زواج القاصرات.. شبح يهدد عرش الطفولة ويغتال براءتها

> تقرير/ عبداللطيف سالمين

> انتهاكات كثيرة ارتكبت بحق الطفولة على مرأى ومسمع العامة، في المجتمع اليمني، أبرزها ظاهرة زواج القاصرات ومن لم يبلغن السن القانوني للزواج كالطفلات نجود، وروان، وريم، وأروى، وأخريات كثر لم يُعلن عن أسمائهن خوفًا من العار، وما له من تداعيات أخرى، ووصل الأمر ببعضهن إلى الوفاة، فيما تمكنت أخريات من الهرب، والإفلات من هذا الزواج البهيمي، في مجتمع تحكم معظم مناطقه العادات والتقاليد والأعراف القبيلة، في مخالفة واضحة للشرع والقانون.
إن زواج القاصرات بات يُشكل في الوقت الحاضر ظاهرة تحتاج إلى وقفة جادة للتصدي لها ولتوعية أفراد المجتمع بالسن القانوني المناسب للزواج، وما هي الأضرار الناتجة عنه على الفتاة نفسياً وصحياً، ومعرفة أسبابها لمجابهتا وللتصدي للقوانين التي تسببت بانتشارها.
*تسيّد العُرف القلبي
ساعدت عوامل كثيرة على انتقال هذه الظاهرة إلى المدن المتحضرة كعدن بعد أن كانت تقتصر على المناطق الريفية أو الأماكن التي يتسيّد فيها الحكم والعُرف القبلي، الذي أصبح يقطف زهرات الطفولة قبل نضوجها.
تقول أم مرام، وهي عضو في مؤسسة عطايا التنموية، في روايتها لقصة طفلة تم تزويجها وهي بعمر ثمانية أعوام بعد أن قدمت مع أهلها من إحدى المناطق الريفية بمحافظة لحج للسكن في عدن منذ خمس سنوات: "لقد تمثلت البداية التعيسة لهذه الطفلة حينما تم معرفة أنها مصابة بورم من خلال تشخيص خضعت له، ولأن أهلها من المعدمين اقتصادياً ولا يقدرون على معالجتها، لجأ والدها لقتل طفولتها بتزويجها وهي بربيعها الثامن على شاب يبلغ من العمر 27 عاما، مقابل فك دينه وعلاج الطفلة بالمهر، لتظل على هذا الحال خمس سنوات حتى تمكنتُ بمعية الزميلة نور سُريب بتاريخ 15 من شهر مارس الماضي من متابعة حالة الطفلة ذات الــ 13 عاما، ومعالجة المشكلة التي تُعاني منها من خلال توفير قيمة مبلغ المهر واستلام ورقة الطلاق، وحالياً يتم متابعة وضعها الصحي وعرضها على طبيبة مختصة للبدء بعلاجها، وبإذن الله سيتم لاحقاً محاسبة القاضي الذي قام بعملية العقد لهذه الطفلة التي لم تبلغ حينها التاسعة من عمرها”.
وتشير أم مرام في حديثها لـ«الأيام» إلى أنها “خاضت موضوع هذه القضية من جانب إنساني، فيما تولت سُريب الجانب الأمني إلى جانب توفيرها للمبلغ المتبقي من المهر، لإتمام عملية الطلاق التي تمت في مركز شرطة البساتين بمديرية دار سعد”.
*مخالف للشرع
وعلّق عن هذا الموضوع المفكر الإسلامي الحبيب أبوبكر المشهور وهو الموجه العام لأربطة التربية الإسلامية في البلاد بالقول: "إن مثل هذا الاستغلال المادي مخالف للشرع والذوق ويجب الحد من هذه الظاهرة، وإذا تكرر مثل هذا الاستغلال فالفتاة القاصرة لها كل الحق في الامتناع عن هذا الزواج البهيمي".

وشدّد المشهور على ضرورة إيقاف الأب وتحذيره من هذا العمل المشين".
وفي رده عمَّن هي القاصر في الشريعة الإسلامية، وما السن الذي حدده الإسلام للزواج؟ أجاب: “هذا الأمر يختلف باختلاف الاستعداد الجسمي والعاطفي بعد البلوغ، وبالنسبة لي، فأعتقد أنه من الظلم تحديد سن معين لكون النساء يختلفن من ناحية استعدادهن للزواج من مكان لآخر حسب البيئة والتربية والحالة الجسدية والنفسية، والله أعلم”.
الحبيب أبوبكر المشهور
الحبيب أبوبكر المشهور

*تداعيات الحرب
ومثّلت الحرب الأخيرة في اليمن عاملاً أساسيًا لعودة هذه الظاهرة والتفشي في مدينة عدن، وللحد منها قامت العديد من المنظمات الإغاثة في البلاد بجدولة أساسيات اقتصادية جديدة للمساعدة بإيجاد مصادر دخل كريمة للأسر التي تجد في الفقر وسيلة وذريعة للزواج المبكر غير أن الصراع القائم في المنطقة حال دون ذلك.
وذكرت الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في اليمن في تقرير لها - تم التصريح به مسبقاً- أن الصراع القائم في المنطقة زاد من احتمالية العنف ضد المرأة والمخاطر الجمة الناتجة عنه، لاسيما العنف الجنسي والأسري، وبحسب التقرير فإن “نحو 53 ألف امرأة قاسين معاناة العنف الجنسي".
*الفقر السبب الرئيس
وأوضحت نسمة منصور وهي صحفية في إذاعة هولندا العالمية أن “زواج القاصرات في عدن أغلبه كان ضمن النازحين أو من الأسر ذي الدخل المحدود، والتي تصل إلى 70 بالمائة، إلى جانب قلة الوعي بمخاطر هذا الزواج”.
نسمة منصور
نسمة منصور

وأضافت في حديثها لـ«الأيام»: "ألقت الحرب التي تشهدها اليمن مؤخراً بأعباء جديدة على الأهالي، الأمر الذي أجبرهم على تزويج بناتهم بهذه الطريقة”.
وقال رئيس مبادرة أفاق الثقافية أحمد البغدادي: “نجد أن الثقافة المجتمعية لزواج القاصرات، إلى جانب الظروف الاقتصادية تلعب، دوراً مهماً في انتشار هذه الظاهرة، خصوصاً في فترة الحرب و النزاعات التي نُعاني ويلاتها وتفاقمت بسببها هذهِ العادة المترسخة في كثير من القرى اليمنية، ولهذا إقرار قانون تحديد سن الزواج هو الحل الأمثل الذي نرجو إليه، ولكننا في حالة غياب الدولة نحتاج إلى تكثيف الجهود المستهدفة للوعي الشعبي، والتي من شأنها أن تسهم بالتقليل من حالات هذا الزواج، ويُقدمه كجريمة إنسانية في المقام الأول، بل ستمهد للحل الذي قد يفرض من الدولة إن استقرت الأوضاع، مع أنها ستقف أيضاً في مواجهة مباشرة مع تحديات الظروف الاقتصادية الصعبة والثقافة المجتمعية السائدة، وعلى الرغم أن الدستور اليمني قد قام بوضع بعض المواد التي تنص على حماية الطفل، إلا أنه لا يوجد نص دستوري صريح، ينص على حماية الفتاة من الزواج المبكر بشكل مباشر، حيث اقتصر فقط على التأكيد على أن الدولة تلتزم برعاية الأطفال وحمايتهم من جميع أشكال الإساءة والعنف والمعاملات السيئة والاستغلال الجنسي أو التجاري، وذلك لالتزام اليمن من خلال توقيع المعاهدة الدولية لحماية الطفل”.
*غموض القانون
أحمد البغدادي
أحمد البغدادي

وكان قانون الأحوال الشخصية للعام 1994م قد حدد السن الأدنى للزواج بـ 15 سنة، غير أن هذه التعديلات التي أُدخلت على ذلك القانون جعلته غامضاً حيال هذه المسألة، فلم يكن بالإمكان ملاحظة تحديد العمر الأدنى للزواج، وكان الأمر مجرد السماح فقط للوصي على الفتاة بالقيام باتخاذ القرار حول ما إذا كانت جاهزة جسدياً ونفسياً للزواج أم لا.
ووفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” فإن 14% من الفتيات في اليمن يتزوجّن قبل سن 15 عاماً، و52% قبل سن 18.

وتبدو هذه الإحصائية غير دقيقة نظرًا للحرب الأخيرة التي تشهدها البلاد والتي بلا أدنى شك أدت لتفاقم هذه الظاهرة في جميع أنحاء اليمن أكثر مما سبق.
وسبق أن طالبت المنظمة أعضاء لجنة الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن أن يوصوا بحظر زواج الأطفال، وكما ناشدت اللجنة المكلفة بصياغة الدستور بضرورة النظر في تحديد سن الـ 18 كحد أدنى للزواج.
وبالرغم من كل المساعي الحثيثة والهجمة الإعلامية آنذاك إلا أن لجنة الحريات في “مؤتمر الحوار الوطني” والتي كانت وقتها تقوم بدراسة الدستور الجديد لليمن، صوّتت ضد مشروع القانون الذي يقضي بتحديد السن الأدنى للزواج بـ 18 عاما.
*تسيّد العادات والتقاليد
وتأسّف محمد ناجي وهو خريج كلية الحقوق من وجود قوانين يرى بأنها تفرش الورد أمام كل من تسول له نفسه العبث ببراءة الطفولة تحت ذريعة إباحة الدين والقانون.
وأضاف في حديثه لـ«الأيام»: "القانون اليمني لم يُسن قوانينه الصارمة بعد على من يُقدم على تزويج القاصرات، وبهذا يظل سن بلوغ الطفلة ضائعًا بين عادات وتقاليد أكل عليها الزمن وشرب”.
ودعت الناشطة الحقوقية سمر عاصم إلى "ضرورة منع إجراء عقد النكاح في المنازل والتوجه إلى المحاكم فقط؛ لضمان تنفيذ القانون الذي من شأنه أن يحد من تزويج الفتيات دون السن القانوني الذي أقرته التعديلات المسبقة لقانون الأحوال الشخصية وهو السابع عشر، ويتوجب على وزارة العدل أيضًا أن تلزم جميع القضاة بالانصياع للقوانين في ما يخص ذلك وألا تتهاون في الإقرار بالعقوبة على من كل تُسول له نفسه مخالفة ذلك".
*ظاهرة جديدة
وأما الممثل رائد طه فتحدث لـ«الأيام» بالقول: "نحن في عدن أكثر مدنيّة، وهذه الظاهرة غير موجودة بشكل كبير إلا لدى بعض الأسر التي نزحت من الأرياف واستقرت فيها".
وأضاف: "نحن بصفتنا فرقة مسرحية لنا دور بالتوعية من مخاطر هذا الموضوع وناقشناه بشكل كبير، ولنا أيضاً العديد من الأعمال الموثقة التي تحدثت بهذا الشأن منها: لأنني أنثى، وعود ثقاب وغيرها من الأعمال الصغيرة وقدمت في العديد من المهرجانات وسنواصل التوعية حتى نحد تماماً من هذه الظاهرة الخبيثة التي تُعد جريمة بكل ما تحمله الكملة من معنى، ولاشك أن هذه المدينة باتت تمر بفترة انتقالية طال أمدها وولدت قضايا كثيرة أصبحت تؤرق مضجع سكانها الذين عُرفوا ببساطتهم وحبهم للحياة، ومن أبرز المشكلات التي نأمل انتهاءها هذه القضية المنتهكة لحقوق الطفولة في هذه المدينة التي لم تشهدها في سابق عهدها”.
تقرير/ عبداللطيف سالمين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى