نازحو موزع في المخا.. الهروب من الموت قتلاً إلى الموت جوعا

> تقرير وتصوير / نجيب المحبوبي

> إنها الحرب، لا يجني منها المرء إلا الموت والآهات وخراب البنيان والتشرد، والأزمات الخدماتية، وتردي الأوضاع في جميع المجالات، وأبرز ضحاياها أبرياء لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ما بين قتيل ومعاق ونازح، تلك الحرب التي لا تفرق بين طفل وشيخ وامرأة ورجل.
إنها حرب اليمن، ثلاث سنوات مستعرة ما إن تخمد في منطقة إلا وتشتعل في أخرى وبدرجة أشد وأنكى.
تحررت العاصمة عدن من مليشيات الحوثي بعد 120 يومًا من الحرب المدمرة، ذاق خلالها أبناء المدينة ألوانا من المعاناة، توزعت ما بين قتل وجرح وتشريد، وافتقار للخدمات الأساسية، ورعب جثم على صدورهم ليل نهار.
أربعة أشهر من الحرب كانت أشد من حرب صيف عام 1994م، وستظل محفورة في ذاكرة الجيل الذي عايشها كنكتة سوداء لن تمحوها عقود من الزمن.
رحل المحتل من المدينة وهو يجر أذيال الهزيمة، لكنه ترك خلفه آلاف الألغام المتنوعة، المضادة للدروع وأخرى فردية، حصدت الكثير من الأرواح، وظلت تهدد سلامة وحياة المواطنين لأشهر عدة من التحرير، حتى استعادة المدينة وغيرها من المحافظات الجنوبية المحررة عافيتها وتطهرت من الألغام القاتلة.
احد المسنيين أثناء نقله للماء
احد المسنيين أثناء نقله للماء

يقول المواطنون في تصريحات لــ«الأيام»: «كثيرة هي المعاناة التي تجرعناها أثناء الحرب، غير إن تركنا منازلنا مرغمين كان الأكثر مرارة ووقعاً في النفوس، وعزاؤنا اليوم لمن لا يزالون يتجرعون كأس هذه المعاناة في المدن والبلدان التي ماتزال رحى الحرب فيها مستمرة بين المقاومة الجنوبية والتهامية المسنود بالجيش، ومليشيات الحوثي في الساحل الغربي، والمخا والخوخة وغيرها من جبهات القتال كمكيراس بأبين، وجبهات صرواح ونهم وصعدة والجوف ومحافظات شمال الشمال».
*مرارات التشرد
تتصدر مديرية موزع، وهي إحدى مديريات محافظة تعز، قائمة المناطق والمدن الأكثر تضررًا من الحرب حتى اليوم، حيث أجبرت المواجهات والمعارك التي تدور في أراضيها بين المليشيات الانقلابية والمقاومة أهاليها على ترك منازلهم والتشرد إلى مديريات ومناطق أخرى في المحافظة هربا من الموت، فيما نزح آخرون إلى مديريات محافظات لحج، وعدن، وأبين.. ويتجرع النازحون الكثير والكثير من قساوة العيش وغياب دور الجهات المسئولة والمنظمات المعنية.
إحدى النازحات تعد وجبة الغداء
إحدى النازحات تعد وجبة الغداء

يقول المواطنون لــ«الأيام»: تركنا منازلنا مرغمين، كما تركنا أراضينا التي نزرعها طوال الأيام الزراعية، وكذلك ثرواتنا الحيوانية، والتي تُعد مصدر دخلنا الوحيد.. لقد كانت جنتنا، لكن تلك الميليشيات الإجرامية شردتنا وأهلنا عنوة، بل زرعت بدلاً عنها الألغام، والعبوات الناسفة، ليجني المزارعون بدلاً عن الخضروات والفواكه حصدًا للأرواح، وبترًا للأطراف، وجروحا، وما إلى ذلك.
ففي مديرية المخا تتواجد عشرات من الأسر النازحة من موزع غير البعيدة منها، حيث اكتظت بهم مدارسها، وفي قلب مدينة المخا نصبت أكثر من 37 أسرة خيامها، فيما نصب آخرون عُششًا من القش لتكون لهم مأوى، في الوقت الذي لا تصلح أن تكون مأوى للبهائم، فكيف لها أن تقيهم من زمهرير البرد القارس الذي تشهده المنطقة خلال هذا الفصل الشتوي.
يقول النازحون: اضطررننا إلى السكن هنا وفي هذه العشش، لعدم حصولنا على منازل لنا وأهلنا، إننا هنا قريبون من منازلنا، ونأمل أن نعود إليها في القريب العاجل.
*منازلنا تحولت إلى حصون للمليشيا
يقول علي صالح لــ«الأيام»، وهو أحد النازحين: «نحن نازحون منذ أكثر من سبعة أشهر، حيث تركنا منازلنا وأراضينا بسبب الحرب التي أشعلتها الميليشيات الإجرامية، بل وزرعت فيها الألغام، واتخذت من منازلنا حصونًا لها، وهو ما يعرضها لقصف الطيران».
ويضيف: «كانت الزراعة مصدر رزقنا الرئيس، والآن الآلاف من الناس تركوا منازلهم وأراضيهم، ونعيش هنا معاناة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وفي المقابل لم نرَ أي اهتمام من قبل المنظمات الإغاثية والمعنية بحقوق الإنسان، وهنا أجدها فرصة لأتوجه بمناشدة عبر «الأيام» إلى المنظمات كافة، وأتمنى منها أن تنظر لمآسينا ولو بنصف عين».
أما محمد علي فقال: «لقد أجبرنا الحوثيون على الخروج من ديارنا وأراضينا، ونحن على هذا الحال منذ سبعة أشهر، ولا عمل لنا، هربنا بأرواحنا من الموت ووصلنا إلى هنا، وتركنا في القرية كل ما نملك».
أطفال يلهون ويلعبون في مخيم النزوح
أطفال يلهون ويلعبون في مخيم النزوح

ويضيف: «حاولت التواصل مع العديد مع المنظمات الإغاثة، وطلبت منهم أن ينظروا إلينا بعين الرحمة فقط، لكن للأسف لم ينظر إلينا أحد».
فيما توضح الحاجة سلامة غالب، وهي أم ثكلى ونازحة، بعض من معاناتها بالقول: «استشهد ابني وهو يقاتل في صفوف المقاومة بجبال موزع، وحالياً أسكن هنا مع بناتي في هذه العشة، فيما يعاني زوجي المرض، وهو طريح الفراش، ويتلقى العلاج في أحد مستشفيات عدن».
وبمرارة تواصل: «نزحنا بملابسنا فقط، ولا نمتلك شيئًا الآن، بل إني أخرج كل يوم أمد يدي للناس طلباً للمساعدة، لأوفر ما تيسر لنسد به رمقنا من الجوع، والبرد أيضاً قتلنا في هذه العشة، وأتمنى أن أجد خيمة لعلها تخفف مما نحن فيه»، وبينما هي تتحدث أشارت بيدها إلى مكان غير بعيد قائلة: «انظر إلى ذلك المكان (عشة) إنه الحمام الخاص بنا، وبناتي لا يستطعن الدخول إليه، كونه مكشوفا، ولا يستر من بداخله».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى