أكبر طرح أولي (IPO) في التاريخ... واستقطاب سيادي نادر!

> محمد نجيب

> "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"
(المتنبي)
محمد نجيب
محمد نجيب

تقبع في باطن أرض المملكة العربية السعودية، حماها الله من أي سوء أو شر، ثاني أكبر الاحتياطيات المؤكدة في العالم من النفط الخام (261 مليار برميل)وهي صاحبة المركز السادس عالمياً في مخزون الغاز (294 تريليون قدم مكعب). كما إنها الأولى في تصدير النفط الخام (6.5 - 7.0 مليون برميل يومياً) والثانية في إنتاج النفط (10-10.2 مليون برميل يوميا) بعد روسيا وقبل أمريكا.
هذه الموارد الخرافية من الوقود الأحفوري يتم إدارتها والتحكم فيها وتشغيلها من استكشاف واستخراج وإنتاج وتصدير وتكرير..الخ. من قبل شركة أرامكو السعودية. وتعتبر هذه الشركة العملاقة الأكبر بين شركات النفط والغاز العالمية من ناحية الإيرادات (نحو 478 و 311 مليار دولار في 2015 و 2016 على التوالي).
كانت أرامكو ومازالت الرافدة والقناة الرئيس لإيرادات المملكة. ومنذ 1969 حتى 2015 بلغ متوسط مساهمة قطاع النفط في إيرادات المالية العامة نحو 81 % سخرت في أغلبها لتمويل خطط التنمية الاقتصادية التي استهلت من بداية سبعينات القرن الماضي وحتى الآن.
تم تقدير القيمة السوقية (هناك أيضاً القيمة الاسمية والقيمة الدفترية) لـ"أرامكو” بنحو 2 تريليون دولار.
وفي أبريل عام 2016 أعلنت السعودية خطتها الاقتصادية “رؤية السعودية 2030” (تبعتها لاحقاً في أكتوبر 2017 بمشروع نيوم - مقالة بصحيفة “الأيام” الغراء عدد 6073 بتاريخ 9/10 نوفمبر 2017) والتي شملت في جوهرها إصلاحات وبرامج اقتصادية وتنموية لتقليل الاعتماد على إيرادات النفط وخلق وزيادة المصادر البديلة (غير النفطية) وحصتها في الاقتصاد السعودي. وبهذا الخصوص أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أن رؤية السعودية 2030 تعتمد على أرامكو كمفتاح أساسي لها (في توفير الموارد المالية الضخمة) معلناً طرح 5 % من الشركة للاكتتاب، وتساوي هذه النسبة القليلة نحو 100 مليار دولار (5% × 2 تريليون دولار).وبهذا يكون أكبر اكتتباب أولي في التاريخ. مقابل طرح أولي يعتبر الأكبر حتى الآن كان وبمبلغ 25 مليار دولار والتابع لشركة علي بابا الصينية.
وبعون وتوفيق من الله ثم بعزيمة قيادتها ونهجهم وثقب بصرهم تتحرك وتتقدم المملكة بكل حزم وأمل وجدارة، بالرغم من هول وحجم العوائق بكل أشكالها وأنواعها ومصادرها. ولمكانة المملكة على المستوى العالمي وجدية وثبات وجدوى سياستها الاقتصادية، حرك خبر طرح أسهم “ارامكو” التنافس بين جميع بورصات العالم عامة وأسواق المال (نفس المعنى للبورصات) في الدول المتقدمة خاصة على استضافة هذا الحدث. ذلك إن طرح بهذا الحجم سيكون له فوائد كثيرة ونادرة ليس على مستوى البورصة (سوق المال) فقط ولكن ستعم مردوداته وعطاءاته الإيجابية والواسعة قطاعات اقتصادية عديدة مثل البنوك والاستثمار والتأمين وصناديق المعاشات والصناديق السيادية والمكاتب الاستشارية وشركات المحاسبة إلخ... ولأن الحصيلة الاقتصادية الإيجابية والكلية لمثل هذا الاكتتاب (IPO Initial Public Offering) سيتلمسها ويشعر بها المواطن بصفة عامة، فقد بدأت محاولات استقطاب حثيثة من أكبر بورصات العالم للفوز واستضافة الطرح فيها. ولكن الاستثنائي وغير العادي في هذا السياق هو أدوات “الاستقطاب” التي تم تسخيرها، من قبل تلك الدول لتسويق الـ“مزايا والمنافع والفوائد الجمة” التي ستجنيها السعودية إذا هي ما اختارت بورصة بذاتها (بعينها). وبرغم تفاوت مستوى وحجم وإصرار هذه الوسائل واختلاف جنساياتها، إلا أن جميعها “سيادية” في وصفها وطبيعتها وتتربع على “قمة هرم الحكم” في بلدانها.
أولهم كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي شخصيا قام بالاتصال بخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان وطلب منه تفضيل بورصة نيويورك (الأولى عالمياً برسملة 19.2تريليون دولار) عند اتخاذ قرار “الاختيار”. وهذا ما قاله رئيس أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم في تغريدته:
“سأكون ممتنا للغاية إذا طرحت شركة أرامكو السعودية، أسهمها في بورصة نيويورك”. وأضاف الرئيس الأمريكي في التغريدة “هذا مهم للولايات المتحدة الأمريكية”.
أما ثاني استقطاب فقد جاء من ثاني قوة إقتصادية (وربما عسكرية) في العالم وهي الصين التي عرضت شراء مباشر (دولة لدولة) عبر اتحاد (consortium ) لـ2 أكبر شركات النفط الصينية وصندوق الصين السيادي، لنسبة ال 5 % المقررة للطرح وبالقيمة المتوقعة بنحو 100 مليار دولار. ومنذ أغسطس الماضي أصبحت الصين المستورد الأول للنفط في العالم. وتمتلك الصين أكبر احتياطي للنقد الأجنبي في العالم والذي يقدر بـ 3.1 تريليون دولار.
ثالث الاستقطابات جاء من ثالث أقوى إقتصاد عالمي وهي اليابان، (بورصة طوكيو الرابعة عالمياً برسملة سوقية 4.5 تريليون دولار). فقد عبر رئيس الوزراء الياباني عن هذه الرغبة عند زيارة الملك سلمان لليابان في أبريل 2017، وطلب من العاهل السعودي الدعم بهذا الخصوص. وتستورد اليابان نحو 1.5 مليون برميل يوميا من النفط الخام من أرامكو السعودية.
الاستقطاب الرابع فقد جاء من دولة رئيسة الوزراء بريطانيا، التي قامت بزيارة إلى المملكة (العام الماضي) بمعية رئيس بورصة لندن (بورصة لندن الثالثه عالمياً برسملة سوقية تبلغ نحو 6.2 تريليون دولار) ملفوف ومغلف بمميزات ومغريات اقتصادية استثنائية كما وكيفا. ويعتبر فوز بورصة لندن بهذا الحدث من الأهمية بمكان خاصة بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي وتأثير ذلك على مكانة لندن كعاصمة المال العالمية. وفخامة دولتها الآن (30/11/ 2017) في زيارة رسمية للسعودية هي الثانية في ظرف سنة.
وشاركت في هذا التنافس المحتدم بورصات عالمية أخري هي التالية:
- بورصة هونج كونج (السادسة عالمياً برسملة سوقية تقدربـ 3.3 تريليون دولار).
- بورصة تورونتو - كندا (الثامنة عالمياً برسملة سوقية تصل إلى 2.8 تريليون دولار). - بورصة سيول - كوريا الجنوبية (الخامس عشرا عالمياً برسملة سوقية 1.3 تريليون دولار).
- بورصة سنغافورة (برسملة سوقية 0.6 تريليون دولار).
والطرح (الاكتتاب) يعني بيع كل أو نسبة محددة من أصل (بهذه الحالة 5 % من شركة أرامكو السعودية) بإصدار عدد أسهم ملكية بقيمة اسمية (في حالة أرامكو لم يحدد بعد). ويتم تداول هذه الأسهم في سوق المال (البورصة) بيعا وشراء. وباستطاعة شخص أو أشخاص، مؤسسات شخصية أو اعتبارية وحتى سيادية تداول هذه الأسهم. بالمختصر، ممكن أي شخص في عدن عنده الرغبة والاستعداد والإمكانية الفعلية والمالية (لديه حساب برصيد كافي لدى أحد البنوك الكبيرة في إحدى الدول المذكورة آنفا أو الدول المتقدمة) أن يكتتب (يشتري) أسهم الأصل المطروح بالبورصة.
وبعد.. مالنا وكل ما سطر أعلاه؟
بالطبع لنا الكثير.. والحصيف حتماً قد قرأ وحلل واستنتج ووثق ودرس وتعمق وقارن (من العنوان أو المادة) ووضع النقاط على الحروف فيما يخص تحديداً سعي وتفاني وإصرار وإخلاص النخب الحاكمة (السيادية) في استقطاب والفوز، كل على حده، لأسواقهم المالية بعملية طرح شركة ارامكو.
كل عضو سيادي تم ذكره (الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الياباني شينزوا أبي ورئيسة الوزراء البريطانية تيرزا ماي) يعي كل الوعي ويدرك كل الإدراك الفوائد العظيمة التي ستجنيها اقتصاديات بلدانهم (جزئياً وكليا) في حال التأهل باستضافة طرح أرامكو في سوق بلاده المالي. كل هؤلاء تجاوزوا الحدود، وبلعوا كبرياءهم( بالعدني تنازلوا ) الرسمية والشخصية وهم على كراسي حكم أعتى الدول اقتصادياً وعسكرياً، مطالبين كلا بطريقته، من المملكة إعطائهم التفرد بعملية الاكتتاب المزمعة في 2018.
هؤلاء القادة وضعوا مصلحة أوطانهم وشعوبهم الغاية ولم يعطوا أي أهمية أو اكتراث للوسيلة. هؤلاء القادة جلسوا على كراسي الحكم والسلطة بأصوات ناخبيهم بناء على برامج ووعود انتخابية أساسها رخاء وتقدم حياة ومعيشة المواطن. كل واحد من هؤلاء لا يأبه إلى المجد الشخصي والخلود. ولا يسعى إلى بناء منافع شخصية.. بل لديهم قاسم مشترك واحد، رغم اختلاف جنسياتهم وأعراقهم؛ أمامهم هدف واحد مرسوم في صورة مكونة من كلمتين “الوطن والأمة”.
* العربية نت، الاقتصادية، الشرق الأوسط، رويترز، روسيا اليوم ، التايمز البريطانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى