الإعلام والإعلام الجديد إشكالية المفاهيم وسياقات المعنى

> د. قاسم المحبشي

>
د. قاسم المحبشي
د. قاسم المحبشي
تحديد المفاهيم وتعريفها هو الخطوة المنهجية الأولى في الدراسات الإنسانية والاجتماعية والثقافية، ذلك كونها مفاهيم ملتبسة وغامضة وغائمة، على الدوام، لأن موضوعها ذاته متحرك ومتغير باستمرار، إذ لا توجد نواة صلبة قابلة للتحديد والتعريف تصلح جوهراً للمفهومات التاريخية الثقافية كتلك التي نستخدمها هنا (الإعلام الجديد، الإعلام الرقمي، الشبكات، وسائط التواصل الاجتماعي، الرأي العام) وكل تعريف ليس إلا تعريفا نسبيا ومحتملاً للمعنى، لكن أشد الأخطار هو خطر الكلمات التي تستثير في أذهاننا جواهر أو ماهيات فكرية مشخصة زائفة تملأ التاريخ سكان من الأسماء الكلية المختلقة لا وجود لها في الواقع.
ولعل الحاجة إلى إعادة تحديد وتعريف الكلمات التي نستعملها في دراساتنا الاجتماعية تزداد، لاسيما مع مفاهيم أو مصطلحات تلقفناها من سياقات ثقافية مغايرة، إذ أن المفاهيم لا توجد في فلك الأفكار ومدونات اللغات فحسب، بل هي كائنات تاريخية شديدة الارتباط بسياقاتها الاجتماعية الثقافية المشخصة، ولكل مفهوم مكان وزمان ولادة وسياق نمو وتجربة ممارسة وعلاقات قوة وسلطة معرفة ونظام خطاب ومدونة لغة وفضاء فكر وحساسية ثقافة وحقل تأويل وشفرة معنى وأفق دلالة.. الخ.
ونقصد بالمفاهيم كل المصطلحات المجردة والكلمات المفتاحية التي يتكون منها نسق الإعلام الجديد وخطابه الابستمولوجيا النظري والمنهجي، وتلك المصطلحات اللغوية الأساسية المتداولة في خطاب الإعلام الجديد، أما الصور، فنقصد بها تلك الرموز والإشارات البصرية التي لها دوال ودلالت إعلامية المستخدمة في المجال التواصلي الراهن (صور، مشاهد، رسوم، فيديوهات).
*مفهوما الإعلام والإعلام الجديد
مع اتساع خطاب الإعلام وتأثيره اتسعت عناصره ودوائر فعله وأدواته ووظائفه، إذ بات الناس يطلقون الكلمة (إعلام) على ظواهر وأشياء متزايدة النماء والاتساع ومتعددة الأشكال والأدوات (صحافة، إذاعة، تلفزيون، سينما، قنوات، انترنت ومواقع ومدونات شبكات ووسائط التواصل الاجتماعي وغير ذلك)، ولا خلاف في المعنى اللغوي للكلمة (إعلام) من مصدر “أعلمَ، يقال: أعلَمَ يُعلِمُ إعلاماً.. وأعلمتُه بالأمر: أبلغته إياه، وأطلعته عليه، جاء في لغة العرب: استعلم لي خبر فلان وأعلمنيه حتى أعلمه، واستعملني الخبر فأعلمته إياه”. هنا يكون الإعلام بمعنى التبليغ والإخبار والاطلاع والإشهار والبيان، غير ان ما يهمنا هو الدلالة المفهومية للإعلام وسياقات المعنى، إذ لا يوجد اتفاق بين الدارسين بشأن تعريف مصطلح الإعلام بشكل عام والإعلام الجديد تحديدا، بل هناك تعريفات كثيرة ومختلفة بحسب زاوية الرؤية التي ينظرون فيها إلى الظاهرة الإعلامية، في سياق ذلك يذهب ميلود مراد إلى أن مصطلح الإعلام الجديد لايزال إشكاليا بحكم جدته وسرعة تطوره إذ “لم تتبلور خصاصه وملامحه وأبعاده بعد” ولأغراض هذا المقال سوف نحاول التمييز بين مصطلحيّ (الإعلام التقليدي والإعلام الجديد).
إذ نقصد بالإعلام التقليدي مجموع وسائل الإعلام والاتصال والتعبير التقليدية المقروءة والمسموعة والمشاهدة التي سادت العصور الحديثة من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسينما. جاء في الموسوعة الحرة “الإعلام هو مصطلح يطلق على أية وسيلة أو تقنية أو منظمة أو مؤسسة تجارية أو أخرى غير ربحية، عامة أو خاصة، رسمية أو غير رسمية، مهمتها نشر الأخبار ونقلها”.
والإعلام الجديد: مفهوم يطلق على الظاهرة الإعلامية المعاصرة بتنويعات متعددة منها: (الإعلام البديل، الإعلام الاجتماعي، صحافة المواطن، مواقع التواصل الاجتماعي، الإعلام الرقمي، الإعلام التفاعلي، إعلام المعلومات، إعلام الوسائط المتعددة، الإعلام الشبكي الحي على خطوط الاتصال (Online Media)، الإعلام السيبروني (Cyber Media)، والإعلام التشعيبي (Hyper Media) والإعلام الجديد هوالتعبير الجامع لكل من (الكمبيوتر والشبكات والوسائط المتعددة).
ومن تعريفات الإعلام الجديد يمكن الإشارة إلى بعضها إذ عرفه (قاموس التكنولوجيا الرفيعة) بأنه “اندماج الكومبيوتر وشبكات الكومبيوتر والوسائط المتعددة”، ويعرفه قاموس (الإنترنت الموجز) بأنه يشير إلى “أجهزة الإعلام الرقمية عموما، أو صناعة الصحافة على الإنترنت”.
وبحسب موسوعة Webopedia فإن تعبير الإعلام الجديد يشير إلى “العديد من الأشكال المستحدثة من نظم الاتصال الإلكتروني التي أصبحت ممكنة بفضل الكومبيوتر”.
وإذا كان علينا استخلاص تعريفاً إجرائياً لمفهوم الإعلام الجديد بغرض تمييزه عن الإعلام القديم، فيمكننا القول: إن الإعلام الجديد هو مجموع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي أتاحت وسائطها المتنوعة لجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات القدر على التواصل والاتصال التفاعلي الحر في فضاء تواصلي عالمي بلا قيود ولا حدود.
* نائب عميد كلية الآداب للشؤون الأكاديمية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى