العمالقة والحوثيون في سباق مع المهلة الممنوحة أميركيا

> «الأيام» عن «العربي الجديد»

>
 بعد أسبوع على تدشين الموجة الأكبر من التصعيد العسكري لقوات الجيش اليمني الموالية للشرعية والتحالف العربي بمدينة الحديدة الحيوية، باتت التحركات الميدانية ترافق المعارك، خصوصاً مع سقوط بعض مواقع الحوثيين في قبضة القوات المهاجمة، على وقع السباق مع الزمن، نتيجة للمهلة الأميركية الممنوحة بوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات السياسية.

وعلى مدى الأيام السبعة الماضية، قطعت المدافع والغارات الجوية الحراك الدولي لوقف الحرب، وتحولت الـ30 يوماً، من مهلة مفترضة للتحضير لوقف إطلاق النار إلى ما يشبه فرصة أخيرة ممنوحة لتحقيق انتصارات صعبة ومكلفة، عجزت عن تحقيقها معارك ما يزيد عن ثلاثة أعوام ونصف، إذ مع تجدد هجوم التحالف والقوات الحكومية المدعومة منه على الحديدة، اشتعلت الجبهات الحدودية في محافظتي حجة وصعدة ومحافظة البيضاء ومدينة دمت، على الحدود بين محافظتي الضالع وإب، جنوب غربي البلاد، في ترجمة لحديث زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، يوم الأربعاء الماضي، عن أن «التصعيد امتد إلى المناطق الوسطى، وهي ليست المرة الأولى التي تحدث فيها اختراقات لكنها لا تعني نهاية المعركة».

بدورها، دعت واشنطن الأطراف المتنازعة في اليمن إلى طاولة الحوار، قائلة إن على المتنازعين معرفة «أنه لا وجود للنصر العسكري هناك». وجاء ذلك خلال مؤتمر صحافي لنائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو، مساء الأربعاء الماضي. وأضاف: «نتابع عن كثب التطورات التي تشهدها الحُديدة، وكما قال الوزير (وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو) ندعو جميع الأطراف إلى طاولة الحوار، ومعرفة أنه لا وجود للنصر العسكري الذي يمكن تحقيقه في اليمن». وأضاف: «نحث أيضاً جميع الأطراف على وقف الأعمال العدائية ودعم عمل المبعوث الأممي في اليمن، مارتن جريفيثس، في إيجاد حل سلمي للصراع». وشدّد بالادينو على أن «واشنطن كانت واضحة تماماً مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين واليمنيين في ما يتعلق بأي محاولات لتدمير البنى التحتية في اليمن، وسبل إيصال المساعدات للمواطنين». وتابع: «كنا واضحين معهم وأنّ تدمير البنى التحتية الحيوية أو عرقلة تسليم المساعدات والسلع أمر غير مقبول».

ميدانياً، قُتل 47 حوثياً و11 مقاتلاً من الموالين للحكومة اليمنية في الساعات الـ24 الماضية، في المعركة الهادفة للسيطرة على الحديدة، وفقاً لما كشفته مصادر طبية لوكالة «فرانس برس»، أمس الأول الخميس. وغالبية الحوثيين قُتلوا في غارات جوية للتحالف. وقال مسؤولون في القوات الموالية للحكومة إن «الحوثيين حفروا خنادق وزرعوا ألغاماً على الطرق في محيط مدينة الحديدة، المطلة على البحر الأحمر، لمنع تقدم القوات الموالية للحكومة». وذكر المسؤولون أن «الحوثيين نشروا كذلك قنّاصة على أسطح المباني وخلف لوحات إعلانية ضخمة للتصدي للقوات الموالية للحكومة».

وكشفت مصادر ميدانية قريبة من قوات الشرعية وأخرى محلية عن حصيلة الموجة الأعنف من المواجهات خلال الأسبوع الماضي، إذ جرى تدشين عمليات زحف على أكثر من محور، في الأطراف الجنوبية والشرقية للحديدة، من قبل قوات «ألوية العمالقة»، القوة الرئيسية في حرب الساحل الغربي. وانضمت إليها في الجبهات الأمامية قوات عسكرية موالية للعميد طارق صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح)، بعدما كانت تتولى في الأشهر الماضية مهام تأمين خطوط الإمداد والمناطق غير الخاضعة للحوثيين.

ووفقاً للمصادر، فقد «بدأ الهجوم من محوري كيلو 16 وجامعة الحديدة، حيث دارت مواجهات هي الأعنف، بالترافق مع عشرات الضربات الجوية، سعت إلى انتزاع السيطرة على مناطق جديدة من أيدي الحوثيين. وتمكنت خلالها القوات المدعومة من التحالف من تحقيق تقدمٍ، بتنفيذ التفاف من طريق ترابي شمال المدينة، وحاولت الوصول إلى طريق الشام، وهو الطريق الإضافي بين الحديدة وصنعاء، كما انتقلت المعارك من كيلو 10، وكيلو 16، إلى شرق منطقة الخمسين وحي 7 يوليو، ومواقع أخرى».

أما قوات التحالف فذكرت أن «القوات الموالية للحكومة اليمنية تمكنت من دخول مدينة الحديدة من جهتي الجنوب والشرق». كما أفاد ثلاثة من مسؤولي القوات الموالية للحكومة، بأنها «تقدّمت داخل المدينة من جهة الشرق لمسافة كيلومترين على الطريق الرئيسي الذي يربط وسط الحديدة بالعاصمة صنعاء، وباتت تقاتل الحوثيين عند أطراف حي سكني. كما أنّها تقدّمت ثلاثة كيلومترات على الطريق البحري في جنوب غرب المدينة، وأصبحت تخوض معارك مع الحوثيين عند أطراف جامعة الحديدة، على مقربة من مستشفى الثورة الواقع قرب سوق للسمك». وتابعت المصادر بالقول إن «المقاتلين الموالين للحكومة أزالوا الحواجز الإسمنتية خلال تقدمهم في المدينة الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ 2014». وقال القائد الميداني في القوات الموالية للحكومة محمد السعيدي، لوكالة «فرانس برس»: «الآن جاري التقدم إلى عمق الحديدة. إمّا أن يسلّموا المدينة بشكل سلمي، أو نأخذها بالقوة».

ومن أبرز المواقع والمنشآت التي خسرها الحوثيون، أو اقتربت منها المواجهات، شركة «مطاحن البحر الأحمر»، التي تزود ملايين اليمنيين بالقمح، بالإضافة إلى بعض المصانع التابعة لأشهر المجموعات التجارية، والتي تعرض بعضها لاستهداف بالقذائف العسكرية وقتل على أثرها عمُال مدنيون وأصُيب آخرون. وتقول قوات الشرعية إنها باتت على بعد ما يقارب خمسة كيلومترات من ميناء الحديدة، في وقتٍ تدور فيه المواجهات حول أو في طريق مقرات ومراكز حيوية، يستميت الحوثيون بالدفاع عنها لمنع أي تقدم وإلحاق أكبر قدرٍ من الخسائر في صفوف القوات المهاجمة.

بدورها، كشفت منظمة العفو الدولية أن «الحوثيين سيطروا على سطح مستشفى بمدينة الحديدة المتنازع عليها، والتي يحاول التحالف السيطرة عليها منذ الأسبوع الماضي. وأثارت هذه الخطوة القلق من اعتزام الحوثيين على استخدام مرضى مستشفى الحديدة كدروع بشرية لدرء الضربات الجوية للتحالف».

ومع مرور الأسبوع الأول، بتقدم أكثر من أي وقتٍ مضى للقوات الحكومية وخسائر للحوثيين لا ترقى لوصفها حاسمة، يضع الطرفان كافة القدرات العسكرية، الأول لتحقيق الانتصار المكلف، والآخر لمنعه إلى أقصى الحدود الممكنة، في سباق مع المهلة الممنوحة أميركياً للتحالف السعودي الإماراتي لوقف الحرب، بما فيها الغارات الجوية، والذهاب إلى طاولة مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة، ومن شبه المؤكد أن الطرف الذي سيرجح الكفة في معركة الأسابيع الحرجة في الحديدة، سيكون الأقدر على وضع الاشتراطات على طاولة المفاوضات، إذا ما صدق التوجه الدولي بالعمل على إطلاقها مع اقتراب نهاية الشهر الحالي.

وفي السياق ذاته، تزامن التصعيد في الحديدة مع عمليات عسكرية لقوات الشرعية المدعومة من التحالف على جبهات الحدود مع السعودية، وأبرزها محافظة صعدة، التي قالت الشرعية إنها حققت تقدماً فيها خلال الأيام الماضية، بمحوري الملاحيظ وكتاف. وكذلك محافظة حجة في غرب الحديدة، مع احتدام المعارك قرب مثلث عاهم.

من جهتها، دعت 35 منظمة غير حكومية يمنية ودولية، في بيان، مساء الأربعاء الماضي، إلى «وقف فوري للأعمال العدائية في اليمن»، محذرة من أن «14 مليون شخص على حافة المجاعة». ومن الموقعين على النداء المشترك «الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان» و «العمل لمكافحة المجاعة» و «كير إنترناشونال» و «أوكسفام» و «أطباء العالم»، إلى جانب منظمات يمنية.

وذكر البيان أنه «مع وجود 14 مليون من الرجال والنساء والأطفال على حافة المجاعة (نصف عدد سكان البلاد)، لم يكن الوقت أكثر إلحاحاً للتحرك». ودعا البيان الحكومات «لضمان وقف فوري للأعمال العدائية وتعليق إمدادات الأسلحة التي يخشى استخدامها في اليمن». ولفت إلى أن «الأزمة الإنسانية في اليمن من صنع الإنسان ونتيجة مباشرة للأطراف المتحاربة والقيود المشددة على الوصول إلى المواد الغذائية والوقود والمواد الطبية المستوردة والمساعدات الإنسانية». وأضاف أن «انهيار الريال اليمني وعدم تسديد رواتب عمال القطاع العام يفاقم الكارثة». وتابع «ندعو الحكومات إلى مضاعفة جهودها لضمان الوصول دون عراقيل للمواد الضرورية، ومنها عبر ميناء الحديدة الحيوي»، حيث إن الناس محاصرون نتيجة تجدد القتال في الأيام القليلة الماضية، ما عزز المخاوف على سلامة المدنيين وعمليات إيصال المساعدات الإنسانية عبر ميناء الحديدة الاستراتيجي الذي تمرّ عبره غالبية المساعدات والمواد التجارية والغذائية ويعتبر شريان حياة لملايين السكان. ودعت منظمات إغاثية دولية، الأربعاء الماضي، إلى إقامة ممرات آمنة للمدنيين مع اقتراب المعارك من مستشفيين في المدينة البالغ عدد سكانها 600 ألف نسمة.

الجدير بالذكر أن أسبوع التصعيد بدأ في أعقاب حراك دولي غير مسبوق ينادي بضرورة وقف الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، وكانت التصريحات الأميركية الصادرة عن وزيري الدفاع والخارجية جيمس ماتيس ومايك بومبيو، هي التحول الأبرز، بما احتوته مع معالم مبادرة للحل، تضمنت اقتراح «الحكم الذاتي وإقامة مناطق عازلة في الحدود مع السعودية»، لكن مهلة الـ30 يوماً، التي تحدث عنها الوزيران، تحولت إلى ما يشبه مهلة لتحقيق ما أمكن تحقيقه عسكرياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى