الوعي.. بين الأزمة والنضوج

> أحمد ناصر حميدان

>
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
نعم، نحتاج لوعي ناضج ينقلنا مما نحن فيه من أزمة وعي أنشأها الجهل والإفلاس الأخلاقي والثقافي، نتيجة عبث زمن الاستبداد والفساد بكل أشكاله الديني والسياسي في التعليم والثقافة والفكر والإرث والفلكلور، أزمة وعي حقيقية في النخب انعكست على المجتمع، أفرزت فشلا واضحا في إنتاج مشروع وطني عام جامع للأمة يعزز مكانة القوى المدنية، قوى الثورة والتغيير، قوى النهوض ودولة المواطنة، ويضعف من النفوذ المعادي للنهضة والدولة والمواطنة، أزمة وعي واضحة في صراعات ومناكفات ومغالطات واقعنا اليوم، أزمة وعي ضحيتها شعب وأمة ووطن، غيبت الموازين وصارت القيم والمبادئ على الهامش تكال بمكيال المصالح والقناعات المشوهة والمشاريع الصغيرة.
المؤلم اليوم واقعنا المنكوب، خذلاننا في واقع لا يلبي قناعات وطموح الإنسان البسيط في استعادة الحياة والكرامة والدولة، في ترسيخ المواطنة والمساواة والعدل والحرية، كنا في نظام بوليسي مستبد فاسد بديكور هش منمق بالوطنية والديمقراطية والتعدد السياسي، قبضة بوليسية تحمي حكم الزعيم والنفوذ ولوبي فساده، النظام والقانون سيف مسلط على البسطاء كحق يراد به باطل.
واليوم لا نحتاج لذكاء وفطنة، ولا ميكروسكوب، لنعرف أننا نسير في الطريق الخطأ ونبتعد كثيرا عن الحلم والطموح نحو واقع أشد قتامة، ومستقبل معتم.
عن أي مستقبل نتحدث في حاضر يفتقر للعدل والمساواة والحق؟!!.. في واقع فيه فرز مبني على التخوين والشكوك، في غياب العدل والقضاء والنيابة، وسجون مكتظة بالمشتبه بهم، في حاضر أبسط ما يوصف أنه تصفية حسابات لذلك الماضي اللعين، تصفية لصالح أعداء الدولة والتغيير والمواطنة والمستقبل المأمول، نعيش واقعا خذلنا، أحداثه مؤلمة، تستهدف عدن، تاريخها، ثقافتها، إرثها ومدنيتها.
من يدير هذا الواقع؟ من المستفيد؟. كثيرة هي الأسئلة المؤرقة.. الحقيقة الوحيدة التي نعرفها أن عدن ضحية، ضحية خلايا وعصابات نسمع عن القبض عليهم ولكن لا نعرف هويتهم، لم يقدم أي منهم للمحاكمة، لم تكشف الجهات الرسمية بشفافية عن نتائج تحقيق المصيبة، الأخبار التي يتداولها الناس والناشطون عن هروب بعضهم وتسليم بعضهم لجهات مشبوهة، بل نكتشف أن الانقلابيين مازالوا يستعرضون قوتهم ببجاحة وبمدرعات التحالف، وكثير من الأخبار الصادمة، وصمت رهيب من الجهات المعنية لتوضيح الحقائق.
هذا الواقع الذي يراد له أن يكون ليحدد بدقة المستقبل الذي يرسم لنا لنكون خاضعين لأجندات طامعة بل أكثر طمعا ونهما وجشعا لخيراتنا ممن سبقهم.. تلك هي القوى الاحتكارية والشركات التي تتخوف من عدن كموقع هام واستراتيجي إن نهضت وغيرت ملامح المنطقة وتربعت على رأس التجارة والاقتصاد والمناطق الحرة بموقعها الرباني الذي أوجده الله لذات الوظيفة، ميناء تجاري ونقطة وصل بين الشرق والغرب، أرادوا لها البقاء في السبات.
منذ التأميم وعدن تعيش سباتا عميقا، وحلم المنطقة الحرة سراب الماضي والحاضر، المهمة اليوم ترتكز على استمرار هذا السبات وعدم السماح لأي صحوة لا اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، خوفا على مصالحهم واحتكاراتهم، بأدوات محلية تفتقر للوعي في مصالحها ومصالح وطنها.
الوعي معرفة وثقافة مدعومة بالأخلاق وعملية تفكير مستمرة وتدبر بأدوات التحليل والاستنباط والاستشراف، وهذه الأرضية الواسعة من الأخلاق والمعرفة والتفكير تصنع لنا الوعي الضروري للنهوض بأمتنا في مواجهة التحديات.. هي صمام أمان مصالحنا ومصالح وطننا ومدينتنا.. الوعي في هذه الحالة هو الناصية الصادقة التي تقود المجموع إلى سلوك حضاري حكيم.
لكننا اليوم نعيش أزمة حقيقية، إنها الأزمة التي يمر بها الوعي في الأمة تحرمه من النضوج والتنامي والإضاءة على الوقائع، وتحرم الفرد من أن يكون في مستوى التطلعات والطموح.. لا عجب فينا ونحن نصدق من يشوهون التاريخ، ونتعاطى مع كل ما يرمى لنا من أفكار وثقافة مشوهة، نقبلها ونتماهى معها، نرددها هزلا حتى تصبح ثقافة، ثقافة نضوج الكراهية والأحقاد والضغائن، ثقافة أسرتنا وبها برمجنا فسهل اقتيادنا وحشونا بصور ذهنية لعدو يتربص بنا.. فاقدو الحقيقة منغمسون في وهم الخيال التآمري، كان سهلا على البعض خلع الهوية وارتداء هوية كهدف سياسي سهل فرض القناعات والتزوير والكذب والنفاق وسهل التفريط بالسيادة والقبول بالتبعية، لنكن ورقة للتلويح والضغط يمكن تمزيقها في صفقة سياسية ورميها في مزبلة التاريخ في لحظة فارقة.
صنعوا فينا أزمة والبعض أصيب بدائهم والنتيجة غباء مركب كما قال أينشتاين “من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة”.. هذا هو حالنا للأسف اليوم ينبغي أن نتصدى له بالمعرفة والأخلاق والثقافة والوعي، لأن هذا هو السبيل ولا سبيل سواه.. ويتولانا الله برحمته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى