صفحات من نضال المقاومة الجنوبية ضد المستعمر البريطاني(2).. المناضل السيد/ محمد عبيد عمر سفيان.. بدأ نضاله في الأربعينيات والتفت القبائل حوله فبدأ بالكفاح المسلح

> كتب/ علي راوح

> توطئة
عبر كل السنوات التي مرت منذ غزو المستعمر البريطاني للجنوب في 19 يناير 1839م واصل شعبنا الجنوبي نضاله وكفاحه ضد الغزاة المستعمرين، وهو كفاح ونضال شاق وطويل تكلل بنيل الحرية وتحقيق الاستقلال وقيام الدولة الوطنية في الـ 30 من نوفمبر 1967م.. لكن ماتزال هناك صفحات منسية لملاحم بطولية قدمها الكثير من المناضلين بدءاً من يوم الـ 19 من يناير 1839م وحتى تحقيق الإستقلال والحرية لشعب الجنوب، هناك أبطال قدموا أرواحهم رخيصة من أجل الوطن، ولم يكن هدفهم الكسب المادي أو الوصول إلى السلطة، بل ناضلوا وكافحوا من أجل هدف وحيد وهو تحرير الوطن ونيل الحرية لشعب الجنوب ذلكم الهدف السامي والغالي لكل الشرفا من أبناء الجنوب.
أبطال يجب علينا ذكر ماثرهم البطولية وتوثيقها بأحرف من ذهب.
المناضل المؤمن السيد/ محمد عبيد عمر سفيان من أبناء قرية الراحة بردفان، بدأ نضاله منذ الأربعينيات، بعد أن تلقى العلم منذ صغر سنه على يد عدد من العلماء في سلطنة لحج ومنهم الفقي أحمد والشيخ علي الحجازي، نشأت لديه قوة الإيمان بالثورة وطرد الاستعمار البريطاني من الجنوب المحتل، فبدأ بتوحيد القبائل ونبذ الخلافات فيما بينها، ومن ثم تهيأتها لفكرة النضال كواجب وطني للتخلص من الاستعمار، فاجتمع حوله عدد كبير من الثوار من الحواشب وردفان والضالع والصبيحة، فأقدم على تشكيل عدد من الخلايا الفدائية وإعلان الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية المتواجدة في تلك المناطق، وأقدم رفاقه على تنفيذ العمليات العسكرية الليلية في قصف المواقع البريطانية ومباغتة الدوريات المتحركة في ردفان والحبيلين والملاح، وأوقعت هذه العمليات الخسائر البشرية والمادية في صفوف جنود الاحتلال وأدخلت الرعب في نفوسهم، فشعر المستعمر بخطورة هذا المناضل، فما كان من السلطات البريطانية إلا أن أرسلوا إليه مندوبين ليساوموه على وقف المقاومة، حاولوا إغراءه بالمال والمنصب. لكن السيد محمد عبيد الذي آمن بقضية وطنه وشعبه رفض رفضاً قاطعاً تلك المساومة الرخيصة، وأكد للسلطات البريطانية أنه لا خيار أمامهم إلا إعطاء شعب الجنوب حريته واستقلاله وإلا فإن الكفاح المسلح سيستمر وسيمتد إلى كافة مناطق الجنوب المحتل.
ونتيجة لهذا الموقف الصلب من قبل محمد عبيد ومجاميعه، ما كان من المستعمر إلا تشديد الخناق عليه لإفشال ثورته وبثوا الدعاية الكاذبة بأن هؤلاء مجاميع إرهابية تريد الإضرار بشعب الجنوب ويجب محاربتهم، وخططوا لاغتياله وقمع مقاومته. أدرك السيد محمد عبيد خطورة الوضع، ونظراً لقلة السلاح والذخائر وغيرها من مقومات استمرار المقاومة، فقد قرر ومعه مجاميع من رفاقه اللجو إلى الشمال وذلك عام عام 1947م، وطلب المساعدة من الإمام الذي خذله ولم يجد لديه الحماس والاستعداد لمحاربة المستعمر القبريطاني، إلا أنه أعطى للمناصل محمد عبيد كميهة من الأسلحة الخفيفة وبعض الذخائر، فعاد إلى الجنوب واستأنف العمليات العسكرية ضد المستعمر بالإمكانيات المتاحة، وكان يعود بين الحين والآخر إلى الشمال للتمويه على السلطات البريطانية، إلا أن الإمام أشعره بأن عليهم البقاء بهدوء وأنه بإمكانهم العيش في الشمال، فرد عليه محمد عبيد: ما من أجل هذا وجدنا، وعاد وقرر العيش ومجاميعه في جبال ردفان، وواصلوا الهجمات المسلحة ضد معسكرات البريطانيين.
*طوق الإنجليز منزله فطوقتهم القبائل
تأكد المستعمرون أن هذا الرجل يشكل خطراً كبيراً عليهم ولابد من القضاء عليه، فترصدوا له حتى عاد إلى منزله فقاموا بمحاصرة منزله من كل الجهات وداهموه بحملة عسكرية، وساعتها هبت القبائل من كل المناطق وطوقوا القوات البريطانية، فاضطر البريطانيون إلى التراجع، فقرر محمد عبيد تجنيب المواطنين المخاطر ونزح ليلاً إلى الراهدة.
المناضل السيد/ محمد عبيد عمر سفيان
المناضل السيد/ محمد عبيد عمر سفيان

وبعد فترة من الزمن عاد ومجاميعه إلى جبال ردفان ليعيشوا متخفين ومباغتة القوات البريطانية في هجمات ليلية خاطفة، لكن القوات البريطانية كثفت تحرياتها وطلبوه حياً أو ميتاً، وعند قيام ثورة سبتمبر حشد محمد عبيد رفاقه من كل المناطق وحثهم على المقاومة، فقامت القوات البريطانية بقصف جوي على منازل المواطنين بحجة إيوائهم لمحمد عبيد ومجاميعه الإرهابية (حسب قول البريطانيين).
*النزوح إلى ماوية
عندها حشد محمد عبيد المجاميع المقاتلة وتوجه إلى قرية (جرانع) في ماوية من لواء تعز، وهناك تمثلت صورة من صور الأخوة والمحبة بين اليمنيين عندما خرج أبناء ومشائخ جرانع باستقبال إخوانهم القادمين من الجنوب، وتم ترتيب المأوى والدعم للقادمين، وأصبحت قرية جرانع منطقة لتجمع المناضلين الذين التفوا حول السيد محمد عبيد، ومن هناك خطط ونفذ العديد من الهجمات على القوات البريطانية في ردفان والحواشب وحالمين، وأجرى الاتصالات مع القيادة السبتمبرية والقيادة المصرية في تعز والتقى بالرئيس السلال بحضور عدد من القادة المصريين، وتم تشكيل الجبهة، كان ذلك نهاية عام 1962م.

وقبل قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، بدأت عمليات تدريب المناضلين في تعز وأوكلت لمحمد عبيد، ومعه راجح لبوزة مسئولية تشكيل الفرق المقاتلة في ردفان والحواشب، وواصل محمد عبيد نضاله من أجل تحرير الجنوب.
وعندما اقترب يوم الاستقلال ودخلت كل من الجبهة القومية وجبهة التحرير في الصراع شعر محمد عبيد بأن الأمر خطير وسيؤدي إلى قتال أهلي بين المناضلين، وأدرك أن هذا مخطط أعدته بريطانيا وسيكون الشعب هو ضحية ذلك الصراع المسلح، فقال محمد عبيد: "إلى هنا وصلت نهاية الثورة". وعند قيام الاستقلال عرضوا عليه وزارة العدل فقال: كيف أكون وزيراً للعدل في حكومة قامت على غير العدل.
*تعرض لمحاولات اغتيال فغادر الوطن
شعرت حكومة الجبهة القومية بأن محمد عبيد ومجاميعه المعسكرة في جرانع بماوية ربما يشكلون خطراً على النظام في الجنوب، وحاولوا اغتياله مرة في تفجير مخزن السلاح بجانب داره، ومرة بدس السم داخل زجاجة العسل، ولكن عناية الله جنبته الموت، بعد ذلك قرر محمد عبيد مع أهله مغادرة الوطن إلى أرض الحرم المكي.. وكان يقول لنجله الأكبر ياسين محمد عبيد "أريد أن أعيش بقية عمري قرب الحرم وأسأل الله أن يقبض روحي في الحرم"، وعند وصوله إلى السعودية استقبله عدد من المسئولين وعرضوا عليه إعطاؤه فلة للسكن، وعلى أن تخصص له ميزانية شهرية فرفض وفضل عيشة الفقر معتمداً على نجله ياسين الذي اشتغل في أعمال عضلية مضنية ومنها حفر أخاديد خاصة بأسلاك للهاتف الأرضي.
وجاء اليوم الذي تمناه محمد عبيد من الله وهو أن يموت في الحرم، فمات في الحرم. وبعد عام 1990م عاد نجله ياسين السيد محمد عبيد إلى عدن مع أسرته وكان أن بدأ بزيارة إلى قرية جرانع ماوية تلك القرية التي ترعرع فيها بجانب والده. ومن حظي (أنا كاتب الموضوع) أن قمت بمرافقة ياسين في زيارته لجرانع ماوية، وهناك ذهلت لذلك الاستقبال والحفاوة التي استقبل به من قبل أبناء جرانع، الذين عرفوا ياسين طفلاً صغيراً وقد عاد إليهم رجلاً يذكرهم بأبيه محمد عبيد الذي كان مصلحاً اجتماعياً وفقيهاً تقياً ومناضلاً جسوراً، وعرفت في تلك الزيارة أن عدداً من أتباع السيد محمد عبيد من أبناء ردفان والحواشب والضالع قرروا المواطنة في جرانع ماوية وفي تعز، ولم يعد لهم ممتلكات في مسقط رؤوسهم.
مراجع الحديث:
- نجله الأكبر/ ياسين محمد عبيد
- وكل من:
المناضل الراحل محمد حيدرة المغربي
المناضل صالح المحرابي
المناضل محمد عبدالله هاشم
المناضل محمد هاشم عبادي
المناضل سالم سعد القردشي
المناضل أحمد سعد علي
المناضل محسن القبع
المناضل ثابت محمد البعيلة
كتب/ علي راوح

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى