خدمات راقية للسكان، وبذلك امتلك 85% من السنغافوريين منازلهم الخاصة، انخفض معدل البطالة إلى 3% عام 1980م وارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 7 مليارات دولار في عام 1960 إلى 360 مليارا في عام 2016م كما ارتفع دخل الفرد من 435 دولارا إلى 80 ألف دولارا سنويا في الفترة نفسها.
تعرض "لي كوان يو" لانتقادات تتعلق بنظام حكمه الذي أداره بشكل مباشر طيلة ثلاثين عاما بدأت عام 1960 وانتهت بتخليه عن السلطة طوعا عام 1990م، ربما لم يكن زعيما ديمقراطيا مثاليا، فيشار غالبا إلى استمرار عائلته بالحكم عن طريق ابنه "لي هسين لونغ" الذي تسلم رئاسة الوزراء عام 2004م لكنه رغم ذلك زعيم مجتهدا نهض بسنغافورة وحولها من مستنقع فقير إلى مركز مالي عالمي تكتظ فيها ناطحات السحب وينعدم الفساد بين مؤسساتها إلى حد كبير، وجواز سفرها يتربع مع ألمانيا في المرتبة الأولى عالميا لعام 2017م، كما أن ناتجها المحلي الإجمالي يعادل الناتج المحلي الإجمالي لماليزيا التي تخلت عنها رغم أن ماليزيا تفوقها مساحة بـ 450 ضعفا، هذا الرجل يتذكره السنغافوريون بلقب الوزير المعلم أو المعلم الأعلى، وعندما مات عام 2015م سجل التاريخ له تركة ثمينة سمعة طيبة وبلاد غنية تعد واحدة من أقوى اقتصادات العالم.. فهل سيكون لبلادنا العربية "لي كوان يو" يوما ما..؟
أحمد أبوبكر عبدالله
المعلا - عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى